فيديو وصور| “النعناع المنعش”.. الفيوم منبت الأعشاب الطبية منذ عهد الفراعنة

 

نسمات محملة بروائح النباتات والأعشاب المختلفة، ولكن لا رائحة تفوق عبير النعناع المنعش الذي تستنشقه بمجرد الاقتراب من منطقة “أبو جنشو” بمركز أبشواي، لتشعر أنك محاط بقوارير عطر فواح، كون أغلب الأراضي مزروعة بالأعشاب والنباتات العطرية، فضلا عن وجود العديد من شركات ومصانع التعبئة التي تُصدر هذه الأعشاب، ويمكن رؤية ألوان النباتات الزاهية المزروعة أو التي يتم نشرها تحت أشعة الشمس حتى تجف كي تكون جاهزة  للاستخدام أو التصدير.

 منشر للنباتات العطرية بالفيوم
منشر للنباتات العطرية بالفيوم

تمتاز محافظة الفيوم بأنها محافظة زراعية منذ القدم، فقد اهتم المصري القديم الذي كان يقيم في الفيوم بالزراعة، وخاصة زراعة النباتات التي استخدمها في أغراض طبية وعطرية، وأشارت إلى ذلك النقوش الفرعونية على جدران المعابد، فيما يواصل الفلاح والمزارع الفيومي مسيرة جدوده الفراعنة في زراعة هذه الأنواع من النباتات، حتى أصبحت محافظة الفيوم أولى المحافظات في تصدير النباتات العطرية على مستوى الجمهورية.

 جابر محمد، مدير شركة الرحاب للنباتات العطرية
جابر محمد، مدير شركة الرحاب للنباتات العطرية

قصة نجاح ورائها النباتات العطرية

في قرية السنجق، جابر محمد، مدير الشركة الرحاب وأحد العاملين في مجال النباتات العطرية في الفيوم، يقول: بدأت العمل مساعد صنايعي غربال كانت مهمتي في “غربلة الأعشاب” عن طريق الغربال يدويًا لتنقيتها من الشوائب، ثم تدرجت بالعمل وعملت في مخازن النباتات العطرية في أكثر من محافظة مثل الفيوم، وبني سويف، والمنيا، إلى أن أصبحت صنايعي، ثم أصبحت مسؤول عن مجموعات لتوريد النباتات لتجار الأعشاب والنباتات العطرية.

ويكمل جابر، بدأت التجارة لكن بشكل محدود في البداية، فكنت أعيد غربلة الأعشاب المتبقية من مخلفات المصانع الكبرى وبيعها للمصانع مرة أخرى، أو بيعها كعلف حيواني، ثم بدأ العمل ينمو وبدأت أعمل كوسيط بين الفلاحين الذين يزرعون النباتات الطبية والعطرية، ثم انتقلت لمرحلة أخرى كنت اشتري المحصول وأبيعه بمعرفتي إلى كبار التجار في هذا المجال، وبدأ اسمي يتردد في الشركات الكبرى ويُطلب منى بصورة مباشرة توريد النباتات لهم بصفة شخصية دون وسيط، وتوسعت بعد ذلك إلى أن أصبحت أقوم بالزراعة مع ما يقرب من مائتي فلاح وأصبح إنتاجي نموذجى، وتوسع العمل وبدأت التصدير إلى العديد من الدول مثل تركيا، روسيا، ألمانيا، لتوانيا، أمريكا، والكويت، والأردن والسعودية.

تعبئة الينسون وتجهيزه بالفيوم
تعبئة الينسون وتجهيزه بالفيوم

يحضر “جابر” على صينية بعض الأكواب بها مشروبات مختلفة من الأعشاب، ويصر أن أتذوقها جميعها وينظر إليها بكل فخر وهو يقول هذا إنتاجي من الأعشاب، فأنا أقوم الآن بإنتاج “الأعشاب الفتلة” وأبيعها للمستهلك، ثم تناول كيس من الأعشاب وأشار إلي أنه مطابق لكافة المواصفات الدولية الآمنة وأنه يمكنه منافسة كبرى الشركات.

تاريخيًا في الفيوم

يشرح الأثري أحمد عبدالعال، مدير عام الآثار الأسبق بالفيوم ومكتشف العديد من البرديات، أن الفيوم كانت من المناطق القديمة التي اهتم أجدادنا الفراعنة بالزراعة فيها، وخير دليل على ذلك “عيد الحصاد أو عيد نبرى”، الذي ظهر جليا في مقاطعة الفيوم حيث كان هذا العيد من الأعياد الرسمية والعقائدية في مصر والفيوم بالأكثر، وكان يختلف عيد الحصاد من مقاطعة إلى أخرى حسب أكثر محصول تشتهر به، وفي الفيوم كان يحتفل بقطف العنب وعصره وتقديمه كقربان، واشتهرت الفيوم بزراعة العنب.

فيما اهتم المصري القديم في إقليم الفيوم، بزراعة العديد من النباتات والأعشاب التي كانت تستخدم في الأغراض الطبية، ومن المثير أنها هي ما يتم زراعتها إلى الآن مثل، “البردقوش، النعناع، الأقحوان، الشمر، الينسون…وغيرها من أعشاب يتم زراعتها إلى الآن”، وتم العثور على بعض البذور للنباتات في المقابر الفرعونية بمنطقة هوارة.

ومن النباتات الهامة التي تم ذكرها في العديد من البرديات ولازالت تزرع إلى الآن في إقليم الفيوم مايلي:

البقدونس: فقد جاء مغلي البقدونس كوصفة علاجية لعلاج اضطرابات المعدة، والإمساك، وغسيل للفم وطارد للريح وعلاج آلام اللثة في كل من “بردية أيبرس وبردية هيرست”.

نبات الآس: أطلق عليه الفراعنة اسم “خت آس أو ريحان القبور”، وهو من النباتات الفرعونية القديمة والتي صورها الفراعنة على جدران المقابر الفرعونية وكانت تمسك به الراقصات في أيديها، وتم العثور على بعض من فروع تلك النباتات في مقابر هوارة بالفيوم، وتم ذكر هذا النبات في العديد من الوصفات عن طريق غليه وتناوله لعلاج الصداع والسعال وتنظيم البول ولآلام أسفل البطن.

الشمر: أيضا من النباتات التي اهتم بها المصري القديم وكان يطلق عليه “شماري” وتم ذكره في العديد من البرديات لعلاج كثرة الغازات في البطن والانتفاخ.

الكمون: من النباتات الفرعونية الهامة، وتم ذكره في ما يقرب من 60 وصفة طبية وكان يستخدم كمشروب لعلاج العديد من الأمراض.

البردقوش: وهو من النباتات القديمة والتي اهتم بها الفراعنة أيضًا، واستخدم في علاج الالتهابات الصدرية والربو والتهاب اللوزتين، وهو من النباتات المطهرة.

زراعة النعناع في الفيوم
زراعة النعناع في الفيوم

زراعات شتوية وأخرى صيفية

مثلما قسم المصري القديم فصول السنة إلى فصول زراعية وقام بعمل تقويم خاص بها، تأتي زراعة النباتات العطرية على هيئة زراعات صيفية وزراعات شتوية، وتتمثل الزراعات الصيفية في نباتات: “الكاموويل، الكلانديونا والتي يطلق عليها أيضا الأقحوان أو عباد القمر، الشمر، والشيح، البابونج، الكراوية، البقدونس، الشبت”، أما الزراعات الشتوية فتتمثل في نباتات: “الريحان، النعناع البلدي، النعناع الفلفلي، والكلديونا”.

 طه داهش، مهندس ومزارع للنباتات والأعشاب العطرية
طه داهش، مهندس ومزارع للنباتات والأعشاب العطرية

أفضل من الزراعات التقليدية 

ليست قرى مركز “أبشواي” فقط هي ما تنتج النباتات العطرية، بل هناك العديد من القرى الأخرى مثل قرى “سكران والإعلام، والشيخ فضل، والعجميين، وغيرها من القرى”.

ومن داخل قرية “تلات” التابعة لمركز الفيوم يقول طه داهش، مهندس زراعي ومزارع أيضًا في مجال النباتات العطرية والطبية، أقوم بزراعة المورنجا، وحشيشة الليمون، والنعناع، والأقحوان، وأعمل في هذا المجال منذ بداية الثمانينات، فهي من المحاصيل غير المجهدة للأرض الزراعية ولا تحتاج إلى تحضيرات كبيرة للأرض وتوفر في التكاليف بالمقارنة بالزراعات التقليدية مثل الحرث و”العزيق”، كما أنها مربحة وتوفر الكثير من فرص العمل.

ويضيف داهش، على سبيل المثال نبات مثل “حشيشة الليمون” من النباتات العطرية والطبية المعمرة التي قد تظل في الأرض فترة كبيرة تصل إلى ثلاث سنوات ونأخذ منه من أربعة إلى خمسة جمعات في العام ذات ربح مجزي، ولا نستخدم أي كيماويات مطلقًا، وإذا ما أصاب الزرع أي آفات مثل الدودة مثلًا يتم تقليع المحصول ونعطي ري للأرض بالسولار للقضاء على اليرقات، ثم يتم تجهيز الأرض والزراعة من جديد.

ويكمل زارع النباتات العطرية حديثه، تتمثل مراحل إنتاج النباتات العطرية حسب المنتج النهائي، فيجب أن يتم تسميد التربة بطريقة معينة، كما يجب مراعاة الري السليم والمناسب ومعرفة المناخ المناسب لكل نبات حتى تكون نسب الزيوت العطرية عالية، كما يجب أن تكون الحيوانات بعيدة عن المزرعة والمحافظة على النظافة التامة، ويختلف جمع النباتات كل نوع حسب نوعه فهناك نباتات يتم جمع زهورها مثل الكاموويل والأقحوان، وهناك زرع يؤخذ منه الأوراق مثل النعناع البلدي والفلفلي والبردقوش والشبت والبقدونس، وهناك زرع يؤخذ منه البذور ويتم حصاده مرة في العام مثل الكراوية والشمر، ولكن مع الحرص على أن تكون العمالة مدربة أثناء الجمع حتى لا تضر بالنبات فهناك أوقات ومعاملات خاصة للجمع.

المهندس حمدي فخري
المهندس حمدي فخري

الفيوم المصدر الأول للنباتات العطرية

يسرد المهندس حمدي أمين فخر، مدير الإرشاد الأسبق بالفيوم، أن الفيوم تعد المصدر رقم واحد في تصدير النباتات العطرية والأعشاب الطبية على مستوى المحافظات، وأن هناك العديد من المصانع والشركات التي تعمل في هذا المجال، حيث بدأ الاهتمام بتلك الزراعة منذ بداية الثمانينات، ويقوم الإرشاد الزراعي بدور هام في تذليل أي معوقات تواجه المزارعين أو أي مشاكل قد تقابلهم، كما يتم إرشادهم إلى الطرق السليمة في الزراعة ومكافحة الآفات.

اقرأ أيضا

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر