«الجذور التاريخية لموالد الأولياء في الإسكندرية».. محاضرة ضمن فعاليات أيام التراث

ضمن فعاليات أيام التراث السكندري، ألقت د.عزة عزت، رئيس قسم البحوث والنشر بمكتبة الإسكندرية، محاضرة تحت عنوان «الجذور التاريخية لموالد الأولياء في الإسكندرية».

موالد الأولياء

في بداية المحاضرة قالت الدكتورة عزة، إنها تعمل في مركز دراسات الخطوط في مكتبة الإسكندرية وأنها متخصصة في علم المصريات. لكنها مرشدة سياحية ومهتمة بالتراث. واختارت موضوعا عن التراث اللامادي مثل موالد الأولياء.

وتابعت: المحاضرة تنقسم لجزأين: الأول تاريخي عن الأصول التاريخية للموالد. والثاني عن الموالد وكل مظاهرها والألعاب والفلكلور، وربط الجزء الثاني ما بين أوبريت الليلة الكبيرة وظاهرة المولد كنموذج لعمل فني مهم وكبير وجميل مرتبط بوجدان الشعب المصري بكل فئاته وطبقاته.

تضيف عزت، الجذور التاريخية لفكرة المولد تعود إلى العصر المصري القديم من خلال تخليد الآلهة عن طريق مواكب الآلهة. وهي مواكب احتفالية شبيهة بالموكب الذي تم خلال افتتاح طريق الكباش في عهد د.خالد عناني، وزير الثقافة السابق. وفي الموكب المصري القديم كان يتم الاحتفال بلقاء الإله بزوجته. وكان الموكب يتوقف ست مرات، وتصاحبه مجموعة من الألعاب الموسيقية والغناء والرقص وذبح الأضاحي وحمل مركب الإله آمون.

أما في العصر الإسلامي كانت تقام الاحتفالات في مسجد سيدي أبوالحجاج في الأقصر. والمسجد يوجد بالقرب من معبد الأقصر، وكان يقام به مولد أبوالحجاج في شهر شعبان. حيث يسير موكب شبيه باحتفالات (الأوبت) الموجودة على جدران معبد الأقصر؛ وهي الاحتفالات بموكب الإله آمون التي كانت تحمل فيها تماثيل للإله آمون. أما في احتفالات مولد أبوالحجاج فيحملون الهودج أو المقصورة كتقليد للموكب القديم.

في الطقوس المصرية القديمة وفي الموكب القديم كان يحمل مركب الإله آمون. وهو نفس ما يحدث في موكب مولد أبوالحجاج، حيث يركب الأطفال في مركب يُحمل على عربة تجرها الحبال.

الاحتفال بالموالد

واستطردت: استمرت ظاهرة الاحتفال بالموالد في العصر القبطي. حيث يتم الاحتفال بموالد القديسين والشهداء، لكن موالد الأقباط تختلف عن موالد المسلمين. في الموالد الإسلامية يتم الاحتفال بمولد الولي أو الشيخ، لكن في موالد الأقباط يتم الاحتفال باستشهاد القديس مثل ماري جرجس.

الاحتفالية القبطية تتضمن احتفالات شعبية شبيهة بموالد المسلمين. حيث يقومون بعمل زفة الأيقونة؛ وهي لوحة كبيرة بها صورة القديس أو القديسة ويسير المحتفلون مع الكهنة والشمامسة في موكب تلك الأيقونة.

توضح عزت، استمرت احتفالية الموالد في العصر الإسلامي. ويقال إن الفاطميين هم أول من صنعوا الحلوى في الموالد؛ كعروسة المولد والفارس على الحصان. فكرة عروسة المولد ظهرت في العصر الفاطمي وارتبطت بالخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. وهناك ثلاث روايات حول عروسة المولد والحاكم بأمر الله.

الرواية الأولى أن زوجة الحاكم بأمر الله كانت جميلة وكانت تظهر في الموالد مع زوجها الخليفة. وهي ترتدي ثوبا أبيض جميلا وتضع تاجا على رأسها. فصنع الفاطميون الحلوى على شكل عروسة وفارس على حصان كتمثيل للخليفة وزوجته. والرواية الثانية أن الحاكم بأمر الله منع الزواج إلا أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. فكانت حلوى عروسة المولد والفارس على الحصان تعبيرا عن احتفالات الزواج التي ستتم في المولد النبوي كل عام. والرواية الثالثة أن الحاكم بأمر الله كان يهدي قواده المنتصرين في المعارك الحربية زوجات جميلات. وكانت عروسة المولد والفارس على الحصان تجسيدا لزواج القائد العسكري بزوجته الجميلة.

تعريف المولد

المولد هو يوم الميلاد للولي، ويستمر من ثلاثة أيام إلى أسبوع، ويستمر حتى يوم الخميس. وهي الليلة الأخيرة أو الليلة الكبيرة كما سُمى أوبريت الليلة الكبيرة نسبة إلى تلك الليلة. ومكان الاحتفال بجوار الضريح مكان دفن الولي أو المقام. وفي المولد يجري إطعام الفقراء والمساكين وقراءة القرآن وإقامة حلقات الذكر والتواشيح والابتهالات والمديح النبوي.

يمكننا تقسيم الاحتفالات الدينية إلى قسمين:

القسم الأول: المناسبات العامة وهي المولد النبوي الشريف ورأس السنة الهجرية وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان. والقسم الثاني: هو الموالد الخاصة مثل مولد سيدنا الحسين ومولد السيدة زينب وموالد الأولياء وشيوخ الطرق الصوفية وموالد أولياء البدو.

هناك ثلاثة عناصر أساسية للاحتفال بمولد الولي؛ هي زيارة الضريح واعتقاد المريد أن الولي سيلبي طلبه وحاجته. الركن الثاني المشاركة في حلقات الذكر. والركن الثالث المشاركة في الموكب الاحتفالي للمولد. والذي تتخلله التنورة والموسيقى والأغاني الدينية ورفع الأعلام، وكل طريقة صوفية لها أعلام مختلفة.

أضرحة الإسكندرية

تشير عزت في حديثها إلى أن مدينة الإسكندرية مشهورة بأنها مدينة الأضرحة التي قد تصل إلى مئات الأضرحة لكثير من الصوفيين، بعضهم معروف والأغلب غير معروف لنا.

وتقول: هناك فرق بين الضريح والمقام: الضريح هو المكان الذي دُفن فيه الجثمان. أما المقام فهو مكان لرؤية أو حدوث كرامة لولي حيث يوجد به محبون له. قد يكون ولي من العراق مثلا غير مدفون في مصر وله مقام بها يقوم المحبون بزيارته.

يشبه المولد المول في العصور الحديثة؛ حيث يحتوي المولد على نشاط تجاري يرتبط به. يفترش ساحات المسجد البائعون في خيام، وبيبعون الطعام والحلي والسبح والحلوى والألعاب والملابس.

من أشهر موالد المدينة مولد أبي الدرداء الأنصاري، والمشهور في الإسكندرية بأبو الدردار، وله مقام وليس ضريحا. حيث دفن في دمشق، لكن أهل الإسكندرية اعتقدوا في كرامات أبي الدرداء فأقاموا مقاما للاحتفال بمولده ولزيارته. ومن الأساطير الشعبية أن مقام أبي الدرداء يقع في منتصف شارع. وعندما أرادت البلدية إزالة المقام لتوسعة الشارع أصيب العامل بالشلل فتُرك المقام في منتصف الشارع.

أبوالعباس المرسي

ومن الموالد المشهورة في الإسكندرية مولد أبوالعباس المرسي الذي يقسم به السكندريون وذكر في كثير من الأغاني التي تتغنى بمدينة الإسكندرية. وهو الولي أبوالعباس المولود في مدينة مرسية بالأندلس، وقررت أسرته الذهاب للحج، لكن غرق والداه ونجا هو وأخوه، وعاشا في تونس وأصبح تلميذا للشيخ تقي الدين أبوالحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية. وحضر معه من تونس إلى مصر واستقر في الإسكندرية وتوفي بها عام 1286م. ودفن في مقبرة صغيرة، وبنى أحد التجار، وهو زين الدين القطان، مسجدا صغيرا له قبة. إلى أن جاء المعماري الإيطالي ماريو روسي وبنى المسجد سنة 1943.

ومن أشهر الأضرحة الموجودة في ميدان المساجد سيدي ياقوت العرش. وهو من تلاميذ أبو العباس، وسيدي البوصيري صاحب قصيدة بردة البوصيري في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام. جاء البوصيري من المغرب ليعيش في الإسكندرية. وقد أصدر مركز دراسات الخطوط في مكتبة الإسكندرية كتابا باللغة العربية والإنجليزية عن قصيدة بردة البوصيري المدونة على المسجد بالكامل.

أضرحة أخرى

وتوجد أضرحة أخرى مثل سيدي مكين الدين الأسمر، والسيدة رقية أم العواجز والدة سيدي إبراهيم الدسوقي، وسيدي علي أبوالفتح. وهو يقدم الطيور واللحوم ويرش ماء الورد أمام مقامه، وهناك بجوار مسجد أبوالعباس حجرة بها أربعة عشر شيخا يحملون اسم محمد. مثل محمد بركة، محمد عدلي، وهم تلاميذ محبون للمرسي أبو العباس أرادوا أن يدفنوا إلى جواره.

توجد أضرحة أخرى كسيدي بشر وسيدي جابر. وهناك سيدي مفرح الموصوف لعلاج القلوب الموجوعة، ويقع في شارع فؤاد أمام القنصلية الإسبانية.

في الجزء الثاني من المحاضرة تحدثت د.عزة عن العناصر الأساسية للمولد من تراث وفلكلور الألعاب والحكايات الشعبية والإيمان بالقدر. من الحكايات التي تحكى كثيرا في الموالد حكاية سيدنا يوسف وحب زليخة له. والحكمة تأتي في النهاية بأن أسمى مراتب الحب هي حب الله. كما ربطت د. عزة بين أوبريت الليلة الكبيرة والمولد كتجسيد فني وتعبير عن المولد الشعبي.

اقرأ أيضا:

«حياة جديدة في العمارات القديمة»: كيف يمكن التعامل مع المباني التراثية؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر