حوار| بعد فوزه بجائزة الشيخ زايد.. أحمد القرملاوي: تأثرت بالتجارب الصوفية الروحية

سرح منذ صغره في ملكوت خاص به، جمع بين الموسيقى والأدب. قاضيًا أوقات فراغه بين عزفه على آلاته الموسيقية وكتبه وقراءاته، مما ساعده على بداية طريقه الأدبي في سن صغيرة، وبعد أن أكمل دراساته العليا عاد مرة أخرى إلى كتابة القصة بشكل أكثر نضجًا؛ فأصدر مجموعته القصصية الأولى “أول عباس”، وتلاها رواية “التدوينة الأخيرة”، “دستينو”، ثم رواية “أمطار صيفية” والتي حازت على جائزة الشيخ زايد للآداب فرع الروائي الشاب.

وبعد فوز الكاتب أحمد القرملاوي ، بجائزة الشيخ زايد للآداب فرع الروائي الشاب، التقى به “ولاد البلد” للتعرف على أسرار شخصية أحمد القرملاوي ، وكيفية استخدامه لأبطال رواياته للتعبير عما يدور في خلده. كما كشف طبيعة علاقته بالصوفية، ومفهومه عنها، وكيف ربط تلك العلاقة بروايته “أمطار صيفية”.وإلى نص الحوار:

كيف بدأت علاقتك بالكتابة الأدبية؟ ومن الذي شجعك على الاستمرار في مشوارك الأدبي؟

علاقتي بالكتابة بدأت منذ الصغر، كنت شغوفًا جدًّا بالقراءة وأقضي أكثر أوقات فراغي إما في مطالعة الكتب أو في عزف الآلات الموسيقة، وكنتُ أجد لهذا الشغف بالقراءة أثرًا واضحًا في كتابتي المدرسية، أي في مواضيع التعبير وما شابه، فكثيرًا ما اتخذت أشكالًا قصصيّة في معالجة مواضيع مُقرَّرة عليّ، ما دفعني لكتابة القصص في سنٍّ مبكرة. قمتُ أيضًا بتأليف بعض الاسكتشات المسرحية في المرحلة الثانوية، وكنتُ أقوم مع أصدقائي بتمثيلها على مسرح المدرسة، كما أذكر قيامي بكتابة فيلم قصير مبنيّ على قصة لـ “إدجار ألان بو”، وقمت تمثيله وتصويره بمشاركة عدد من الزملاء. لي أيضًا تجربة مبكرة في كتابة الشعر، وإن لم يُكتب له النضج بدرجة تدفعني للاستمرار فيها.
ثم حدث أن توقَّفت عن الكتابة قرب نهاية الدراسة الجامعية، وانشغلتُ بعدها بدراساتي العليا وتأسيس حياتي المهنية، حتى عاودني الحنين للكتابة قبل قرابة السبع سنوات، فعدتُ لكتابة القصة برؤية أكثر نضجًا، فكتبتُ عددًا من القصص التي لاقَت استحسانًا من المحيطين بي، ما شجَّعني على الـمُضيِّ في الكتابة لأبعد حد.

وماذا عن إرهاصاتك الأولى للكتابة.. هل تحدثنا عنها بشيء من التفصيل؟

كما ذكرت، كانت مزيجًا من الخواطر النثرية والتجارب الشعرية غير الناضجة، أفضت في مرحلة لاحقة لكتابة القصة والمسرحيات القصيرة. لكنني لم أشعر بنضج تجربتي ولا استقرارها على نوع فني محدد إلا بعد فراغي من الدراسة العليا وكتابة عدد من القصص شكلت مجموعتي القصصية الأولى “أول عباس”.

من أبرز المؤثرين في كتاباتك من الأدباء؟

هناك العديد من الأسماء والتجارب الإبداعية التي تركت في نفسي أثرًا أتصوَّره باقيًا، أهمهم نجيب محفوظ، فقد قرأت أكثر أعماله في سن مبكرة وأعدتُ قراءتها عبر مراحل مختلفة، تأثرت أيضًا بعوالم جورج أورويل وألبير كامو وماركيز وخورخي أمادو، لكنني أحاول منذ عودتي الأخيرة للكتابة أن أخط لنفسي نهجًا مغايرًا وأسلوبًا خاصًّا، بعيدًا عن التأثر بهذه التجارب أو غيرها.

درست هندسة التشييد.. فكيف حدث التحول من الهندسة إلى الأدب؟

لم يحدث أي تحول، فلازلت أمارس الهندسة وأعتبرها مهنتي الأساسية وشغفي التالي للكتابة والموسيقى، فالهندسة فن، خاصة أنني اخترتُ لنفسي الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي كتخصص فرعي، حيث لم تكن كلية الهندسة المعمارية قد أنشئت بعد حين تخرجت في الجامعة الأمريكية في القاهرة؛ كان تخصصًا فرعيًّا آنذاك. وأرى أن دراسة الهندسة وممارستها قد خدمت تجربتي في الكتابة بشكل كبير، فالكتابة تحتاج لرؤية شاملة وخيال إبداعي ومنهج في البناء، ما تُكرسه دراسة الهندسة العمل بها.

وكيف أثّرت دراستك للهندسة في كتاباتك الأدبية؟

لا يمكنني تقييم تجربتي بنفسي لكي أضع يدي على حجم الأثر الذي تقصدينه، وإن كنتُ شرفتُ برأي أستاذي علاء الديب وأستاذي محمود عبد الشكور في هذا الصدد، وكلاهما رأى أن ثمة أثرًا واضحًا لدراسة الهندسة في كتابتي، حيث يرونها تمتاز بإحكام البناء ووضوح المعمار الداخلي، كما يُشير الكثير من قرائي لاهتمامي بالجانب الوصفي والتصويري في كتابتي، ما أعزوه لدراسة الهندسة المعمارية ومحبتي للرسم والتصوير.

تدور “أمطار صيفية” في إطار صوفي رومانسي إلا أنك اخترت اسمًا بعيدًا عن الحالتين.. فهل تحدثنا عن ذلك؟ ولماذا “أمطار صيفية”؟

لا أصنف “أمطار صيفية” كرواية صوفية ولا رومانسية، ولا أعتقد في تصنيف الأعمال الأدبية الجادة من الأساس، فالتصنيف يحصر النص في إطار يُخل لا محالة بعدد من مضامينه لحساب مضامين أخرى، الرواية تبني عالـمًا بأكمله لا يمكن حصره في اتجاه ما، وأرى أن عنوان “أمطار صيفية” يعبر بشكل كبير عن توق الأبطال ودوافعهم المسيِّرة للأحداث، فالمطر في ثقافتنا مرادف للخير الوافد من السماء، هو الرابط المباشر بين السماء والأرض، ومنحة السماء التي تريد بها إحياء الأرض، خاصة حين يهطل المطر أثناء فصل الصيف، أي على غير توقُّع في مناخنا الصحراوي، عندها يأخذ بُعدًا إعجازيًّا فوق المعتاد، وقد ورد ذكر الأمطار الصيفية في موضعين بالرواية، يمكن للقارئ الحصيف أن يستشف منهما ما يروقه من تأويل.

تدور الرواية في إطار صوفي منذ اللحظة الأولى.. فما هو مفهومك عن الصوفية؟ وماهي علاقتك بالصوفية في الحقيقة؟

لستُ متصوِّفًا حقيقةً، ولا يربطني بها إلا محبتي لعدد من المتصوفين وتأثري بتجاربهم الروحية على المستوى الشخصي، وإن كنت أميل بفطرتي لمنهج الصوفية الذي يتعامل مع الإيمان باعتباره حالة خاصة بين الإنسان وخالقه، ويقبل التعدُّد وتباين طرق الوصول وتنوع التجارب الروحية، فلا يفترض قالبًا واحدًا يضفي عليه من القداسة ما يجعل الخروج عنه من علامات الكفر أو ضعف الإيمان أو الخروج عن المنهج. كما يؤسفني ما يُشاع كثيرًا عن الصوفية استنادًا لبساطة أو تزيُّد بعض المنتسبين إليها، فالصوفية فلسفة فكرية وإيمانية، لا يمكن الحُكم عليه من واقع تصرفات البعض.

وكيف طرحت هذا المفهوم داخل أجواء الرواية؟

قد أكون طرحتُه من خلال الصراع الدائر بين السلفيين والمتصوفة، هذا الصراع ليس محورًا رئيسًا في الأحداث، لكنه إطار تدور على خلفيته بعض خيوط الصراع المحركة للحبكة الروائية، والحقيقة أني مهموم باتساع تأثير المنهج السلفي- بكافة تنوعاته- بين جموع البسطاء في مصر والعالم الإسلامي، فالمدارس السلفية على تباينها تحصر الفهم الديني في دائرة ضيقة من الأفكار والتأويلات، باعتبارها الفهم الصحيح والوحيد للدين. هذا التشدد والتزيُّد هو الأخطر على مسيرة الثقافة والحرية والفكر، وهو الخطر الذي أراه يتهدَّد الطبيعة الإيمانية التي لطالما تميَّز بها المصريون؛ والتي توصف أحيانًا بالوسطية، وإن كنت لا أراها وسطية فكرية بالمعنى، قدر ما هي سماحة متوارثة من المنهاج الصوفي الذي ترك تأثيرًا واضحًا في التراث المصري، وما يصحبه من تقبُّل للاختلاف وتفهُّم لذاتية الإيمان.

وماذا عن مفهومي الأصالة والحداثة اللذين تدور حولهما فكرة الرواية؟

التساؤل حول الأصالة والحداثة يتجاوز عمره المائة عام، هذا سؤال قديم لن أقدِّم جديدًا لو أني طرحتُه من خلال نص روائي. أرى أن الرواية تنشغل بما قد يترتب على الحداثة والتطور التكنولوجي من تهميش للبعد الروحي في حياة البشر، هذا سؤال يُلح دون توقُّف كلما أخذ الواقع سمتًا أكثر ماديةً وتحديدًا. فلطالما انتمت الموسيقى- كما جاءت في عالم الرواية- لعالم الروح، وشكَّلت لغة سماوية تحلِّق فوق الأرض بمسافة، لكن التطور التكنولوجي الذي يحتل مساحات متزايدة من الواقع فرض سطوته في الآونة الأخيرة حتى على التأليف الموسيقي، جذب الموسيقى لمنطقته ومنطقه، صبغها بأدواته الجافة المحددة، فأعاد تشكيل هذه اللغة الروحية بمفرداته الأكثر جفافًا ورقميَّة، هذا الجفاف الذي يصيب الحياة كلما تطوَّرت وتقدَّمت هو الشاغل الأساسي الذي دفعني لكتابة الرواية، كما تخوَّفي من الجفاف الروحي المصاحب للتشدد الديني والإيماني.

وماذا عن مفهومك عن علاقة الموسيقى بالذكر؟ وكيف طوعته ليلائم أبطال “أمطار صيفية”؟

الموسيقى كما أسلفتُ لغة تخاطب الروح بمفرداتها الخاصة، وفي هذه المساحة تتلاقى مع الذكر، فكلاهما يرتفع بالإنسان لمرتبة التعامل مع المطلق من مسافةٍ أقرب، والتراث الصوفي الإسلامي والديني في العموم يزخر بنماذج عديدة لتوظيف الموسيقى في الطقوس الدينية، فالقرآن يُقرأ وفق تنغيم موسيقي تحكمه المقامات الموسيقية، وكذلك الأذان والتواشيح والترانيم المسيحية وكافة أشكال المناجاة الروحية التي ابتدعها الإنسان.
أما عن توظيف العزف على الآلات الموسيقية في الذكر والتواصل مع المطلق- بالطريقة التي جاءت في الرواية- فهو ابن لعالم الرواية فقط، وجزء من عملية التخييل الروائي، أي أنه لا أساس له في الواقع في حدود معرفتي، لكنني طوَّعتهُ باستخدام الخيال لبناء عالم “أمطار صيفية” بطريقة تخدم الحبكة وبناء الشخصيات، فوكالة الموصلي مدرسة تجمع بين تعلُّم العزف على العود والمنهاج الصوفي، ومن هنا تنبع المفارقة بين توظيف الموسيقى في عالم الروح وتوظيفها الحداثي الذي يجردها نوعًا من محتواها الروحي.

“ذاكر رسلان” رغم كونه أساس الطريقة الصوفية في “أمطار صيفية” إلا أن الصراع دار بين “يوسف” و”زينة”؟

يتخذ الصراع في “أمطار صيفية” عدة مستويات، منها الصراع الفكري الذي تخوضه زينة مع منهج وكالة الموصلي وأساسها الروحي، وصراعها في هذا الإطار ليس فقط في مواجهة يوسف، بل في مواجهة ذاكر رسلان في الأساس، حيث إنه القائم على الوكالة وهو من ضم يوسف لطريقها الروحي. كما يتخذ الصراع أطرًا أخرى متعددة، منها الصراع بين المنهجين السلفي والصوفي، والصراع بين المؤسسات الحكومية والمنشآت الفردية، وبين التكنولوجيا الرقمية والصنعة اليدوية البشرية، وبين المادية والتجريد من جانب والموروث الروحي من جانب آخر، وهكذا.

هل كان التكنيك المستخدم في “أمطار صيفية” هو سبب فوزها بجائزة الشيخ زايد؟

لم يأتِ ذكر للتكنيك بين حيثيات الفوز التي أعلنتها أمانة الجائزة، بل إنها ذكرَت موضوع الرواية والمعرفة الدقيقة التي وُظِّفت في بنائها وكتابتها، وإن كنتُ أرى أن للتكنيك تأثيرًا لا يمكن التقليل من شأنه، وهو من أكثر الحيثيات اعتبارًا لدى لجان التحكيم في الجوائز المرموقة في العموم، وقد حرصتُ أن ينعكس الصراع الدائر في خلفية الأحداث على مستوى الشكل والبناء، لذلك استخدمتُ سردًا كلاسيكيًّا يستدرج القارئ للتعامل مع النص باعتباره نصًّا كلاسيكيًّا، على أن يتم كسر هذا الإطار في منتصف الرواية، بتضمين شكل أكثر حداثةً في السرد الروائي، بالتزامن مع تواري المقاطع التراثية التي كنت أستهل بها بعض الفصول منذ ظهور الصوت المتداخل مع صوت الراوي الأساسي، ما يمنح شعورًا متزايدًا بالقلق المصاحب لكسر الإطار.

ولماذا اخترت شخصية “زينة” لتكون صوت الناشر الافتراضي من بين شخصيات الرواية؟ وهل من الممكن أن يفصل القارئ عن أحداث الرواية؟

شخصية زينة هي المقابل الفكري والموضوعي لعالم الوكالة، الذي هو عالم النص المضفِّر للأحداث والمغلِّف لروح السرد، لذلك جاء تداخلها نتيجة اختلافها مع رؤية الراوي، الذي ينتمي لعالم الوكالة وموروثها التاريخي بشكل أو بآخر. لذلك جاء اختياري لزينة كناشر للرواية يسعى للاستحواذ على النص مع جريان الأحداث، ما يتماشى مع محاولتها الاستحواذ على الوكالة وعلى مصائر الشخصيات.
أما التخوف من انفصال القارئ عن متابعة الأحداث نتيجة لمداخلات زينة، فكان تخوُّفًا مطروحًا أثناء مرحلة المراجعة والتباحث بيني وبين دار النشر، لكنني استقريتُ على الحفاظ على هذا الشكل من البناء، فأي تجديد على مستوى الشكل والبناء قد يتسبب في إرباك بعض القراء وإمتاع البعض الآخر، ولو استسلم الكاتب لمخاوفه المتعلقة بتلقي القارئ للنص الإبداعي، لما أقدم على أي تجديد على الإطلاق، ومثل هذا التفكير يضر تمامًا بتشكُّل وتطوُّر المشروع الإبداعي.

امتازت رواية “أمطار صيفية” بهدوء رتم الأحداث.. فهل تحدثنا عن ذلك؟

هذا الإحساس بالهدوء يختلف نسبيًّا من قارئ لآخر، وقارئ الروايات المصرية الحديثة، وأغلبها ينتمي لأدب البوب فيكشن، صار يتعجَّل الإيقاع وجريان الأحداث بحسب ما اعتاد عليه من قراءة هذا النوع من الأدب، لكنه لا يتواءم مع رواية تتناول موضوعًا يحتاج لدرجة من التأمل وامتصاص الأفكار، ولا مع اللغة التي اخترتها والأسلوب الذي وظَّفته لسرد الأحداث، لذلك أعتقد بأنني اخترتُ الأنسب لعالم الرواية وقارئها المستهدف.

دائمًا ما يتجه الكتاب إلى تحديد الزمان والمكان، ولكنك في “أمطار صيفية” تناقلت بين الأزمنة والأماكن.. لماذا؟

الزمان والمكان الأساسيان في “أمطار صيفية” محددان بوضوح، فالمكان وكالة الموصلي التي تقع في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، والزمان هو العصر الحالي، أما التنقل فهو بين هذا الخط الأساسي وبين زمن آخر أسطوري على نحو ما، في مقاطع قصيرة متفرقة، تلك التي نتعرف من خلالها على تاريخ الشيخ الموصلي وبعض المواقف الكاشفة التي يحكيها عنه مريدوه. وقد كتبتُ هذه المقاطع بأسلوب مغاير عن الخط السردي الأساسي، لتأكيد ذلك الانتقال ومنحه بُعدًا أكثر عمقًا.

هل من الممكن اعتبار يوسف انعكاس لشخصية أحمد القرملاوي الحقيقية؟ ولماذا تتشابه صفات البطل مع صفاتك؟

جميع شخصياتي تحمل شيئًا من روحي، من تساؤلاتي وهمومي، وأيضًا من صفاتي، ليس يوسف فحسب، وهذا أمر يحدث عادة مع كل الكُتاب، فالكاتب يلقي ظلالًا من نفسه ومن تجربته على شخصياته ليمرر من خلالها همومه وهواجسه. أما يوسف على وجه التحديد، فقد لفت انتباه القراء كونه يجيد العزف على آلة العود، بالإضافة لبعض السمات الشخصية التي جعلته قريب الشبه من صورتي الانطباعية لدى القراء والمتابعين. وقد اخترت له تلك الصفات حتى أحمِّله القدر الأكبر من هواجسي وقلقي الناتج عن تجربتي الشخصية، لكني رغم ذلك أدرك تمامًا حجم التباين بيني وبين يوسف، وأراه مختلفًا عني على مستوى السلوك والخيارات.

ما مدى اتفاقك مع من يذهب أن “أمطار صيفية” إسقاط سياسي على الوضع في مصر؟

للقارئ مطلق الحرية في التأويل والتفسير، ولا أملك حتى التعليق على تأويله، وكل تأويل جائز ومقبول في حدود تجربة وخبرة صاحبه، وقد سمعت تأويلات شتى لأفكار الرواية وشخصياتها، ليس من بينها هذا التأويل الوارد في السؤال، والذي أحتاج لبعض الوقت حتى أتأمله وأختبر مدى اتفاقي أو اختلافي معه. وإن كنت أستغرب الربط بين شخصية رحمة الرقيقة الهادئة، والتي تمتاز ببعض ملامح الاعتمادية والسلبية، وبين الثورة.

لكل نص موقف ومفجر.. فهل تحدثنا عن كواليس كتابتك لروايتك “أمطار صيفية”؟

قد يوجد موقف يظنه الكاتب المفجر الأساسي لفكرة النص الذي قام بكتابته، لكنني أرى الأمر أعمق من ذلك، حيث أظن أن فكرة النص تولد في مكان خفيٍّ من وجدان الكاتب، وتأخذ في النمو والتقلب يمينًا ويسارًا حتى تُفاجئه ذات لحظة وقد اختمرت بدرجةٍ أو بأخرى، لكن بإمكاني الإشارة لبعض الهواجس التي اعتملت بداخلي في الفترة المزامنة لميلاد هذه الفكرة، منها تخوُّفي من امتداد السلفيين بداخل مؤسسة الأزهر، والصراع حاد النبرة الذي شنه البعض مع من يخالفهم في الفكر والمنهج، وكذلك انشغالي بالقلق الوجودي الذي انتاب الكثيرين بعد فترة من احتدام الصراع السياسي والديني، وأخيرًا ذلك التلاعب والتراوح الفكري الذي قام به العديد من الساسة لحماية مصالحهم. كل هذه الهواجس والتداعيات كانت تشغلني قبل بزوغ الفكرة، ثم تطورت أثناء التحضير والكتابة ثم إعادة الكتابة والمراجعة، حتى حملت المزيد والمزيد من أفكاري وتساؤلاتي وهمومي بما يتجاوز بمسافة هذه البواعث الأولية.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر