بعد أزمة دير سانت كاترين.. هل خسر «خالد العناني» معركة اليونسكو؟

وصفت منظمة «ووتش» الدولية (منظمة غير حكومية معنية بمراقبة وضع مواقع التراث العالمي) في بيان لها القرارات الأخيرة بشأن دير سانت كاترين بأنها “مؤسفة”. إذ أشارت إلى أن حرمان الدير من استخدام بعض أراضيه في المستقبل بمثابة مخالفة يجب التراجع عنها.

في المقابل، لم يشر بيان المنظمة للوعود الحكومية المصرية والخاصة بتعهد الدولة بالحفاظ على الطابع الأثري للدير، وعدم تغيير وضعه القائم. وبينت المنظمة أنها تختلف مع تصريح الجانب المصري بأن طبيعة الدير لن تتغير. معبرة عن تخوفها من أن الدولة المصرية، بصفتها المالكة، يمكنها في أي وقت سحب حقوق استخدام الدير أو فرض لوائح وقيود جديدة.

ودعت المنظمة الدولية إلى ضرورة اعتراف مصر بملكية الدير وجميع أراضيه، التي لم يتم الطعن فيها منذ تأسيسه قبل 1500 عام، وذلك من خلال عقد قانوني بين الدولة المصرية ورئيس أساقفة سيناء.

وطالب البيان باستغلال العلاقات الطيبة بين مصر واليونان لحل الأزمة بشكل كامل، وفقًا لمعاهدة خاصة تنص على الحفاظ على الطبيعة والاستخدام المستدام للأراضي. كما شدد على ضرورة أن تكون إدارة الآثار المصرية هي الجهة المسؤولة عن حماية الآثار، مع الالتزام الكامل بقرارات لجنة التراث العالمي فيما يتعلق بالممتلكات المدرجة في قائمة التراث العالمي.

ماذا حدث؟

أصدرت محكمة استئناف الإسماعيلية – دائرة الطور بسيناء – حكما مؤخرًا في قضية قانونية حول أرض متنازع عليها بين محافظة جنوب سيناء ودير سانت كاترين. قضت فيه بأن للدير الحق في استخدام أراضيه والمواقع الأثرية الدينية المحيطة به. مع التأكيد على أن الدولة هي المالك العام لهذه الممتلكات.

استندت المحكمة إلى أن وجود الرهبان التابعين للدير كان بصفتهم الدينية. وأنهم يمارسون شعائرهم تحت رئاسة الأسقف المعين بموجب المرسوم الجمهوري رقم 306 لسنة 1974. وأكد أن المجلس الأعلى للآثار هو الجهة المشرفة على المواقع الأثرية في المنطقة.

ورأت المحكمة أن استخدام الدير لبعض الممتلكات في مدينة سانت كاترين كان تعاقديًا. ولا يشكل تعديًا على ممتلكات الدولة. أما الأراضي الأخرى المتنازع عليها، فوصفتها المحكمة بأنها تقع ضمن محمية سانت كاترين الطبيعية. وهي ملكية عامة لا يمكن التصرف فيها، ولم تبرم بشأنها أي اتفاقيات استخدام رسمية.

دير سانت كاترين
دير سانت كاترين
محمية سانت كاترين

تأسست محمية سانت كاترين عام 1996، وتغطي مساحة تبلغ 5750 كيلومترًا مربعًا. وتوجد داخلها منطقة تبلغ مساحتها حوالي 600 كيلومتر مربع مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي باسم «منطقة سانت كاترين». وتضم دير سانت كاترين وجبل موسى.

يوجد عدد كبير من المواقع المقدسة والمساحات الزراعية الصغيرة التي استخدمها الدير منذ سنوات. سواء في منطقة مدينة سانت كاترين أو في المحمية الطبيعية الأوسع. وقد صرح المطران داميانوس، رئيس أساقفة سيناء ورئيس دير سانت كاترين، في حديث لمجلة National Herald اليونانية، بأن الإيبارشية قدمت 71 طلبًا لتسجيل أراضيها منذ أكثر من 40 عامًا. لكنها لم تتلق أي رد على الإطلاق.

ووفقًا لمنظمة “ووتش”، فقد تم تجاهل حقيقة أن الدير يمتلك هذه الأراضي منذ تأسيسه. وتدعم هذه الملكية وثائق تاريخية، منها وثيقة موقعة من النبي محمد نفسه. وأعيد تأكيدها من قبل السلطان العثماني سليم الأول بعد فتحه (احتلاله) مصر عام 1517، ما يعني اعترافا طويل الأمد بهذه الملكية.

تخوفات من السياحة المفرطة

ترى المنظمة أن قرار المحكمة يجب أن يُنظر إليه ضمن سياق أكبر، خاص بمشاريع تطوير سياحي هائل تم التخطيط لها دون موافقة اليونسكو. وقد اكتملت بالفعل مجمعات فندقية بالمنطقة. وتخشى إدارة الدير أن تكون القرارات الأخيرة مدخلا لمنح الحكومة حرية غير محدودة للوصول إلى الدير وأراضيه لأغراض تجارية وسياحية. (وافقت المديرة الإقليمية لمنظمة اليونسكو، نوريا سانز، على الأعمال التي تجري في المنطقة، بخلاف ما ذكره البيان).

وذكرت “ووتش” أن هناك مشروعات حالية، من بينها تمديد مدرج مطار جديد ليصل طوله إلى 3 كيلومترات. وشق طريق جديد يمر بالمناظر الطبيعية الصخرية ليربط المطار بالدير باستخدام معدات ثقيلة. كما سيضاء الطريق المؤدي إلى باب الدير على مدار الساعة، وسيرتفع تلفريك مزدوج إلى جبل موسى. مع إضاءة مسار المشي إليه. كما سيتم مد كابل ألياف ضوئية إلى الدير لتوفير خدمة الإنترنت للسياح.

مراجعة عاجلة

طالبت المنظمة بإدراج منطقة سانت كاترين ضمن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر في دورتها المقبلة خلال يوليو المقبل. ودعت إلى إرسال بعثة مراقبة تفاعلية على الفور، ووقف جميع أعمال البناء في الموقع دون أي تأخير إضافي.

كما دعت إلى مراجعة عاجلة لدور مكتب اليونسكو الإقليمي في القاهرة، الذي ترأسه الإسبانية «نوريا سانز». معتبرة أن تقاريره افتقرت إلى أي نقد جاد للتطوير الجاري بالمنطقة، والذي يتعارض مع اتفاقية التراث العالمي. وفضلت التركيز على ما سمته “المزايا الظاهرية للتنمية”.

وفي خطوة تصعيدية، دعا التقرير إلى الامتناع عن التصويت للمرشح المصري خالد العناني (وزير السياحة والآثار السابق) لعضوية اليونسكو، مشيرا إلى أن مشروعات التطوير الحالية بدأت في عهده. وختمت المنظمة بيانها بسؤال لأعضاء اليونسكو: “بناء على هذه الأمور.. هل من المتوقع أن تكون اليونسكو في أيد أمينة مع المرشح خالد العناني؟”.

منافسة شرسة على منصب المدير العام

يذكر أنه في 15 مارس الماضي، وقبل يومين فقط من إغلاق باب الترشح لمنصب المدير العام لليونسكو، تقدم مرشحان من داخل المنظمة بأوراق ترشحهم رسميا. وهما: المكسيكية جابرييلا إليان راموس، المديرة العامة المساعدة للعلوم الاجتماعية والإنسانية في اليونسكو، والكونغولي فيرمين إدوارد ماتوكو، المدير العام المساعد لإدارة إفريقيا والعلاقات الخارجية في المنظمة.

ومن المقرر أن تجرى انتخابات اختيار المدير العام في أكتوبر من العام الحالي، خلفًا لمديرة اليونسكو الحالية، الفرنسية أودري أزولاي.

وقد أظهرت الانتخابات السابقة مدى تعقيد وتأزم مسار الوصول إلى هذا المنصب الرفيع. إذ لم ينجح المرشحون المصريون السابقون، رغم الدعم الإقليمي القوي. وغالبًا ما تضفي المناورات السياسية داخل أروقة اليونسكو. خصوصا يما يتعلق بترشيحات المساعدين والمديرين، طبقات إضافية من التعقيد والمنافسة.

جنوب عالمي يتحدى هيمنة الشمال

تجدر الإشارة إلى أن المرشحين الثلاثة المتقدمين حتى الآن ينحدرون جميعًا من دول «الجنوب العالمي». في مؤشر على الرغبة في كسر الهيمنة التاريخية لدول الشمال (أوروبا وأمريكا الشمالية) على المنصب. وبهذا يعني، تتجاوز هذه الانتخابات حدود المؤهلات الشخصية لكل مرشح. لتعبر عن محاولة لإعادة تشكيل ميزان القوى داخل المنظومة الدولية عبر تعزيز حضور دول الجنوب في مؤسسات الأمم المتحدة.

تفتيت الأصوات الإفريقية

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن الانتخابات قد تتحول إلى معركة بالوكالة داخل المنظمة. حيث يواجه ترشح خالد العناني، وزير السياحة والآثار المصري السابق، برفض ضمني من بعض الدوائر، باعتباره مرشحا من خارج المنظمة. وتظهر بعض المؤشرات أن المديرة العامة الحالية أودري أزولاي، تفضل دعم المرشحين الداخليين، خصوصا المكسيكية راموس. ويقال إنها دفعتهم إلى الترشح.

<p><p>وفي المقابل، ورغم الدعم الكبير الذي يحظى به العناني من جانب الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية. إلا أن ترشح الكونغولي ماتوكو كمرشح رسمي من داخل المنظمة، قد يؤدي إلى انقسام الأصوات الإفريقية. فغالبا ما تعلن الكتل الإقليمية مواقف موحدة ظاهريا. بينما تسعى بعض الدول الأعضاء داخلها لتحقيق مصالحها الوطنية من خلال تقديم مرشحين بديلين. وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفتيت الأصوات داخل القارة، وإضعاف فرص المرشح المصري رغم الدعم القاري.

عقاب أوروبي محتمل بسبب أزمة دير سانت كاترين 

في سياق موازٍ، قد تؤثر أزمة دير سانت كاترين الأخيرة على فرص العناني، خصوصا في ظل تصاعد الغضب داخل الدوائر الأوروبية. فقد تبنت الحكومة اليونانية والمعارضة خطابًا عنيفًا تجاه الواقعة الأخيرة. كما لعبت الصحافة اليونانية دورا بارزا في تدويل القضية، عبر الترويج للسردية اليونانية حول حقوق الدير، مقابل تهميش الرواية المصرية.<p>وقد التزم العناني الصمت خلال الأزمة، ولم ينحاز لأي طرف في الجدل الدائر حول الدير. الأمر الذي دفع منظمة “ووتش” الدولية، المعنية بحماية التراث، إلى الإشارة ضمنيا إلى مسؤوليته خلال فترة تولية وزارة الآثار. وتمتلك المنظمة مصداقية عالية داخل الأوساط الغربية، وقد أكدت في تقريرها الأخير أن أعمال التطوير السياحي في محيط الدير تمت في فترته الوزارية. وهو ما قد يضعف من حظوظه أمام دول أوروبا، التي قد تعتبره طرفا في الأزمة. وبالتالي تقرر سحب دعمها له كنوع من العقاب السياسي والدبلوماسي غير المعلن.

اقرأ أيضا

منافسان جديدان على منصب مدير «اليونسكو».. هل ضاعت فرصة خالد العناني؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.