«عمارة الفقراء»: هل فشل مشروع ترميم قرية حسن فتحي بالقرنة؟

خلال الأسبوع الماضي، نشرنا صورا لقرية حسن فتحي بالقرنة الجديدة في الأقصر، والتي أوضحت وجود تشققات في حوائط مسجد حسن فتحي فضلا عن هدم منزله بالكامل تمهيدا لإعادة بناءه بالرغم من افتتاحه في ديسمبر العام الماضي.. «باب مصر» تواصل مع رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وأيضا مدير مركز حسن فتحي للعمارة والتنمية للرد والتعقيب على هذه الواقعة.

حالة متداعية

حول هذه الواقعة يقول المهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، في أول تصريح لـ«باب مصر»: ” الخطوات المتعبة، داخل قرية حسن فتحي -قرية القرنة الجديدة- بالنسبة إلينا عبارة عن ثلاثة مراحل. وقد انتهينا من المرحلة الأولى وافتتحناها بالفعل، وهي عبارة عن المسجد، والخان، والمسرح، وقصر الثقافة. وهذه المرحلة تؤدي نشاطها بشكل جيد، وأصبح لها مردود جيد على القرية”.

وتابع: بخصوص المرحلة الثانية، فنحن نحاول إعادة صياغة الساحة الرئيسية للقرية، كي نربط جميع العناصر الموجودة داخل القرية بشكل معماري مميز. أما البيوت التي تم إنشائها خلال السنوات الأخيرة داخل القرية، والتي غيرت طبيعة القرية، فسنقوم بمعالجة واجهتها، كي تكون متماشية مع القرية.

أما بيت حسن فتحي، فقد وصل إلى مرحلة سيئة للغاية. ولم يتبق منه سوى جزء بسيط متداعي وغير مستقر. فهناك أشياء من الصعب ترميمها. ونحن بالفعل رممنا أجزاء كثير في المسرح ضمن المرحلة الأولى من المشروع، لكن منزل حسن فتحي كانت حالته متداعية للغاية، وطبقًا لمركز بحوث البناء. فقد قررنا إعادة بناء المنزل، مرة أخرى، بنفس الخامة المستخدمة، وقد حللنا “طوبة” المنزل، تمهيدًا لبنائه بنفس الخامة مرة أخرى.

ويضيف أبوسعدة: المرحلة الثالثة ستشمل “السوق” الذي تعرض لمشاكل إنشائية كثيرة. وسيتم إعادة ترميم مجموعة البيوت الـ17 داخل قرية حسن فتحي، وإعادة صياغتهم مرة أخرى. وبجانب ذلك فالقرية نفسها دخلت ضمن مبادرة حياة كريمة، لأن القرية تتعرض دائمًا لمشاكل نقص المياه والصرف الصحي، وارتفاع منسوب المياه، وهذه الأمور عندما يتم إصلاحها بطريقة جيدة، سيتم تخفيف الضغط الموجود على القرية.

خامات أصلية

أما عن الصور التي انتشرت مؤخرا، فقد أكد رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري على أن منزل حسن فتحي كان متهدم بشكل كامل، باستثناء جزء بسيط منه.

يقول: “إنشائيًا لم يكن هذا الطوب صالح للترميم، لذلك لجأنا لحل إعادة بناء المنزل بنفس المادة الأصلية المستخدمة. وبخصوص ظهور تشققات داخل المسجد، فهذا أمر متوقع، ومثل هذه المباني الطينية دائمًا ما تتعرض لتشققات، نتيجة اختلاف منسوب المياه، وكذلك تغير الفصول، ونحن وضعنا مثل هذه الأمور في حسابنا، من خلال تنفيذ صيانة دورية، ومن السهل معالجة مثل هذه الأمور”.

وتابع: لا نريد أن نغير من طبيعة الخامة الأصلية المستخدمة من المواد الطبيعية؛ لذلك دربنا العمال الموجودين داخل القرية، على هذه الأمور. لأن نوعية هذه المباني تحتاج لصيانة دورية، ونحن نجهز العمال، ونقدم لهم ورش من جانبنا لتعريفهم بطرق الصيانة السليمة. وخلال الفترة المقبلة سيتم عقد ورش من جانبنا ومن جانب اليونسكو، للسكان المحليين، لتنفيذ مثل هذه الأمور بأنفسهم، دون الحاجة إلينا، لأن العملية ليست معقدة، كما يتصور البعض.

يختتم أبوسعدة حديثه ويقول: “هناك ملف يتم إعداده من جانب الدكتورة نهلة إمام، بهدف تقديمه إلى اليونسكو حول العمارة الطينية. وهو ملف مشترك بين مصر ودول أخرى، وبحكم أن قرية القرنة لحسن فتحي هي “نموذج”، لممارسات البناء بالطين، كتراث غير مادي”.

هدم منزل حس فتحي
هدم منزل حس فتحي
لجان علمية

فيما تحدث الدكتور فكري حسن، أستاذ الآثار ومدير مركز حسن فتحي للعمارة والتنمية عن الواقعة الأخيرة. وقال:” كان يجب إسناد المشروع لذوي الخبرة، فالمفترض أن يكون هناك تقرير علمي قد صدر عن المرحلة الأولى من المشروع. لكن ما حدث مؤخرًا سواء في المسجد أو المنزل هو خطأ جسيم، لأن افتتاح المرحلة الأولى لم يتجاوز العام”.

وتابع: رأينا مشاكل ظهرت داخل مسجد حسن فتحي، فهناك لجنة علمية من جانب اليونسكو تم عقدها عام 2010، وكان بها خبراء من جميع أنحاء العالم والمتخصصين في عمارة الأرض. وشاركت فيها أنا والمهندس جمال عامر، والدكتورة جيهان زكي. وقد وضعنا خطة لترميم القرية كاملةً خلال 4 سنوات. والمرحلة الأولى كانت ستتم في سنة كاملة، وهي معنية بإصلاح الصرف الصحي داخل القرية. وكان المفترض أن يتم الانتهاء من المشروع كاملًا عام 2014. فالقرية تعاني من مشكلة الصرف الصحي، لكن بعد 6 أشهر، جاءت ثورة يناير، وتم إيقاف المشروع بشكل مؤقت.

يضيف حسن: في عام 2014 بدأنا مرة أخرى وكان من المفترض أن يتم الانتهاء من المشروع عام 2018. وقد بعث اليونسكو خبراء لتقييم الحالة، لكني أرى أن بيروقراطية تلك اللجان، ساهمت في تدهور المشروع، لأن حالة المشروع كانت معلومة للجميع. إذ ظلت تلك اللجان لسنة كاملة، تقيم الحالة، في وقت كنا نسابق الزمن لإنقاذ تراث حسن فتحي. بالإضافة إلى أن تلك اللجان تتنافى مع فكر حسن فتحي نفسه، لأنه أراد تنفيذ مشروعه من خلال مشاركة السكان المحليين. وعلى أي حال تدهورت القرية في نهاية الأمر. وقد بدأ العمل متأخرًا، ولم يبدأ بخطة الصرف الصحي التي وضعناها من قبل، وتم تجاهل مشروعنا، بسبب غياب التنسيق.

أمر كارثي!

يذكر مدير مركز حسن فتحي للعمارة والتنمية أن المهندس جمال عامر أبلغه مؤخرا بتواصل التنسيق الحضاري معه مؤخرا لترميم المنزل، لأنه أحد أهم تلامذة حسن فتحي. وقد طلب مني جميع الدراسات حول المنزل، لكن بعد مدة لم يتم التواصل معه، وانتهى الأمر وقد تم اتخاذ القرار مؤخرًا بهدم المنزل وليس ترميمه.

واستطرد: كما أن المنزل تم إسناده بسقالات خلال السنوات الماضية. وقد ساهمت هذه الأمور في تداعي حالته، لأني عندما سجلته عام 2016، كانت حالته جيدة نسبيًا، وكان يمكن ترميمه في ذلك الوقت. لكن بعد ذلك تم سرقة خشب سقف المنزل بفعل فاعل. وتم تدمير المنزل من الداخل، وإغراقه بالمياه. وقد توجهت لمحافظ الأقصر لترميم المنزل، وهنا لجأ مسؤولو التنسيق الحضاري واليونسكو، لوضع سقالات خشب. وهذا كان أمرًا كارثيًا لأن حوائط المنزل كانت “مائلة”. وقد ساهم الأمر في إسقاط جدران المنزل، وقد طالبنا في مرات عديدة تعيين مفتش للمرور على قرية حسن فتحي، وهو لم يتم الاستجابة له.

ينهي فكري حسن حديثه ويقول: كان هناك طرق لتفادي مثل هذه الأمور ولخفض مستوى المياه داخل الموقع أو المبنى نفسه؛ لذلك فما حدث بمثابة كارثة تهدد المشروع بشكل كامل. ويجب تقييم المشروع بشكل كامل من جانب الخبراء والمتخصصين، وتخصيص لجنة محايدة. حتى لا نبني البيت مرة أخرى، ويسقط. كما يجب إعداد فريق كامل معني بصيانة القرية بشكل سنوي.

اقرأ أيضا

تشقق حوائط المسجد وهدم المنزل: من ينقذ قرية حسن فتحي بـ«القرنة»؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر