أماكن منسية في مصر: وكالة «الأنصاري» ملتقى التجار منذ 200 عام

وسط الشوارع القديمة والأبواب الخشبية العملاقة بمنطقة القيسارية بإسنا في الأقصر، تقع وكالة الأنصاري، إحدى الوكالات القديمة التي يعود تاريخها إلى نحو 200 عام، إلا أنها مازالت تحتفظ بطابعها التراثي إلى الآن. في هذا التقرير يستعرض «باب مصر» دور الوكالات قديما وأشهرها.

وكالة الأنصاري

يقول عادل عبدالرحيم أبوالمجد الأنصاري، أحد أحفاد عائلة الأنصاري: “الوكالة أسسها الشيخ حسين عبداللطيف، وأنشأت بغرض أن تكون سوقا تجاريا، والمبنى كان عبارة عن محال ومصنع حلاوة في عهد الفاطميين. وغرف الأدوار العليا التي تطل على الشارع، كانت عبارة عن “لوكاندا ” يستريح فيها التجار الذين يأتون من أسيوط وسوهاج ومحافظات وجه بحري، يستأجرون الغرفة للنوم فيها بعد عودتهم من التسوق في إسنا، وهكذا باستمرار”.

ويضيف، كانت الوكالة تضم مهن كثيرة مثل، تجار القماش والجلاب والغاب وتجار النحاس والألمونيوم والترزيه “الخياطين” والعطارين، وتجار الشيشة.

أما عن مميزات الوكالة، فيقول عادل إنها لها باب خشبي كبير له غلق للفتح والقفل. وكان لها فرد أمني مخصص يعمل على فتح الباب وقت صلاة الفجر، ويغلق بعد صلاة العشاء، ويجلس أمامه فرد أمني يعمل على تفتيش الداخل والخارج للوكالة لتوفير عامل الأمن والأمان للتجار الأغراب.

يذكر عادل أن المبنى تم هدم معظمه. ولكنه مازال يحتفظ بالباب الخشبي الكبير، كما هو يعتبر حفاظا على تراث العائلة.

مكونات المبنى

وعن مكونات الوكالة، فيقول: “المبنى مكون من ثلاثة طوابق، الأرضي، يحتوي على الباب الخشبي الكبير المصنوع من خشب الزان الأصلي. ارتفاعه أكثر من 3 أمتار، ووزنه ثقيل جدًا يعادل 3 أطنان، بسمك عريض جدًا، لا نستطيع رفعه بأيدينا، وصُنعت جميع أدواته يدويًا.

وأيضا ممر ثم عدة غرف وحجرات التي أنشأت محلات بغرض التجارة في الأنواع المختلفة كالقماش والنحاس والألمونيوم، وصناعة الشيشة. وكان الدور الثاني به مصنع حلاوة – نطلق عليها الآن حلاوة المولد-. وله سلم خشبي للصعود للأدوار العليا التي كانت مقسمة أيضًا مخازن للتجار، والغرف المطلة على الشارع للمبيت فيها.

وينوه بأنه أثناء البيع في الوكالة كانت الصناعات كلها يدوية وحتى الأقمشة كلها يدوية مثل “العبك” الذي يلبسه المزارعين عندما يذهبون إلى الزرع، والملايات السوداء، التي تلبسها السيدات في إسنا. ولكن الآن تطورت التجارة وتهالكت الوكالة لم يتبق منها سوى بقايا المبنى التراثي.

الوكالات القديمة

يقول محمود مدني، متخصص في الآثار الإسلامية بقنا: “انتشرت الوكالات القديمة في العصر الإسلامي خاصة في صعيد مصر. وكانت قوص من أكثر المدن بالصعيد التي تحتوي على الوكالات التجارية. وبلغ عدد الوكالات وقتها أكثر من 17 وكالة، بخلاف المنتشرين في قفط وإسنا ومدينة قنا”.

وتابع: الوكالة مكان لاستراحة المسافرين والغرباء عن البلد. سواء التجار المسافرين أو الوافدين إلى المدينة، بعرض الحج أو الاستشفاء أو التعليم بأحد المساجد في قوص، فهي بمثابة فندق يقضي فيه المسافر أيام معدودة.

طريق الحجاج

ويفسر مدني سبب تعدد الوكالات في قوص وقفط، لكي تناسب استيعاب الوافدين بسبب طريق الحجاج الواقع بين البلدين، وكذلك مراكز التجارة بهما. أما عن أوسع وأشهر تلك الوكالات: وكالة عودة بقوص، ولكن حواصلها قليلة لاستراحة الوافدين فقط. ووكالة جعبور بقفط، والتي تحتوي على حواصل كثيرة للإقامة ومكان للتجارة. والوكالة الوحيدة التي بها مكان لحفظ الدواب. ثم وكالة الجداوي بإسنا ووكالة الأنصاري بإسنا، ووكالة أبو السرور بقنا.

مشيرًا إلى أن الوكالات تجعل المدينة من المدن الهامة وتضعها على الخريطة التجارية. كما أنه تم تخصيص أجنحة في هذه الوكالات للسيدات تخدمهن سيدات أيضا، وأجنحة للأطفال والرجال في العصر الإسلامي.

ويقول إنه في موسم الحجاج كان يمر على الوكالات شخص يدعى “المحتسب” مثل الشرطي يراقب الخدمات التي تقدمها الوكالات للحجاج والمسافرين، يراقب نظافتها وسلامتها والأجرة التي يدفعها الوافد، والتي تحددها الدولة وتلتزم بها الوكالة.

واستطرد: ظل دور الوكالات كبير في حركة المسافرين في تلك البلدان حتى أربعينات القرن الماضي، فانخفضت وضعفت قيمتها، وتركها أصحابها، وذلك بعد أن ظهرت الفنادق ووسائل النقل الحديثة، بعدها تغيرت أنواع التجارة وأنواع البذور نتيجة تغيرات جغرافية ومناخية وزراعية واقتصادية.

اقرأ أيضا:

أماكن منسية في مصر: قصر «جودة مليك» شاهد على تاريخ قوص

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر