دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

في مديح المانجو.. بين تراث السمسمية وربابة متقال

على مسرح مفتوح بحديقة عامة، قدمت فرق الإسماعيلية والشرقية للفنون الشعبية فقرات غنائية مزجت بين التراث والحديث، كما فعل كثيرون في مهرجان المانجو مؤخرا، حيث تغنوا بالفاكهة وعددوا مزاياها وكأنها محبوبة تتغزل في جمالها على أنغام السمسمية والربابة.

وتشتهر أغنية «عظيمة يا مانجا»، لمطربين عديدين بدءًا من الريس متقال بموال صعيدي على الربابة، وعبده العثملي في دور ضمة سمسمية بالإسماعيلية، وصولا إلى محمد رشدي حين تغزل في محبوبته بكلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي: «آه يا ليل يا قمر.. المانجا طابت ع السجر»، وحتى توفيق بائع المثلجات في أوبريت «الدندورمة».

في مهرجان المانجو بالإسماعيلية في مطلع أغسطس الجاري، قدمت أغنية “أحلي مانجا” كأغنية رسمية للمهرجان، من كلمات محمد مغاوري وغناء رفيق يوسف، عدد فيها أصناف المانجو المعروفة بالمدينة، وطرق تناولها سواء بالأكل أو العصير.

ما هو أصل المانجو؟

تعود أصول المانجو إلى آسيا، ووصلت إلى مصر في القرن التاسع عشر. وبدأت بعدها تحصل على مكانتها في التراث الشعبي، بالشعر والأغاني. ويفسر الدكتور حمدي سليمان، أستاذ الاجتماع بكلية التربية جامعة العريش، ذلك بقوله: “تتشكل ثقافة أبناء الإسماعيلية من خلال مجموعة متنوعة من العوامل. أهمها الجغرافيا وقناة السويس وفنون السمسمية، وتاريخ حي من المقاومة ما زال يٌلهم الأجيال المتعاقبة. إضافة إلى الولع الشديد بكرة القدم وفريق الإسماعيلي “الدراويش”. وكذلك سمكة السهلية وثمار المانجو، وتلك الأخيرة “المانجو” لها مكانة خاصة لدى أبناء المدينة وعشاقها في مصر والوطن العربي”.

ويضيف: “تعيش المانجو في تفاصيل عدة بالمدينة في مزارعها، وحدائق المنازل والفيلات التاريخية المنتشرة بمنطقة الإفرنج. وقد تجل عشقها حتى خيم على الكثير من مفردات الحياة في تلك المدينة. بداية من لونها الأصفر المميز الذي يرمز للشمس والأمل، ويشكل الهوية الثقافية للمدينة. حيث اشتهر به قميص فريق الإسماعيلي التاريخي، واتخاذه أيضا لونا مميزا لسيارات الأجرة. إضافة إلى انتشاره في دهانات الأرصفة، ووجهات بعض المحال والأكشاك”.

كما يشير إلى تعبير أبناء الإسماعيلية عن محبتهم للمانجو في أشعارهم وأغانيهم وزخارفها ولوحاتهم التشكيلية وفنونها المختلفة. كما أنها تعد من الهدايا المحببة التي يرسلها أبناء المدينة إلى أقاربهم وأصدقائهم الذين يعيشون خارج الإسماعيلية”.

من استعراضات مهرجان المانجو 2025.. تصوير: محمد عوض
من استعراضات مهرجان المانجو 2025.. تصوير: محمد عوض
المانجو في ثقافة الهند ومصر

في الهند، حيث بدأت زراعة المانجو كفاكهة مدارية ووصلت لمصر من هناك، ارتبطت المانجو برمز الحب والخصوبة والرومانسية في الأدب الهندي لعدة قرون، وتظهر كاستعارة للحبيب مع حلاوة الفاكهة التي تمثل حلاوة الحب، مثل قصيدة الشاعر الهندي أمار كاجال، حين يقارن عيون حبيبته بالمانجو الناضجة.

ويقول د. حمدي سليمان إن المانجو ظهرت أيضا في الزجل بالثمانينات في القرن الماضي، باعتبار أن الزجل أقرب للشعر الغنائي ويمكن أن تتحول إلى أغنية تشتهر أكثر من كونه شعرا. وظهر تمثيل المانجو بالمحبوب، في أغنية محمد رشدي حين يصف جمال محبوبته بالمانجو التي طابت علي الشجر، وحديثا وصفت المطربة أصالة حبيبها بأنه “زينة الفواكة يا مانجا” وتصر عليه أن يحبها.

وفي مطلع الثمانينيات غنت ليلى نظمي للمانجو والفراولة في أغنيتها الشهيرة “الدنيا حر” وقالت:

الدنيا حر، الدنيا حر، أنا عايزة أخرج أتهوا، تتهوي فين

عايزة مانجا، عايزة فراولة، رايحة أشرب حاجة حلوة، تيجي بيها منين

م الفكهاني والحلواني ومحل عصير فتحوا عشاني

قدامه جنينة وظلاية، أتمشى وأخويا معايا، أشرب وأجيبلك كباية

***

وفي الشعر العامي، قدم صالح جاهين مشاكسته بين المانجو والعنب:

المانجة قالت للعنب.. إتلم يا مفرط

مركون ومالك سعر.. على أيه بتتشرط

زعل العنب منها.. راح مشتكي للموز

وقاله ينفع كده؟.. أو حتى يعني يجوز؟

إكمنها زبدية؟.. تعمل كده فيا؟

راقص يؤدي على أغنية عظيمة يا مانجا..تصوير: محمد عوض
راقص يؤدي على أغنية عظيمة يا مانجا..تصوير: محمد عوض
متى بدأت عظيمة يا مانجا؟

يقول محمد ميدا، عازف السمسمية بالإسماعيلية: “أغنية عظيمة يا مانجا واحدة من التراث الإسمعلاوي. حيث تشتهر المدينة بالسمسمية والمانجو”.

ويتذكر أن أول من غناها المطرب والعازف عبده العثملي. وقال “الأغنية مرتبطة بفاكهة مشهورة بالإسماعيلية، ومعروف للريس متقال أنه غنى عن الفراولة على الربابة. وأيضا المانجو ليست مشهورة في الصعيد بنفس شهرتها بالإسماعيلية”.

ويفسر “ميدا” عدم ظهور أي أغنية جديدة للمانجو للغناء على السمسمية، بقوله: “في حاجات بتبقى زي البصمة ما ينفعش تتكرر أو يتعمل زيها. منها عظيمة يا مانجا، مفيش حد قدر يعمل زيها تاني، وزي المسحراتي مفيش حد قدر يكرره زي سيد مكاوي وبرضو الليلة الكبيرة”.

حجازي متقال

قبل عامين، أطلق المغني الشعبي حجازي متقال مقطع مصور لأغنية عظيمة يا مانجا. ونسبها لأبيه الراحل الريس متقال بأنه صاحب الكلمات واللحن. فيما يشتهر متقال قناوي بلهجته الصعيدية الثقيلة “الفراولة بتاع الفراولة، قرب اشترى مني أولى” عام 1975.

يتذكر أحمد فاروق كبير الإذاعيين بإذاعة القناة، أن أغنية “عظيمة يا مانجا” أذيعت أولا بصوت الريس متقال على الربابة. ثم تناقلت كتراث شعبي إلى السمسمية واشتهرت هنا. لأن صوت السمسمية أكثر بهجة، وأقرب اتصالا بالمدينة. ويقول: “السمسمية مرتبطة بوجدان محبيها في الإسماعيلية. تحكي يومهم وإعادة الأغاني القريبة من نفس السلم الموسيقي. فأصبح الناس هنا تتذكر أغنية “الفراولة بتاع الفراولة لمتقال، العظيمة يا مانجا بتراث السمسمية”.

فرقة الإسماعيلية للفنون الشعبية بمهرجان المانجو.. تصوير: محمد عوض
فرقة الإسماعيلية للفنون الشعبية بمهرجان المانجو.. تصوير: محمد عوض
بلاغة نداءات الباعة

يُفرِّق الأديب يحيى حقي في كتابه “ناس في الظل” المنشور بالهيئة العامة للكتاب عام 1984، بين نداءات الخضراوات في الأسواق مثل الطماطم والباذنجان والجميز. إذ يرى أن هذه النداءات مثل شعر شعبي تلقائي. أما النداءات المستحدثة منها الجوافة والمانجا والفراولة، فإنها لم تجد الملحن العبقري المجهول الذي يسلكها في الخالدين. فالنداءات عليها أشبه بصفحة مكتوبة بأسلوب تقريري، وسط كتاب يتلألأ بأسلوب فني جذاب يصافح الشعر.

اقرأ أيضا:

سياحة الطيور في بورسعيد.. كيف بدأت وإلى أين تتجه؟

«ملتقى السمسمية».. احتفاء بتوثيق عالمي ومطالب محلية لدعم العازفين

«سياحة المانجو» في الإسماعيلية.. فرجة الصيف وفرحته بنكهة تراثية

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.