من إسماعيل صدقي إلى عبدالناصر: تاريخ الفيوم في مجلاتها المدرسية

عرفت الفيوم الصحافة المدرسية مبكرا. إذ أسس رفاعة الطهطاوي أول عدد من مجلة “روضة المدارس” عام 1870، وتوالت بعدها المجلات المدرسية مثل مجلة “الطلبة المصريين” عام 1909، ومجلة “مدرسة وادي النيل الثانوية” عام 1917، ومجلة “مدرسة الخديوي الثانوية” عام 1922.

الصحف المدرسية بالفيوم

يرجع تاريخ أول صحيفة مدرسية إلى مجلة “مدرسة الفيوم الثانوية”، التي صدر العدد الأول منها عام 1932. يقول المؤرخ إبراهيم مسيحة، الذي اهتم كثيرا بالصحافة المحلية في الفيوم: “لعبت الصدفة دورًا في الكشف عن تلك الصحيفة، حيث عثر على العدد الأول منها الأستاذ محمد ثابت أحمد، أحد رواد الصحافة المحلية بالفيوم. ففي الأربعينات عندما كان طفلا، وجد العدد لدي بائع للفول السوداني واللب، ولحبه للقراءة اشترى تلك الصحيفة بعشرة مليمات. بالرغم من ضياع بضع ورقات منها، إلا أن الجزء الذي تبقى حفظ لنا تاريخ تلك الصحيفة، والتي أصبح محمد ثابت بعد ذلك أحد كتابها عندما التحق بالمدرسة الثانوية”.

صفحات من المجلة المدرسية

تنوعت المقالات والمواضيع داخل المجلة المدرسية. حيث تضمنت الافتتاحية كلمة لناظر المدرسة، وحركة تنقلات المدرسين، وأسماء أوائل الطلاب. ثم توثيق لزيارة إسماعيل باشا صدقي، رئيس مجلس الوزراء للمدرسة يوم 19 مايو 1932 بصحبة محمد حلمي باشا، وزير المعارف.

وتكونت هيئة تحرير المجلة من الطلاب: هنري إبراهيم، عوض خليفة السيد، رمزي إسرائيل، حسن خالد، ميشيل محروس. بالإضافة لـ20 طالبا قاموا بالمشاركة والكتابة.

يقول “مسيحة” عن تلك الصحيفة: “اللافت للنظر أن طلاب المدرسة قاموا بتحرير الصحيفة بلغات مختلفة، وهي الفرنسية والإنجليزية، والعربية. فنجد الطالب كمال فهمي يكتب مقالة عن الصناعة في مصر باللغة الفرنسية. وهناك مقالة للطالب محمود سامي البوهي عن تأثير الصحافة باللغة الإنجليزية. كما شدني أن هناك مقالا علميا للطالب محمد عبدالمنعم صالح، الذي كان بالصف الخامس علمي عن “التلفزيون”. فقد تناول المقال شرح دقيق لهذا الاختراع الذي كان وقتها من العجائب، ولم تسمع عنه مصر إلا بعدها بأعوام”.

أخبار الفيوم

وتابع: حمل لنا العدد الأول أيضًا العديد من أخبار الفيوم وقتها، فهناك مقالا للطالب محمد أنور حسن تحت عنوان (جهود الشباب)، أعلن فيه عن تأسيس مشروع يهدف إلى فتح سوق بالقاهرة لمنتجات الفيوم. حيث ساهم طلبة الجامعة من الفيوم في رأس مال المشروع بمبلغ مائتي جنيه. قسم على أربعمائة سهم، قيمة السهم الواحد خمسون قرشًا يمكن دفعها مرة واحدة أو على خمس دفعات. وكانت مدة الاكتتاب 6 أشهر تبدأ من أول يناير إلى نهاية يونيه 1933. وقد استعان الطلبة ببعض من رجال الاقتصاد لتنفيذ المشروع.

وفي عددها الصادر عام 1950، رصدت الصحيفة المدرسية على صفحاتها الصناعات التي تشتهر بها الفيوم. وتناولت تاريخ الحركة التعاونية في الفيوم ونشأتها عام 1924 وتأسيس أول جمعية تعاونية بقرية دفنو. وتم تحت تأثير الحاجة لتصدير الموالح، تأسيس أول جمعية تعاونية لمنتجي الفاكهة بالفيوم بمديرية الفيوم عام 1932. وكان العدد الأخير للمجلة عام 1951. حسب ما ذكر المؤرخ إبراهيم مسيحة.

وكانت الشاعرة غادة نبيل قد عثرت على أحد أعداد هذه المجلة في أوراق والدها، وقد كتبت عنها مقالا في جريدة  الجمهورية عام 2007 وصفتها فيها بأنها ليست صحيفة مدرسية أو مجلة حائط بالمعنى المعروف، بل هي أفخم وأرفع مطبوعة ثقافية عند مقارنتها بصحف متخصصة، وأشادت بالمستوى الراقي للطلاب.

مجلة المشاعل

“أننا أدباء ولكننا نريد أن نعبر عما يختلج في نفوسنا. وقد نخطئ في النحو، وقد لا يبلغ كلامنا غاية الإجادة، ولكننا لا نخطئ في تعريف رسالتنا”. كانت تلك الكلمات هي المقال الافتتاحي في مجلة “المشاعل” التي أسسها مجموعة من طلبة مدرسة الفيوم الثانوية على نفقتهم الخاصة عام 1944. وقد أشار الطلاب من خلال عناوين المجلة عن محتواها عبر ثلاثة عناوين وهي: (ستكتب فيه أقلام جديدة، مقالات قيمة للأساتذة، نقد لأساتذة المدرسة). وقد غلب على المقالات داخل العدد الطابع الأدبي والفلسفي، والعديد من المعلومات العامة.

بعد توقف مجلة مدرسة الفيوم الثانوية عن الصدور عام 1951. أعيد إصدارها مرة أخرى في عام 1956، وتضمن العدد خطابا من الرئيس جمال عبدالناصر تم إرساله عبر مجلس الوزراء، حمل العديد من الوصايا الوطنية للطلاب.

مجلة مدرسة التوفيق الثانوية

مجلة أخرى كان لها تأثير قوي على طلابها، وهي مجلة مدرسة التوفيق الثانوية القبطية للبنين، التي تأسست عام 1898م. وصدر العدد الأول من مجلتها عام 1950، بإشراف جماعة الأدب والصحافة بالمدرسة. وقد كانت تلك المجلة تضم منذ بدايتها العديد ممن أصبحوا فيما بعد رواد الصحافة المحلية بالفيوم مثل: إبراهيم زكي الفيومي، الذي كان رئيس تحرير جريدة قارون المحلية فيما بعد. والدكتور نبيل حنظل، أحد رواد الصحافة المحلية والسياحة بالفيوم.

يقول الدكتور نبيل حنظل، عن المجلة التي كان يرأس تحريرها وقت أن كان طالبا بمدرسة التوفيق الثانوية القبطية للبنين، كما كان مسؤولًا عن تصميم غلاف المجلة طيلة فترة دراسته بالمرحلة الثانوية: “في رحلتي الدراسية كنت مرتبطًا دائما بالنشاط الصحفي. حيث كنت أقدم برنامج الإذاعة المدرسية، وإلقاء كلمة المدرسة في طابور الصباح، والمشاركة والإشراف على إصدارات مجلة الحائط التي تصدر شهريًا أو في المناسبات. وكنت رئيس تحرير مجلة المدرسة التي كانت تصدر سنويًا  في نهاية العام الدراسي. وكانت المجلة تهتم كثيرا بالحوارات الصحفية سواء مع الشخصيات العامة، أو الأهالي مثل الصيادين على بحيرة قارون وغيرهم”.

وتابع: تأثرت كثيرا بجريدة المجتمع المحلية التي كانت تصدر في الفيوم ويرأسها والدي الشاعر والصحفي المعروف بـ”ابن حنظل”. فقد كنت أحضر الندوات التي كان يعقدها والدي بالجريدة وكانت تضم شعراء وكتاب ونجوم مجتمع بجانب الأهالي من الفيوم، لذا كانت لدي خبرة عملية في التحرير الصحفي. كما كان تشجيع والدي وأساتذتي في المدرسة جعلني اهتم أكثر، وحصلت على العديد من الجوائز المدرسية من المنطقة التعليمية وقتها.

مجلات أخرى

إلى جانب مجلتي مدرستي التوفيق والمدرسة الثانوية، كانت هناك أيضًا مجلات لمدارس ثانوية أخرى مثل: مدرسة الفيوم الثانوية الصناعية، التي صدر العدد الأول من مجلتها في عام 1939. وتلتها مجلة مدرسة الفيوم الثانوية للبنات. ثم مجلة مدرسة الفيوم الإعدادية الحديثة الذي صدر العدد الأول منها في عام 1957م.

أما مدرسة المحمدية الإعدادية للبنات، فكانت لها تجربة مختلفة، فعلى العكس من كافة المدارس التي كان يصدر عنها مجلة سنوية، أصدرت مدرسة المحمدية عددين في العام. صدر العدد الأول من المجلة في عام 1957. وكانت المجلة تصدر عن جماعة الصحافة بالمدرسة. وفي الكلمة الافتتاحية للعدد الذي صدر من المجلة في عامها الرابع عام 1961. تمت الإشارة إلى الإقبال الشديد من الطالبات على الكتابة في المجلة بعد توزيع العدد الخاص بنصف العام الأول.

وتناولت الافتتاحية اعتذارا من أسرة التحرير للطالبات قالت فيه: “لقد أقبلت زميلاتنا من الطالبات على الكتابة في هذا العدد إقبالًا بالغًا، وكان هذا الإقبال نتيجة طبيعية بعد توزيع العدد الأول. لهذا كانت المقالات والكلمات ومختلف ألوان النشاط الصحفي، متعددة متزايدة. وأصبحت في مجموعها أكثر مما تتسع له هذه الصفحات القليلة والمحدودة. فنشرنا في هذا العدد ما استطعنا.. ونحن نشكر ونعتذر لباقي الزميلات اللاتي لم يتمكن من نشر كلماتهن”.

اقرأ أيضا

صحافة مدارس قوص: من خط اليد إلى الكومبيوتر

مجلة مدرسة دشنا الإعدادية بنين: 20 طالبة في مدرسة للبنين فقط!

«صاحب العزة» في مجلات مدارس طنطا

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر