«الأقصر».. معابد البر الغربي

ضمن المعابد التي شيدت في البر الغربي لتكون ذكرى مدونة في التاريخ لأصحابها، يقع معبد سيتي الأول، المعبد الذي يشهد ظاهرة مختلفة في تاريخ العمارة المصرية القديمة. فالمعبد المسمى باسم سيتي الأول تبدأ قصته من رمسيس الأول والد سيتي الأول، الذي لم تتسنٍ له فرصة إنشاء معبد جنائزي في هذا الموضع المقدس من أرض طيبة. وعلى هذا فقد قام سيتي الأول ابنه بالنيابة عنه بإنشاء معبدا بدلا منه وتكريسا لذكرى والده الذي لم يبن معبدا يخلد به ذكراه، لكن الابن الوفي سيتي الأول مات قبل أن يكمل بناء هذا المعبد المميز، فأتم بنائه رمسيس الثاني وخصصه لوالديه سيتي الأول ورمسيس الثاني، أقام هو لنفسه معبدا منفصلا أطلق عليه اسم الرامسيوم.

أما معبد سيتي الأول فهو أحد أجمل المعابد التي تقع في البر الغربي. حيث يضم بين أعمدته المختلفة نقوشا لآلهة مصر القديمة المختلفين، إلا أن مقصورة مركب الإله آمون التي تقع ضمن أروقة المعبد هي أهم عنصر فني ومعماري فيه. في هذا المعبد تم تصوير سيتي الأول وهو يقدم القرابين لمقصورة آمون. أما رمسيس الثاني الذي أتم بناء المعبد فلم يفوت على نفسه تلك الفرصة الفريدة ووضع بصمته هو الآخر على المعبد في حالة تعبد.

الرامسيوم

وعلى مقربة من معبد سيتي الأول، أسس رمسيس الثاني الرامسيوم، أحد أضخم المعابد في البر الغربي، المعبد الذي يمثل تاريخا عريقا وفصلا مهما من فصول العمارة المصرية القديمة. يضم المعبد تماثيل ضخمة للملك رمسيس الثاني في وضعها الأوزيري. بالإضافة كذلك إلى وجود رأس ضخمة لتمثال كان قائما في بهو المتحف لكنه ملقى على الأرض. وعلى عادة المعابد التي يشيدها رمسيس الثاني فلقد خلد هذا المعبد معركته الشهيرة ضد الحيثيين. ولعل أهم ما يميز هذا المعبد صالة الأعمدة التي تتوارى حول الصرح الكبير في صدر المعبد، وما تضمه من نقوش وخراطيش ملكية لرمسيس الثاني. ومثل المعبد مصدر ثري للعديد من تماثيل رمسيس الثاني المميزة، التي زخرت بها المتاحف.

استكمالا لأسرة رمسيس، فعلى بعد خطوات قليلة فقط من معبد الرامسيوم، يوجد معبد الملك مرنبتاح، ابن الملك رمسيس الثاني. إلا أن المعبد يظهر بشكل شبه مندثر، لا يضم إلا تمثالين فقط لمرنبتاح في وضع أضفي عليه المهابة.

تمثالي ممنون

على ناحية أخرى من المدينة يقف تمثالي ممنون، وما يميزهما دون غيرهما من التمثالين في بر الأقصر، أنها ينخرطان في المكون الإنساني والعمراني في المنطقة بشكل منسجم كبير. وسط رقعة زراعية خضراء تعكس فصلا من فصول الحضارة القديمة. تمثالي ممنون اللذان يظهران في وضعية ملكية. حيث يجلسان على كرسي العرش وينظران ناحية الشرق هما في الأساس للملك أمنحتب الثالث. كانا جزءا من معبد جنائزي ضخم في تلك الرقعة، لكن بقاء التمثالين فرض على المخيلة الشعبية أنهما يحميان البر الغربي كله، خاصة في وضعهما المهيب القوي. واسم ممنون هذا يرجع إلى الإغريق حيث اعتقدوا أنهما للبطل الإغريقي ممنون الذي قتل في معركة طروادة. خاصة أنهم كانوا يسمعون منهما أصواتا حزينة عندما تهب الرياح. وسبب تلك الأصوات أنها كانت تخرج من بين تلك الشقوق في بدن التمثالين، الشقوق التي تسببت بها الزلازل كانت هي الكاتب الأول لأسطورة التسمية المنتشرة بين الناس الآن.

مدينة هابو

بعيدا قليلا من كل هذا، ناحية التكتلات العمرانية وخلف القرى التي ترتكز في البر الغربي، يقع معبد مدينة هابو. أكبر معابد البر الغربي وأضخمه، وهو في الأصل معبد جنائزي لرمسيس الثالث. تدخل إلى هذا المعبد عن طريق بوابة محاطة ببرجين ضخمين، ثم إلى صرح ضخم يوصلك إلى بهو أعمدة مهيب. يضم بين أساطينه الجميلة تلك العديد والعديد من النقوش والمناظر الهامة. خاصة تلك التي تصور رمسيس الثالث نفسه وهو يقوم من حين إلى آخر بزيارة المبنى بصحبة حريمه. بالإضافة إلى تجسيد لحملاته تلك التي كان يفعلها خارج البلاد. وسمة هذا العصر الحربية نلحظها على منشآتها بالتأكيد، فيصور رمسيس الثالث نفسه وهو يلقن الأعداء الأجانب درسا أمام الإله آمون.

يحفل هذا المعبد المهيب بالعديد من الرسومات والنقوش الجميلة التي تحتفظ بألوانها الزاهية كما هي. فخلف الصرح تقع المقاصير التي مثلت آلهة مصر القديمة. فما بين رع إله الشمس يعطي مفتاح الحياة إلى ملك وما بين حالة تعبد إلى آمون يخضع إليها رمسيس الثالث يتكون هذا المعبد ويقوم في حالة من الرهبة والمهابة.

دير الشلويط

تاركا معبد مدينة هابو خلفك نحو دير الشلويط، وعلى صغر حجمه فهو أحد أهم المعابد التي قامت في المنطقة. حيث خصص لعبادة الإلهة إيزيس، وأهميته تلك ترجع إلى علاقته بالمعبودة إيزيس. إذ هو المعبد الوحيد الذي خصص لعبادتها من العصر اليوناني الروماني في هذا المكان. لقد كانت الإلهة إيزيس في مخيلة المصريين التعبدية الزوجة المطيعة والأم الحنون كذلك بالإضافة إلى أنها الأخت المحبة، من أجل هذا كله أحب المصريون إيزيس وعبروا عن كونها أصل الحياة في مصر القديمة.

أناشيد المهابة لإيزيس التي نقشت على صفحات هذا المعبد الأنيق تعكس أهمية إيزيس كأهم وأشهر أسطورة مصرية وهي المعبودة الأم عند المصريين القدماء. وهي الرمز الذي يجمع بين الكون السماوي وبين الأرض. فهي ابنة إله الأرض جب وإلهة السماء نوت، لذلك تم تقديسها مع زوجها وأخيها أوزوريس في مصر القديمة. لذلك لم يكن من المستغرب أن يتم توثيق أساطير تلك السيدة العظيمة لدى المصريين القدماء على نصوص التوابيت والكتب الجنائزية المختلفة على جدران المقابر والمعابد. شكلت إيزيس في مخيلة المصريين القدماء كل شيء.

اقرأ أيضا:

«الأقصر».. الطريق إلى معبد المدينة

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر