أحمد خالد توفيق.. ابن الغربية الذي خاطب شباب مصر

“أما أنا فأريد أن يُكتب على قبري جعل الشباب يقرأون”، هكذا اختار أحمد خالد توفيق، جمهوره الشباب من البداية حتى النهاية.

وجه توفيق كتاباته الأدبية للشباب، فهم الفئة التفاعلية التي تقرأ وترسل وتجيب وتتناقش وتغضب وتحلم وتجرب أن تكتب، فلم يرغب أن يتحدث لنفسه، بل أراد أن يخلق حوارا بينه وبينهم.

والعراّب ابن محافظة الغريبة، مسقط رأس العديد من العلماء والأدباء والسياسيين، روائي معروف، وصاحب أشهر سلسلة قصص بوليسية “رجل المستحيل، والدكتورة سميرة موسى، والزعيم مصطفي كامل، والدكتور محمد البرادعي”.

البطولة ليست مقصورة على ذوي العضلات وذوات الفتنة.. الحلم مكفول للجميع

تخرج أحمد خالد توفيق في كلية الطب بجامعة طنطا عام 1985، وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997، والتحق كعضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في طب طنطا.

طنطا هي مكان ولدته وحياته ومماته، هو يكره كثيرًا العيش في القاهرة، كان دائما ما يردد “هربت من النداهة التي لا أطيقها.. أي القاهرة”، فالنسبة له طنطا بكل ما فيها من زحمة تمنحه عيش 90% من حياته، بعكس القاهرة التي تجعل قاطنيها العيش 10% من حياتهم والباقي في الانتقال من مكان إلى آخر.

ذهب الأديب إلى الشباب قبل أن يأتي إليه أحد منهم، فأخذ يحضر جلسات وندوات الشباب يحاورهم ويسمعهم جيدًا، باحثُا عن إجابة لسؤاله “ما الذي ينقص الشباب؟”، كما قال في أحد اللقاءات التليفزيونية.

وأكد أنه واجه نفسه بحقيقة أنه آن الآوان أن يخرج من دائرة الصمت، ويتحدث إلى الشباب دون غيرهم، ليكن هو أول من جعل الشباب تقرأ، والأشهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمي.

قال لي سالم بيه: “أنت تقرأ كثيرا..أنت مجنون!”.. قلت له إن القراءة بالنسبة لي نوع رخيص من المخدرات، لا أفعل بها شيئا سوى الغياب عن الوعي، في الماضي -تصور هذا- كانوا يقرأون من أجل اكتساب الوعي

“تقديم المغامرة بصيغة أديبة”، هكذا قرر الأديب أن تكون كتاباته، فانضم عام 1992 للمؤسسة العربية الحديثة وبدأ بالكتابة في أدب الرعب، والذي اختاره بالتحديد لأنه كان يخاف كثيرًا في طفولته.

كانت الكتابة هي طريقته للتخلص من مخاوفه، ومن هنا اكتشف أن الكتابة عن الرعب هي الوسيلة الأكثر حماية له، ليرى أن أدب الرعب هو عبارة عن دائرة سحرية يحيط بها نفسه، فيخيف بها الناس ويكون من الصعب أخافته هو.

سلسلة الرجل المستحيل كانت الأقرب لمرحلة الطفولة، وأصبحت سلاسل أحمد خالد توفيق الأقرب لمرحلة الشباب، لتبدأ كتاباته بالسلسلة الأولى “ما وراء الطبيعة”، والتي قدم من خلالها شخصية رفعت إسماعيل ذلك الرجل العجوز الذي لا يملك ما يجعله بطلًا سوى عقله ليروي من خلاله ذكرياته عن الأحداث الخارقة للطبيعة التي تعرض له في حياته.

“وراء الطبيعة” كانت غير كافية للأديب أحمد خالد توفيق، لم تستوف ما يحتاجه من جيل الشباب، فقدم بعدها سلسلة مستوحاة من أليس في بلاد العجائب، ومن عالم أدب يوسف إدريس، وهي سلسلة “فانتازيا”.

وبعد أن قدم الأديب السلستين الأولى، اكتشف أن عالم الشباب ينقصه “القصة البوليسية الطبية” وباعتباره طبيب استطاع أن يجسد هذا الجزء ببراعة وإفادة شديدة للشباب من خلال سلسلة “سافاري” وتحكي عن طبيب مصري شعر أن بلاده لا تقدر قيمته فهاجر إلى إفريقيا، وهو السيناريو الحقيقي الذي عاش فيه أكثر من صديق له.

“غريب هو ذلك العالم المتشابك الكامن تحت فروة رأسي.. أبدًا لن أتمكن من فهم ذلك الكائن الذي هو أنا”

أما السلسة الرابعة والتي اشتهرت وسط الشباب هي روايات عالمية للجيب، والذي جاء فيها توثيق للأدب العالمي، ولكن بشكل بسيط من خلال وضع العمل الأدبي في رواية بحجم الجيب بحيث تروق للشباب من سن 17 و18 عامًا، وإذا رغب في الاستزادة كان يضع عنوان الإنترنت للحصول على النص الكامل للرواية.

وكأنه يدخل من كل منفذ وباب للشباب، اخترق أيضًا الكاتب برواياته عالم الإنترنت والشات وعالم التواصل الاجتماعي من خلال سلسلة WWW التي بدأها عام 2006 عن دايموند بوك ودار ليلى للنشر، بطلها فيروس كمبيوتر يحكي عن ذكرياته التي يواجهها يوميًا مع كمبيوتر معين، مرة شاب مراهق وأخرى كمبيوتر عصابات وغيره.

أصبح أحمد خالد توفيق قدوة يحتذي بها الكثير من الشباب الكُتاب، خاصة هؤلاء الذين اتجهوا إلى كتابة روايات الرعب، ليفسر الكاتب اتجاه كتابات الشباب نحوه إلى “أنها مرحلة ضرورية حتى يُكون الشباب مفرداته الشخصية ويتحرر مني يتحرر منى، فلا ينفعنا أن تتحول مصر إلى كتاب رعب، فالرسالة التي دائما أوجهها لهم بأني مش أخر حاجة، وهزعل جدًا لو وقفوا عندي”، تصريحاته في أحد اللقاءات.

“لكي تكون كاتبًا ساخرًا يجب أن تملك القدرة على السخرية من نفسك أولاً.. كل من لا يملكون هذه القدرة سخريتهم سمجة لزجة كريهة”

يشتهر أحمد خالد توفيق كذلك بكتابة مقالات سياسية واجتماعية دورية في العديد من الصحف والمجلات العربية، مثل اليوم الجديد، والتحرير الإخباري، وإضاءات، وبص وطل؛ كما أنه يحب الترجمة ومن أشهر أعماله الرواية العالمية “Fight Club” واتي ترجمها باسم “نادي القتال” عن دار ميريت للنشر، وأعادت دار ليلى نشرها بعدها بعام.

شعبية الأديب طالت السينما وكانت من خلال الشباب أيضًا، فيمكن قياسها عن طريق فيلم مصري إنتاج 2008 فيلم “زي النهاردة”، من تأليف الدكتور عمر سلامة، وهو أحد قراء الدكتور عمر سلامة هو شاب في العشرينات وتربي على أدب الدكتور، والذي يجعل أحد أبطال الفيلم هو رفعت إسماعيل، بطل رواية ما وراء الطبيعة.

في النهاية أنت تتجه إلى النهر المظلم.. النهر الذي عبره كثيرون من قبلك ولم يعودوا.. سوف تعبر إلى الجانب الآخر وسوف ينساك الجميع

شخصية أحمد خالد توفيق غريبة، فكما هو الطبيب الذي يكتب في الرعب هو أيضًا الاجتماعي والمشهور والذي يميل إلى العزلة كثيرًا، فلا يعتمد في كتاباته على أحاديث أو لقاءات أو حوار بينه وبين المحيطين حوله.

بل كان يعتمد على مشاهدة الناس، ليلتقط صورة ونص لكل ما يمر أمامه ويدونها لحظة بلحظة على ورقة وقلم، ثم يعيد كتاباتها داخل ملف على الكمبيوتر ليتم الاستعانة بها في أي وقت لمسة صغيرة قد تتحول إلى قصة كبيرة.

ولكن القصة الكبيرة لا تتم إلى بعد منتصف الليل، فكانت الكتابة بالنسبة له كالأشباح تحتاج إلى سكون وليل، وهو يكتب بعد الساعة 12 ليلًا مع سماع موسيقى من ذاكرة الطفولة.

في كل فتره من فترات حياتي الصعبة كنت أنتظر أن تمر.. أنتظر النور في نهاية النفق ماذا لو عرفت أن هذه حياتي ذاتها ؟، وأن النفق لا نهاية له إلا القبر

توفي أحمد خالد توفيق عن عمر ناهز 55 عاما، إثر أزمة قلبية مفاجئة ألمت به، وشيعت له جنازة مهيبة، بمسقط رأسه ومحل إقامته بمدينة طنطا، بعدما أثرى المكتبة العربية، بكثير من مؤلفات أدب الرعب والخيال العلمي والفانتازيا.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر