د. «محمد عوض»: القبح المعماري بالإسكندرية خطأ في التعليم منذ البداية

أرجع المعماري السكندري الكبير، الدكتور «محمد عوض»، حالة «القبح المعماري» التي نعيشها حاليا إلى خطأ في التعليم من البداية، فتعريف «العمارة» هو فن البناء، والتعليم لا يهتم بالفن، كما أن الفلسفة مهمة أيضا لأنها تعلم الإنسان كيف يرتب أولوياته.

وتابع خلال لقائه مع جمهور الإسكندرية، لأول مرة منذ فترة طويلة، في المركز الثقافي الفرنسي لتقديم أحدث إصداراته: «القبح المعماري ناتج عن امتزاج الفهلوة المصرية بقلة العلم، وانعدام الإحساس بالجمال، وطريقة تربية المعماريين الخاطئة. فالفلسفة والتكنولوجيا يجب أن تميزا المعماري عن غيره، كما أن جزءا من التعليم يجب أن يرتبط بتاريخ الفن».

القبح المعماري وكورنيش الإسكندرية

وعن فكرة البناء على كورنيش الإسكندرية، قال متعجبا: “لا توجد دولة في العالم لديها كورنيش بحري يتجاوز طوله 24 كم، ولا تستطيع الناس لمس المياه أو رؤية البحر!”.

بدأ الدكتور عادل الدسوقي، الأستاذ المساعد في الهندسة المعمارية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، بتقديم اللقاء، مؤكدا على إسهامات الدكتور محمد عوض في مدينة الإسكندرية، معماريًا وأثريًا. وأشار إلى أن الإسكندرية تدين له بالكثير، فهو مؤسس مركز الحفاظ على تراث الإسكندرية، الذي أصدر العديد من الإصدارات المهمة عام 1985. كما أنه المدير المؤسس لمركز دراسات الإسكندرية للبحر المتوسط عام 2003. بالإضافة إلى متحفه الخاص في مكتبة الإسكندرية، الذي يضم مجموعة نادرة من الخرائط التي توثق تاريخ المدينة.

تطوير شارع فؤاد

وأضاف: “في سابقة بين المحافظات المصرية، أسس «عوض» قائمة التراث العمراني للمدينة في أواخر التسعينيات. وعندما صدر قانون الحفاظ على التراث عام 2006، كان هو المشرف الأساسي عليه. كما قدم في التسعينيات بحثا شهيرا عن تطوير شارع فؤاد، تم تقديمه لليونسكو”.

وأكد «الدسوقي» على دور «عوض» في الحفاظ على عدد من الأماكن التراثية من التخريب. ومن أبرزها ساحة المتحف اليوناني الروماني الحالية. إذ كانت إحدى معاركه ضد التخريب. فهو من أبرز نشطاء المدينة، وله الكثير من الإصدارات والمقالات والنشرات الإخبارية التي كانت تصدر عن المركز ولها أهمية كبيرة.

وأشار إلى أن اللقاء أقيم بمناسبة إطلاق كتابين من أحدث إصدارات الدكتور محمد عوض، أحدهما حول العلاقات بين مصر وفرنسا. والآخر حول الدور الذي لعبه الفرنسيون في عمارة الإسكندرية.

كتاب “مصر وفرنسا”

قال «عوض» في بداية حديثه: “تأليف الكتابين جعلني أنظر للتاريخ، وتاريخ العمران بين فرنسا ومصر. وأفهم كيف نشأ هذا الولع الفرنسي بمصر؟ ومن أين جاء؟ فهي علاقة قوية وقديمة جدا”. وأشار إلى أن كتابة التاريخ أمر صعب، لأن الكاتب يجب أن يكون حياديا، وكتابة التاريخ بحيادية أمر غاية في الصعوبة. فدائما هناك شيء ناقص. وتابع: “هناك أحداث تدفعنا إلى إعادة التفكير وصياغة للعلاقات بيننا وبين فرنسا. ونكتشف كل يوم مصادر معلومات جديدة. ويجب أن ننتبه عند قراءة التاريخ إلى أن هناك مستجدات تغير رؤيتنا باستمرار.

وأوضح أن العلاقة بين مصر وفرنسا علاقة مضطربة أحيانا، ومزدهرة أحيانا أخرى. فقد أنشئ أول فندق للفرنسيين في مصر في الإسكندرية. وأول قنصلية فرنسية في العالم أنشئت هناك عام 1563 تقريبا، وانتقلت ديانة إيزيس إلى فرنسا. ويقال إن اسم “باريس” مشتق من “بار إيزيس” أي “بجانب معبد إيزيس”. ثم قررت الحكومة الفرنسية إرسال نابليون بونابرت لغزو مصر. ومن هنا يبدأ تاريخ العلاقة المتوترة مع الحملة الفرنسية، والتي واجهت مقاومة شعبية.

وقال «عوض»: “لكن في الوقت ذاته جاءت الحملة بعلمائها لتسجيل كل المعلومات، وأصدروا كتاب (وصف مصر) عام 1805 بأمر من بونابرت، وأنشأوا أول مركز للدراسات في القاهرة. ورغم أن وجودهم استمر نحو 3 سنوات فقط، فإن ما تركوه في الإسكندرية كان محدودا، ومنه حصن نابليون في كوم الدكة. ويبدأ التاريخ الحديث للعلاقات القوية  باكتشاف حجر رشيد، وكانوا الفرنسيون يريدون نقله إلى باريس، لكن الإنجليز منعوهم واستولوا على كل الآثار”. وأكد أن الراهب المصري “شفتشي” كان له دور مهم في تعليم شاملبيون اللغة القبطية، ما ساعده على فك رموز الحجر.

علاقة محمد علي باشا بالفرنسيين

وأوضح أن شامبليون هو من حث محمد علي باشا على إصدار أول قانون لحماية الآثار. وكذلك أول قانون يمنع تصدير الآثار المصرية والفرعونية، رغم أن شامبليون نفسه أخذ معه الكثير من الآثار.

وذكر «عوض» أن متحف اللوڤر يضم نحو 4500 قطعة أثرية مصرية، بخلاف المسلات وغيرها. كما كانت لمحمد علي علاقات قوية بفرنسا، واستعان بمجموعة خبراء ومهندسين فرنسيين في شتى المجالات. منهم من ساهم في إنشاء ترعة المحمودية، والترسانة البحرية، والحوض الجاف، والميناء.

وأشار إلى أن العلاقات توترت لاحقا بسبب طموح محمد علي التوسعي، لكنها ظلت قائمة رغم التوترات. وتعد البعثات العلمية بين البلدين من أبرز الروابط منذ عهد محمد علي. فقد أسهم الفرنسيون في تطوير التعليم في مصر. حيث كانت أول مدرسة للحقوق فرنسية، وتخرج فيها أحمد لطفي وطه حسين، كما أوفد كثيرون في بعثات إلى فرنسا. وفي مجال الهندسة، كانت البعثات الفرنسية ذات أثر كبير في التعليم المعماري المصري. كما دعمت فرنسا الحركات الإسلامية والوطنية. ومن رموزها جمال الدين الأفغاني ويعقوب صنوع الذي أصدر أول مجلة في مصر.

وأضاف: “كما تعلمت بنات الأسرة العلوية جميعا في فرنسا، وأشهرهن الملكة نازلي، وكذلك تعلم هناك رموز الحركة الوطنية مثل مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول. وقدمت فرنسا أيضا دعما لفكرة التجديد في الخطاب الديني التي بدأت مع محمد عبده واستمرت بعد ذلك”.

توقيع الدكتور محمد عوض على كتابه للجمهور في ختام اللقاء
توقيع الدكتور محمد عوض على كتابه للجمهور في ختام اللقاء
العمارة الفرنسية في الإسكندرية

قال الدكتور محمد عوض: “أما الكتاب الثاني، فيتناول العمارة في الإسكندرية، والدور الذي لعبه الفرنسيون في بنائها. والكتاب مليء بالأفكار، والأحداث، والصور. ويهدف إلى التعريف بأهمية المباني، والطرز المعمارية المستخدمة، وتاريخ وأسماء من أنشأها”.

وأضاف: “في الواقع، يعد الفرنسيون من أوائل من اكتشفوا مصر، وكانت لهم إسهامات مهمة في حفظ الآثار والتاريخ. إلى جانب تأسيس علم المصريات منذ الحملة الفرنسية، وهو ما زاد من اهتمامهم المتواصل بمصر”.

وأشار إلى أنه بعد قصف الإسكندرية، وخلال أعمال إعادة الإعمار، ظهرت منافسة شديدة بين الإيطاليين والفرنسيين على صياغة الطابع المعماري للمدينة. ففي أوائل القرن العشرين، أنشأ الفرنسيون مباني كثيرة لصفوة المجتمع في الإسكندرية. وأسسوا أيضا أول جامعة أهلية قائمة على فكر ماسوني يدعو إلى تحرير العقل والعمال.

المحكمة المختلطة والمحكمة الأهلية

وتابع: “من بين الإسهامات الفرنسية كذلك، المحكمة المختلطة التي أنشأها نوبار باشا، وكانت مستوحاة من القانون الفرنسي. ثم جاء بعدها قانون المحكمة الأهلية، أي القانون المصري بعد عام 1882. كما يبرز هذا الكتاب دور المصريين في بعض المشروعات التي أنشأها الفرنسيون، وأغفلهم التاريخ”.

وفيما يخص الحملة الفرنسية، أعلن الدكتور محمد عوض عن اعتراضه على الرأي القائل بأن الحملة أجهضت النهضة المصرية. مؤكدا أنه لم تكن هناك نهضة من الأساس، قائلا: “لم تكن هناك نهضة ليجهضوها. بل على العكس، أرى أن الفرنسيين ساهموا في نهضة مصر”.

اقرأ أيضا:

ختام فعاليات مؤتمر «2025 IASTE».. كيف تحافظ الإسكندرية على هويتها الحضارية؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.