صور| وقائع سرقة شواهد مقابر القاهرة التاريخية

تتعرض قرافة القاهرة التاريخية، الموقع الأثري البارز الذي يحتضن تاريخا عريقا يعود لعصور مختلفة، لخطر يهدد تراثها الثقافي والتاريخي. إذ تشهد المدافن والأحواش في جبانات القاهرة سلسلة من حالات السرقة المتزايدة. حيث يتم سرقة شواهد القبور الأثرية والقطع المعدنية والشبابيك النحاسية التي تزينها.

سرقات متكررة 

تحوي القرافة مجموعة متنوعة من المدافن والأحواش التي تعود للعصور الفرعونية والإسلامية والعثمانية. وتعد هذه الشواهد والقطع المعدنية والشبابيك جزءًا من تراث هذه المواقع، حيث تعكس الفنون والحرف التقليدية لتلك العصور.

ومع ذلك، فإن السرقة المتكررة رصدها العديد من المتابعين لملف الجبانات، والموثقين لتلك الشواهد الأثرية والقطع المعدنية والشبابيك. حيث يتم استهداف الشواهد والقطع المعدنية بواسطة لصوص يستخدمون أدوات مختصة لإزالتها من المقابر والأحواش.

توثيق مدينة الموتى

عبر جولات مستمرة في القرافة وجبانات القاهرة التاريخية، استطاع محبو التاريخ المصري، توثيق الكثير من المقابر من خلال زيارات متتالية على مدار أعوام، كذلك عرفوا أماكن دفن مشاهير ومؤثرين في التاريخ المصري، وملاحظة طرز وخطوط شواهد القبور. وأيضا توثيق هذه السرقات من خلال نشر صور أثناء عمليات الهدم التي شهدتها تلك المقابر منذ ما يزيد عن عامين والمقارنة بين صور القبور قبل وبعد السرقة.

كنوز المقابر وتسجيلها آثار

عدم تسجيل الكنوز الأثرية والفنون المُبهرة بقرافات القاهرة التاريخية على قائمة الآثار بوزارة السياحة والآثار وعدم وضعها تحت قانون حماية الآثار، كان سببا في تدشين المصور حسام عبدالعظيم والباحث في علم المصريات، مبادرة “شواهد مصر” للحفاظ على تراث مصر.

لفت عبدالعظيم الأنظار خلال جولاته وصوره الاحترافية لكل مكان يزوره بمنطقة الجبانات إلى كارثة مستمرة، وهي سرقات الآثار غير المُسجلة، منذ بدء إزالة المقابر في قرافات القاهرة التاريخية.

ويقول لـ«باب مصر»: “أي أثر غير مسجل بقائمة الآثار هو معرّض للسرقة وحينها لن نجد سجل رسمي نستند عليه في المطالبة برجوعه لمصر، بخلاف تكاليف كل الإجراءات التي نحن في غنى عنها”.

وعلى حد وصفه وملاحظته الميدانية للمكان، منذ بدء الإزالات انتشرت السرقات في القرافات. وتشمل أي مشغولات حديدية مثل الأبواب والشبابيك، سواء في حوش أثري أو غير أثري، بالإضافة إلى شواهد القبور الأثرية غير المُسجلة.

اختفاء تاريخ غير معروف لمصر

تطورت مراحل السرقة، في البداية كانت السرقات في الأحواش المُعرضة للإزالة فقط. أما الآن شملت كل الأحواش والمقابر. وعن خطورة هذه السرقات، يوضح: “مع استمرار النهب يختفي تاريخ غير معروف لمصر مع هذه الآثار. وإذا ظهرت في وقت لاحق في متاحف العالم، لن يكون لمصر الحق في المطالبة باستردادها لأنها غير مُسجلة”.

وطالب عبدالعظيم بوجود تأمين من قبل الشرطة في أماكن حفائر الإنقاذ بقرافة القاهرة التاريخية. ويقول: “بشكل شخصي أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتوثيق القطع التي أعثر عليها بين الركام، منها شواهد قبور أنقذناها وسلمناها لوزارة السياحة والآثار لتسجيلها والحفاظ عليها لأن تاريخها يُقدر بأكثر من 1200 عام. فقدان هذه الشواهد يعني فقدان المعلومات الثمينة التي تحملها عن تاريخ العصور الماضية التي عاشت في هذه المنطقة”.

نهب تركيبات رخام عثمانية

يوثق الباحث التاريخي إبراهيم المصري طايع، الكثير من المقابر وأماكنها، ضمن مبادرته الفردية التي تحمل عنوان «جبانات القاهرة». وخلال جولاته زار مدفن غير معروف اسمه مجاور للإمام الطحاوي.

لاحظ خلال هذه الزيارة اختلاف حال القبر عما كان عليه في زيارته السابقة. والتقط مجموعة من الصور ليدرسها لاحقا مقارنة بالصور التي التقطها في وقت سابق للمدفن نفسه، ليتفاجئ باختفاء تراكيب رخام وسرقة شواهد القبور.

ويقول طايع في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»: “المدفن غير معروف اسمه، لكن أغلب الظن أن يكون لمصطفى طاهر باشا، ووثقت الصور قبل إزالة الرخام وأخرى بعد سرقة الرخام وصورة ثالثة بعد سرقة الشواهد”.

لم تقتصر السرقة على هذا المدفن فقط، بل تمت سرقة أخرى بالحوش نفسه واختفاء تركيبتين عثماني. ويضيف: “بعد انهيار جدران الحوش أصبح مُستباح، بغض النظر عن قيمة التاريخ الذي يُنهب. فالتراكيب المسروقة يتجاوز عمرها 200 عام”، وعن سبب السرقة، فيرجع ذلك إلى تجارة مشبوهة رائجة لشواهد ورخام القبور.

سرقة شاهد من طائفة “زمرة الطويل” العثمانية

رحلة طويلة للدكتور مصطفى الصادق في توثيق قرافة القاهرة التاريخية وكنوزها المنسية، رغم تخصصه الأكاديمي في مجال الطب. إلا أن مدينة الموتى بالقاهرة جذبته قبل أعوام رافضا الانقطاع عن الزيارات المستمرة للجبانات.

بشغف مستمر وحماس، وثق الباحث في علم التراث والآثار أحواش ومدافن عديدة عبر مئات الصور التي التقطها بنفسه. فضلا عن دراسة وتحليل شواهد القبور والاستدلال على أصحابها.

نجح الدكتور مصطفى الصادق في توثيق قبر الأمير إسماعيل اوض باشا الطويل قبل وبعد السرقة، عبر مقارنة الصور للمكان نفسه، ويتضح أن كل شيء في مكانه، النباتات، و”الدكة” لكن مع اختفاء شاهد زبيدة وعمود ونصف يرجع تاريخه إلى عام 1772، أي يُقدر عمره بأكثر من 250 عام.

تفسير شاهد القبر

ويقول: “أثناء النقل والهدم تشيع السرقات، وسرقة الشواهد وهي الأهم في المدفن، وسرقة أبواب وشبابيك الأحواش وكل ما هو مصنوع من الحديد والخشب”.

وعن تفسير شاهد القبر، أوضح دكتور أبوالعلا خليل ما كُتب عليه وهو:

“هذا قبر المرحومة ستي زبيدة

معتوقة الحاجة الست شلبية

توفت إلى رحمة الله تعالي

في شهر رجب سنة 1186”.

وعن تاريخ الشاهد والعائلة، يستكمل: يعد شاهد ستي زبيدة المسروق وشاهد زوجها الذي بالأمام الأمير إسماعيل أغا الطويل القرينة الوحيدة لطائفة شهيرة في العهد العثماني تعرف بزمرة الطويل. وحرص جميع أتباعها على ذكر نسبة الطويل في أسمائهم وعلى شواهد قبورهم. وزمرة الطويل شأنها كشأن الطوائف في عهدها كزمرة الجلفية وآل الرزاز كانوا هم أصحاب الطول والسيادة في زمانهم.

اقرأ أيضا:

إنذار أخير بهدم مقبرة علي باشا مبارك.. وعائلته: نرفض إخلاء المدفن| خاص

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر