تراجيديا لكن هزلية

ترافيس سكوت يعبد الشيطان وباربي وأوبنهايمر في مشاهد جنسية!

منع حفل ترافيس سكوت في مصر، مع إن أغانيه وحفلاته كلها موجودة على الإنترنت. ومن لم يكونوا يعرفون حتى بوجوده راحوا يستمعون إليه ويدققون في كلمات وموسيقى أغانيه ليعرفوا لماذا تم منعه من الغناء في مصر. ولم ينبنا سوى الفضيحة العالمية.

ومن يتابع قصة منع الحفل ينتابه العجب العجاب. فبعد أن حصل منظمو الحفل على تصريح من نقابة الموسيقيين بإقامة الحفل. يبدو أن أحدهم همس في أذن النقيب، الزعيم مصطفى كامل، أنه سمع- والله أعلم- أن ترافيس ولد من عبدة الشيطان- والعياذ بالله. فما كان من الزعيم النقيب إلا أن سارع بإصدار بيان ناري يسحب فيه الموافقة على إقامة الحفل ويتبرأ من عبادة الشيطان!

ليتها ما صرحت ولا منعت

المشكلة التي حدثت نتيجة التصريح ثم المنع هي أن الشركة المنظمة للحفل كانت قد قامت بالترتيبات وحجز المكان وتذاكر الطيران والفندق. بل وباعت بالفعل عددا كبيرا من تذاكر الحفل، اضطرت إلى إعادتها بعد إلغاءه، وهكذا لم ينبها سوى الخسارة، في وقت لا يتحمل فيه أي فقير أو ثري أي خسارة. وقابلني لو جرؤت شركة أخرى على إقامة حفل مماثل. وفوق ذلك لم ينبنا سوى الفضيحة بجلاجل ليس بسبب المنع في حد ذاته. ولكن بسبب التخبط والكلام الساذج من نوعية عبدة الشيطان.

باربي في مشهد جنسي!

وكأن قصة ترافيس سكوت لا تكفي. فقد تناثرت الشائعات حول تأجيل عرض فيلم “باربي” في مصر، لأسباب غامضة، أو منع عرضه نهائيا، لأسباب أكثر غموضا. مع أن الفيلم حاصل على تصنيف رقابي فوق 13 سنة في أمريكا والعالم كله. والفيلم ليس به قبلة واحدة، أو جسم عار. إلا إذا استثنينا صدر كين، وهو أصغر من صدر تامر حسني في فيلم “تاج”. كما أنه لا يحتوي على علاقات مثلية، أو غير مثلية، وليس به أي ألفاظ سوى جملة تشير فيها الدمية روبي إلى أنها وصديقها كين ليس لديهما أعضاء جنسية. بالإضافة إلى كلمة سباب واحدة يتم التغطية عليها بصوت صفارة وشخبطة على الشاشة، من أجل إثارة الضحك لا أكثر. مع ذلك، فقد خرجت علينا موقع وقناة “روسيا اليوم”، المروج الأول للخزعبلات في مصر، بتقرير مفاده أن الفيلم مصنف فوق 18 سنة وأنه يحتوي على مشاهد جنسية، وأنه تم منعه في السعودية ومصر وبلاد أخرى!

ترافيس سكوت
ترافيس سكوت

وفيما راحت صفحات السوشيال ميديا في مصر تبث شائعة مفادها أن فيلم “باربي” تم منعه في مصر لأن كين يرتدي ملابس وردية اللون. نشرت مواقع إخبارية أخرى تقاريرا حول منع “باربي” من دخول بعض البلاد المجاورة للصين بسبب وجود خريطة للعالم في الفيلم تحتوي على خطوط حدودية قديمة تضع مناطق من هذه البلاد ضمن حدود الصين. وحين تضع هذه الأخبار بجوار شائعة منع الفيلم في مصر لارتداء كين ملابس “بمبي”، لن تفهم ما علاقة لون ملابس كين بخريطة الصين. ولكن سيتولد لديك الإحساس بأن الفيلم به أشياء لا يجب مشاهدتها. وأن هناك حالة رفض له. فتكون النتيجة زيادة حالة “الهيستريا” الرقابية التي نعاني منها.

 هيستيريا هندية

هذه الهيستيريا لا تقتصر على مصر بالطبع، ولكنها من ظواهر الحياة في بلاد بعينها. يجمع بينها أنها “شرقية”، وأنها “شمولية” أو يحكمها أحزاب يمينية متطرفة، مثل الهند، التي يفترض أنها بلد ديموقراطي. ولكنها تعاني منذ سنوات من صراعات طائفية وسياسية دفعت بالحزب اليميني إلى الحكم. ومن وقتها والحزب، كعادة أهل اليمين، يزايد على “الفاضي والمليان”.

آخر ضحايا الحزب الهندي الحاكم كان فيلم “أوبنهايمر”. وذلك لاحتواءه على مشهد يقتبس فيه البطل، مخترع القنبلة الذرية روبرت أوبنهايمر، مقطعا من كتاب الهندوس المقدس “بهاجافاد جيتا”، يقول فيه إله الدمار فيشنو: “الآن أصبحت أنا الموت، ومدمر العوالم”.

هذه العبارة يمكن الاستماع إليها ومشاهدتها على لسان أوبنهايمر نفسه (وليس الفيلم) على اليوتيوب. وهي واحدة من أشهر العبارات التي قالها في مرحلة الندم على اختراع القنبلة. أوبنهايمر يذكر العبارة في تسجيل عام، ولكن كريستوفر نولان، مخرج ومؤلف الفيلم، يعيد توظيفها في مشهد مبكر (قبل اختراع القنبلة) أثناء لقاء جنسي حميمي بين أوبنهايمر (كيليان ميرفي) وعشيقته أستاذة علم النفس اليسارية جين تاتلوك (فلورانس بيو). ويتخذ معنى الجملة معان إنسانية أعمق حين نعرف أن تاتلوك انتحرت لاحقا بعد هجر أوبنهايمر لها بسبب معتقداتها السياسية التي تتعارض مع كونه موظفا في مهمة حكومية سرية.

حذف في مصر

بالمناسبة المشهد يعرض محذوفا في نسخ الفيلم المعروضة في مصر. كعادة الكثير من الأفلام التي تعرض مقصوصة، حتى أن أحد الأفلام عرض مؤخرا محذوفا منه أكثر من أربعين دقيقة!

بالمناسبة أيضا هذا هو أول مشهد جنسي في أفلام كريستوفر نولان التي تضم إثنى عشر فيلما على مدار ربع قرن. ومعنى ذلك ببساطة أنه لا يستخدم الجنس اعتباطا، ولكن لسبب مهم جدا، لا يمكن الاستغناء عنه. ذلك أن نولان لا يروي قصة القنبلة الذرية ليخبرنا بمعلومات تاريخية (متاحة في كل مكان) ولا ليخبرنا أن القنبلة شئ قبيح (فهذا يعلمه الجميع). أو أن العلماء عليهم ألا يستغلوا العلم في القتل والأذى (فهذا شئ يعلم الجميع أنه لن يتحقق). ولكن ليحدثنا عن طبيعة الجنس البشري، الذي ينحو نحو دماره بشكل غريزي. وأن الحرب والموت جزء من طبيعة الحياة لا نجاة منه سوى بالتدين الحقيقي الذي يعلو بروح المرء فوق كل شئ. وهذا هو جوهر الديانة الهندوسية وتعاليم البوذية.. لمن يقرأ بقية كتاب “بهاجافاد جيتا”.. يعني ببساطة المشهد يمدح ويمجد من الهندوسية على عكس الاتهامات السطحية التي رددها المطالبون بمنع الفيلم في الهند. زعما بأنه يسئ للهند وديانتها. وكان الله في عون أصحاب العقول!

اقرا أيضا:

في محبة ميلان كونديرا.. خفة الفن التي لا تحتمل!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر