حوار| الفنان أدهم لطفي: الفن التشكيلي أصبح نوعا من الوجاهة

تتواصل فعاليات المعرض الفني «ملامح مصرية» للفنان التشكيلي أدهم لطفي، بقاعة «دروب» في جاردن سيتي حتى يوم 5 يوليو القادم. تتنوع الأعمال الفنية المعروضة بين الأبيض والأسود واللوحات الملونة التي تجسد الحارات والمنازل المصرية، فضلا عن بورتريهات الفنانين.

رغم دراستك الديكور المسرحي في أكاديمية الفنون، إلا أنك لم تعمل في هذا المجال.. لماذا؟

لم أخطط في البداية لدخولي أكاديمية الفنون ودراسة الديكور المسرحي. كنت أرغب في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، لكن بضع درجات قليلة باعدت بيني وبينها، بالرغم من حصولي على الدرجة النهائية في اختبارات القدرات، لذا التحقت بأكاديمية الفنون “المعهد العالي للفنون المسرحية” لأنها قريبة من هذا المجال.

وجدت بعد ذلك أن الدراسة بالمعهد أوسع وأرحب عن كونها دراسة للرسم فقط في كلية الفنون الجميلة. حيث تعرفت هناك على المسرح “أبو الفنون”، ودرست الموسيقى والطرز المعمارية والإخراج والتمثيل. وكان من بين دفعتي بعض الفنانين أمثال وائل نور، وسلوى خطاب وغيرهم، لكن بعد تخرجي اتجهت للعمل بالصحافة.

وما الذي دفعك نحو فن الكاريكاتير؟

أحب فن الكاريكاتير، وكنت أحب تحويل بورتريهات الأشخاص إلى شكل الكاريكاتير بتغيير الملامح، لكن مع الحرص على إظهار روح الشخصية التي أقوم برسمها. وبالطبع مع استخدام القواعد التشريحية التي درستها، لأن الكاريكاتير فنًا ليس سهلا كما يعتقد البعض.

وقد تأثرت كثيرا بالفنان الكبير حسين بيكار، وأيضًا بالفنان مصطفى حسين، الذي كان يمثل من وجهة نظري السهل الممتنع، وأحببت رسم البورتريه من خلاله، كما التحقت بالجمعية المصرية للكاريكاتير منذ رئاسة الفنان مصطفى حسين، وقد شاركت من خلال عضويتي في الجمعية في الكثير من المعارض الفنية التي كانت تنظمها السفارات الأجنبية في مصر.

أيضا عملت في البداية بمجلة “صباح الخير”، ثم عملت بعدها في حوالي 20 جريدة ومجلة مختلفة منهم “أخبار الأدب، اليوم السابع، المصري اليوم، البديل”، لكن عملي في مجلة العربي الناصري لمدة 10 أعوام هو الذي حقق شهرتي في هذا المجال فقد كان العدد يحمل من 5 إلى 6 رسومات كاريكاتورية.

ومتى توجهت إلى رسم البورتريهات؟

لم أتجه نحو رسم البورتريهات من الطبيعة والأشخاص، إلا عندما طلبت مني إحدى الجرائد رسم بورتريه لـ”شارون”، وبعد أن رسمته أعجبني العمل في رسم البورتريهات العادية ومنها بدأت في رسم الأشخاص.

لكن بعد المشاركة في الكثير من المعارض الجماعية لفن الكاريكاتير توقفت عن العمل في المجال الصحفي، وتحديدًا بعد ثورة 25 يناير. وذلك بعد أن لاحظت عدم حصول الفنان الذي يعمل في المجال الصحفي على التقدير الكافي، ولست الوحيد الذي قرر ترك العمل الصحفي حيث اتخذ هذا القرار أيضًا الكثير من الفنانين الذين كانوا يعملون في هذا المجال.

شاركت في العديد من المعارض الجماعية.. هل تفضلها عن الخاصة أم هناك سبب آخر؟

كان أول معرض خاص بي في عام 1996 عن العمال. حيث كنت أعمل في منطقة شبرا الخيمة في مصنع للبلاستيك يمتلكه والدي، وكان أغلب العمال بالمصنع من محافظات الصعيد، وشدتني الملامح المصرية للعمال. فكنت أجلس معهم وأقوم برسمهم، إلى أن تجمع لدي حوالي 30 عملًا فنيًا تم عرضهم جميعًا في أول معرض خاص بي. ولاقت الأعمال استحسان كبير، وهو ما دفعني إلى تكملة مشواري.

على المستوى الشخصي، أفضل المعارض الجماعية. وقد يكون السبب “ماديا” وراء هذا التفضيل، حيث إن تكلفة المعرض الخاص تكون مرتفعة ولا يعود على الفنان دخلا كبيرًا في حال عدم بيع الكثير من الأعمال.

إضافة لذلك فإن المناخ الفني في مصر خاصة الفن التشكيلي “شبه ميت”. هناك الكثيرين الذين يجهلون قيمة العمل الفني، وللأسف يشغل بعضهم مناصب كبيرة، وعندما يرغبون في رسم بورتريه شخصي لهم، يريدون دفع مقابل مادي ضعيف، وهو ما يشير إلى عدم وجود تقدير حقيقي للفن.

تعبر الكثير من لوحاتك عن مصر القديمة في الحقبة المملوكية.. كيف تفسر ذلك؟

الأمر ببساطة أنني أحب الصور القديمة عن مصر، وبدأ هذا الحب من خلال العديد من الصور القديمة التي رسمها بعض الأجانب لمصر في نهاية القرن التاسع عشر. وهي فترة المرحلة التأثيرية. وقد ظهر اختراع الكاميرا، الذي استفاد منه الكثير من الفنانين العالميين. حيث صور الأجانب أثناء تجوالهم في مصر، العديد من الحارات والأزقة المصرية في الكثير من الأماكن. كما صوروا الحوانيت والناس البسطاء في الشوارع والمقاهي.

وعندما رأيت تلك الصور على شبكة الإنترنت شغُفت بها كثيرًا، وتمنيت أن يراها الجميع لكن بريشة فنان. فعملت على إعادة اللقطة الفوتوغرافية وتحويلها إلى عمل فني عن طريق الرسم. وكنت اختار الصور التي يوجد بها العناصر الفنية المكونة  للوحة، مثل الإيقاع والضوء وغيرها، مع إضافة بصمتي ورؤيتي الخاصة.

فمثلا كان الأشخاص في أغلب الصور ينظرون بانبهار إلى الكاميرا حينما كانت شيء حديث وجديد في ذلك الوقت. لكنني عندما أعيد رسم الصورة الفوتوغرافية أتعمد تغيير اتجاهات الأشخاص الذين كانوا في الصورة الأصلية، وأعيد الحركة فأجعلهم يتحدثون مع بعض. لكنني لا أتدخل في شكل المكان وتفاصيله، وكذلك الملابس. ويضم معرضي حوالي 20 لوحة لمصر زمان، وجميعها بالأبيض والأسود حتى تعطي انطباع بتاريخيتها وقدمها.

تنتمي لوحاتك جميعها إلى المدرسة الواقعية، لماذا لم تجرب مدارس فنية أخرى؟

“الفن لا يترجم” أنا من أنصار تلك المقولة، وكذلك اللوحة لا يجب أن تترجم. وعلى من يراها أن يفهمها بسهولة دون الحاجة إلى توضيح من الفنان عما يقصد في اللوحة أو ما بها من أشياء مبهمة.

وأنا لست ضد المدارس الفنية الأخرى، ولأن الفن يخاطب المشاعر والأحاسيس، إذا لم يفهم المتلقي عمل فني ينتمي إلى التجريدية، برغم الألوان وأن تمس اللوحة مشاعره، فإن الخطأ هنا يقع على الفنان لأنه لم يتمكن من توصيل ما يريد للمتلقي.

هل ترى أن الكلاسيكية التي تنتمي إليها لا تجد من يقدرها، في ظل المدارس الجديدة التي تستفيد من التكنولوجيا البصرية؟

نتعرض في بعض الأحيان إلى كثير من الانتقادات المحبطة، مثلا الفن الكلاسيكي «راحت عليه». لكني اعتقد أن الفنان يرسم ما يحب، ولا ينتظر القبول أو الرفض لأن تتعدد الآراء من طبيعة الفن. وأن تقبل الفن الكلاسيكي يعود إلى طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه الفنان.

وفي مجتمعنا العربي تأثر الجمهور بمدارس الفن الغربية قليل جدًا، على الرغم من أن هناك فنانين ينتمون للسريالية أو التكعيبية أو التجريدية، لكن أعمالهم رائعة، ومفهومة مثل سريالية عبدالهادي الجزار. حيث تشعر أن فنان حقيقي وعبقري.

انتشرت في الفترة الأخيرة العديد من الجاليرهات والمعارض أيضا.. هل يسهم ذلك الأمر في زيادة المعروض من اللوحات ومنح الفرص للفنانين، أم الطابع التجاري هو الحكم هنا؟

على الرغم من كثرة قاعات العرض والجاليرهات، إلا أنني والعديد من الفنانين في جيلي نأخذ فترة للبحث عن جاليري يعرض أعمالنا. لأن أغلب قاعات العرض، أصبحت لا تقبل أعمال الفنان إلا إذا كان واحدًا من ثلاث: “أن يكون ثريًا، أو لديه “واسطة” ومعه أحد أصحاب النفوذ، أو أن يكون أحد المشهورين ومن الأسماء الكبيرة”، ولا عزاء لأمثالنا من الفنانين.

وهو ما يجعل البعض من عديمي الموهبة يعرضون في أكبر القاعات، وتسلط عليهم الأضواء بشكل لافت. وقد يزور المعرض وزراء ورجال الأعمال والمال، وهو ما يريده مالك قاعة العرض.

«إحنا مش صغيرين ولينا تاريخ طويل»، فهل يقبل أن نبحث عن قاعات عرض وفق هذه المعايير المهينة. بالإضافة إلى أن أسعار العرض في تلك القاعات مرتفعة، حيث يطلب مالك القاعة 20 ألف جنيه مقابل العرض. بجانب ما يقوم بوضعه من قيود يتم فرضها على الفنان تصل إلى التدخل فيما يجب أن يرتدي من ملابس، فضلًا عن مواعيد وتاريخ العرض. بالإضافة إلى الاتفاق على نسبة من المبيعات يحصل عليها مالك قاعة العرض، تصل أحيانًا إلى 40% وهو ما يذعن له العديد من الفنانين، وأصبح لدى البعض شعور بأن “الفن التشكيلي نوعًا من الوجاهة”.

وماذا عن قاعات العرض التابعة لوزارة الثقافة؟ لماذا لا تكون البديل عن الجاليرهات وقاعات العرض الخاصة؟

للأسف قاعات وزارة الثقافة بالرغم من أنها مفتوحة لكن لا يتم الترويج لها، وبالتالي لا تحقق العديد من المعارض التي تقام بها أي مبيعات. واعتقد أننا «جيل مبدع لكنه مهضوم الحق»، ولأننا من أبناء الجيل الذي يحب الرسم. أي نرسم من أجل إشباع تلك الرغبة، لذلك نعاني من تكلفة هذا الحب. حيث إن سعر اللون الواحد قد يصل إلى 400 جنيه، كذلك ارتفعت أسعار الفرش، وبالفعل الكثيرين منا يرسم في أوقات كثيرة من أجل نفسه وإشباع رغبته في الرسم فقط.

أخيرا.. لماذا ترى أن فناني جيلك «مهضوم حقه»؟

بالفعل نحن جيل وقع في فترة «غريبة» هي فترة ما قبل ظهور الكمبيوتر. وعندما سادت التكنولوجيا، أصبحنا غير قادرين على مواكبتها وليس لدينا جهد للتعاطي معها واستخدامها. كما أن استخدامنا للسوشيال ميديا ضعيف. وأرى أن الأجيال الجديدة لديها الجرأة والوعي لاستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا أفضل منا.

اقرأ أيضا:

معايير السرقة.. معايير الاقتباس: تشكيليون ينتقدون تصميمات غادة والي

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر