عندما هدده كامل الشناوي بنشر قصائده: أحمد بهاء الدين شاعرا

عرف أحمد بهاء الدين على مر تاريخه الصحفي بأسماء الأبواب التي كان يحررها، والتي استقرت في أذهان القراء، وأشهرها باب “أيام بلا تاريخ” الذي كان يكتبه في صباح الخير وروزاليوسف وتنقل به إلى المصور والأهرام، وباب “مسافر على الورق” وكان هذا الباب يعتبر بحق مكتبة لعرض الكتب والمقالات الصحفية من الصحف الأجنبية بأسلوب شيق وسلسل.

ولكن البدايات الحقيقية لأحمد بهاء الدين كانت في مجلة “الفصول”.. وهي مجلة شهرية أدبية أسسها الكاتب الكبير “محمد زكي عبدالقادر” عام 1944. وقد ذاع صيت المجلة في الأربعينيات وتميزت باستقطاب الأقلام الشابة.. وكان من ضمن هذه الأقلام الشابة أحمد بهاء الدين الذي كتب في الفصول ولم يتجاوز العشرين عاما.

على أن المثير في محطة بهاء في الفصول هو طرقه بابا في الكتابة لم يطرقه بعد ذلك ويكاد يكون مجهولا، وهو كتابة الشعر بالإضافة للكتابات السياسية في نفس المجلة، فقد رصدت لبهاء أربعة قصائد ربما لم يعاد النشر منهم سوى لواحدة فقط التي كتبها الأستاذ رشاد كامل في مقدمة الطبعة الحديثة من كتاب “فاروق ملكا”، وباق القصائد ظلت مجهولة وبهاء نفسه كان أحد أسباب التكتم على تلك القصائد أو على تجربة الشعر برمتها.

كامل الشناوي

يحكي بهاء في أحد حواراته: “إن كامل الشناوي قد حصل على عدد من مجلة الفصول وبه إحدى هذه القصائد، وكان يهددني من حين لآخر أنه سينشر القصيدة في جريدة الأخبار والحمد لله أنه لم يفعلها”. كان بهاء يكتب الشعر العمودي الملتزم بالوزن والقافية وبرغم قلة القصائد وصغر مساحة كل قصيدة، إلا أنه تنوع بين الوطني والعاطفي فنرصد قصيدة بعنوان “يا مصر” من بيتين فقط، نشرت في ديسمبر 1947 بالعدد 43 من الفصول يقول فيها:

يا مصر لو شئت الفدا وجدتني.. في مطلع الأبرار واسمك في فمي

وكما رويت بماء نيلك غُلتي.. أروي ثراك بما تريدي من دمي

وفي نفس العدد يكتب قصيدة أخرى بعنوان “ضيق” يقول فيها:

زمني يضيع وكل يوم فيه يطوى لي أمل

وأنا هنا.. أستعرض الأيام لما ترتحل

لا أستطيع السير في تيارها أو أنتقل

وإذا جرؤت وقلت أمشي كم تضيق بي السبل

كما نشر قصيدة “دموع في النيل” التي يقول فيها:

درر علي خدى وفى أهدابي

يا ليل تلمع مثل نجم خابي

فارفق بينا يا ليل واستر دمعة

لا تستتباح لشامت عباب

يا ليل كم أرقت فيك ضحية

تجنى على خواطري وحسابي

وفي العدد الذي يليه والصادر في يناير 1948، نرصد قصيدة عاطفية بعنوان “دمع الغواني” مكونة من ستة أبيات:

فرت كلؤلؤة من عينها تجري.. كما يفر حبيس بات في أسر

حارت على خدها حينا فشابهها.. ندى على وردة في مطلع الفجر

ضاقت بمحبسها حتى إذا انفلتت.. من صدرها زفرة فرت على الأثر

فعبرت عن مقال عز منطقه.. ونفست عن أوار شب في الصدر

تيممت في شغاف القلب منسربا.. كأنها قوة من عالم سحري

ساءلت قلبي كيف الحب عاوده؟.. فقال: دمع الغواني أبلغ العذر

وكانت “دمع الغواني” هي أخر ما رصدنا من تجاربه الشعرية في مجلة الفصول، أما أولى قصائده فكانت في أغسطس 1947 في العدد 39 بعنوان “وللصبر في يأسه مصرع” وهي التي نشرت في المقدمة الحديثة لكتابه “فاروق ملكا” ويقول في مطلعها:

عزيز على الحر يا أدمع

يسيل عصيك والطيع

وفي القلب من صبره فرقة

وللصبر في يأسه مصرع

يجالد دهرا عظيم الأذى

وما عاد في قوسه منزع

وقد برزت إدارة المجلة هذه القصيدة في مكان متميز وهو الصفحة الأخيرة بطول الصفحة كاملة. وهكذا بدأت وانتهت سريعا رحلة أحمد بهاء الدين مع الشعر وهى الرحلة التي قال عنها بهاء: من حسن حظ الناس وأيضا من حسن حظي أنني اعتزلت كتابة الشعر مبكرا جدا، فما كتبته كان رديئا بشكل لا نظير له وسيئا بدرجة لا يتصورها أحد.

اقرأ أيضا

ملف| أحمد بهاء الدين.. جماليات الكتابة الديمقراطية

قصة اللقاء الأول بين بهاء وروزاليوسف

معارك بهاء: لم يحارب طواحين الهواء

بهاء في القدس: رحلة الأيام الخمسة

نجيب محفوظ في أوراق غير منشورة: ضرورة أحمد بهاء الدين

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر