صوت| السفر على أنغام الربابة والسير الشعبية في قطار الصعيد

دكة خشبية، أو حديثًا كرسي على خشبة لمسرح تقليدي بسيط، يعلوها راوٍ من فترة العشاء عادة حتى الساعات الأولى من الفجر، يلتف حوله الناس خاصة في القرى والمدن الصغيرة، مستمتعون بأدائه راوايات القصص البطولية والدرامية، وأحيانًا أخرى الغناء الشعبي والمواويل.. هذا هو المشهد المألوف لرواة السيرة الهلالية أو الحكائين الشعبيين بصفة عامة، أما الغريب هو أن تجد أحد الرواة عازفًا على ربابته، بصحبة صديقه عازف الدف، يجوبان قطار “قنا- سوهاج” وأحيانا حتى أسوان ذهابًا وأيابًا، ينشدون لكل المسافرين، فيطرب الركاب ويمنحونه أجرًا رمزيا، ليتحول الأمر لظاهرة تشبه فناني الشوارع بأوروبا.


“مش واجب على الدنيا قبل ما تذل السبع تبعت له” بهذه الكلمات جعل الراوي زينهم عمار خلف حسين، 30 عامًا، الأمر مختلفا هذه المرة، في قطار الغلابة “المميز” حيث يتجول بين الركاب في العربات المختلفة ينشد عليهم قصائد مدح النبي تارة، ويطربهم بالمواويل الشعبية الصعيدية تارة أخرى.
يبدأ “زينهم” رحتله يوميًا بصحبة ابن خاله وزوج أخته فرغلي حسن عبدالرحيم، من مواليد 1992، بداية من مركز المنشاة بمحافظة سوهاج، حيث إقامتهم، ومنها إلى محطة قنا وأحيانًا إلى أسوان، مارين بكل محطات المدن والمراكز وبصحبتهم الربابة والرق، ذاهبين أيضًا لكل الموالد، والأفراح حين يطلبون.

يحكي زينهم عن سبب عشقه للربابة والإنشاد الديني والمديح، مشيرا إلى أنه عندما كان عمره 12 عاما، ولع بحب آلة الربابة والعزف عليها، رغم صغر سنه وخلو العائلة من عازفين أو ممتهنين لهذه المهنة، مضيفا “سعيت لأتعلم كيف أعزف عليها، وذهبت لأحد الراوين الكبار في مركز المنشاة، حتى أتقنتها في سن الـ14 عامًا، وبدأت أعشقها لتكون هوايتي ومصدر رزقي، حيث أذهب للموالد وأنشد في حب النبي، ويطلبونني في الافراح والمناسبات”.

ويضيف “زينهم” أنه لا يرى في إنشاده عيبًا، معلقا “لماذا لا أشدوا للناس ما يحبونه طوال رحلة سفرهم؟ مثلما يحدث في شوارع اوروبا، فهناك لا يخجلون من فنونهم ويعرضونها لمن يرغب في سماعها، دون فرضها على أحد، والناس في محافظات الصعيد بأكملها يعشقون الربابة ورواية السير والمواويل، والإنشاد بمديح النبي”.
“الدنيا بتعلم والسمع بيعلم” يقول “فرغلي” رفيق “زينهم” العازف على الرق، مؤكدا أنه عشق الرق والمدح وإلقاء المواويل منذ أن كان عمره 8 أعوام، وبدأ يعمل في العزف على الرق خلف كبار المنشدين في فرقهم مثل ريحانة المداحين أمين الدشناوي وغيره.
ويكمل فرغلي أن وجهتنا دائمًا الموالد، مثل سيدي أبو الحجاج، وعبدالرحيم القنائي، والسيد البدوي، وأبو الحسن الشاذلي وغيرهم.
وربما لا يعرف “زينهم وفرغلي” أن الأدباء والباحثين يطلقوا على فعلهما فنًا شعبيًا، ولكن فطرتهم جعلت هذا الفن يتمكن منهم، بسبب إيمانهم بتاثيره وأهميته في نقل تجارب الآخرين الحياتية في السير التي تروى أو المواويل، أو الإنشاد في حب “آل البيت”.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر