«طه حسين»: معركة الخطوة الثانية

في شهر يوليو 1955 شهدت مصر قضية أثارت الرأي العام مدة طويلة، ونالت من هيبة القضاء الشرعي إلى حد كبير. وهي القضية التي عرفت بقضية “الشيخ الفيل والشيخ سيف”وهما قاضيان شرعيان في محكمة الإسكندرية الجزئية. قضية انحراف يمكن أن تحدث في أي وقت وفي أي مجال. ولكنها حدثت من رجلي قضاء وقضاء شرعي والانحراف حيث تلقيا رشوة جنسية. تسببت تلك الفضيحة في هزة عنيفة وأصبح القضاء الشرعي بسبب هذين القاضيين موضع سخرية وتندر. فصدر قرار مجلس الوزراء بقانون إلغاء القضاء الشرعي والمللي في 21 سبتمبر 1955. وصدرت الصحف في اليوم التالي تحمل مانشيتات عريضة تقول: “إلغاء القضاء الشرعي والمللي- القضايا الشرعية والملية تحال على القضاء الوطني- توحيد القضاء في مصر- إلغاء المحاكم الشرعية”، وقد اعتبر توحيد القضاء بمثابة خطوة أولي.

الخطوة الثانية

في 21 أكتوبر 1955، بعد شهر بالضبط من خطوة إلغاء القضاء الشرعي وتوحيد القضاء، كتب طه حسين مقالا بعنوان “الخطوة الثانية”. مطالبا الحكومة بأن تكون خطوتها الثانية هي توحيد التعليم. وقد أثار هذا المقال معركة كبيرة فقد اعتبره بعض الأزهريين دعوة إلى إلغاء التعليم الديني والأزهري. وهو ما لم يقصده طه حسين. حتى أن مجلة الأزهر قد أصدرت عددا خاصة لمواجهة ما كتب طه حسين على افتراض أنه يدعو إلى إلغاء الأزهر والتعليم الديني. وافتراضات كثيرة بنيت على ما لم يقل به الدكتور طه حسين.

مقال الخطوة الثانية
مقال الخطوة الثانية      
طه حسين يبدأ المعركة

بمجرد أن نشر طه حسين المقال  بصحيفة الجمهورية حتى اشتعلت معركة استمرت قرابة الثلاثة أشهر. بدأ طه حسين مقاله قائلا: “كانت خطوة رائعة التي خطتها الحكومة حين قررت توحيد القضاء. فحققت حلما كان يداعب نفوس الناس منذ زمن بعيد. وما دام توحيد القضاء قد أصبح حقا واقعا فلندع الحكومة إلى أن تخطو خطوة ثانية ليست بأقل منها خطرا. وعسى أن تكون أبعد منها أثرا فيما ينبغي للحكومات الرشيدة أن تفكر فيه وتسعى إليه. وهو توحيد الأمة وتقريب ما بين أبنائها من الآماد. لا أقول في حياتهم الاجتماعية والسياسية وحدها. بل في حياتهم العقلية لأن هذه الحياة هي أساس التفكير وهي قوام العمل. وهذه الخطوة الثانية هي توحيد التعليم في طور الصبا والشباب”.

ثم يتابع قائلا: “وأنا أعلم أن هذه الدعوة ستثير سخط فريق من المحافظين وربما أقضت مضاجع أفراد منهم. ولكن المحافظين في كل بلد مستيقظ يعرف نفسه ويهيئ مستقبله ويجاري التطور. مقضي عليهم أن يسخطوا دائما لأنهم يحبون الوقوف والدنيا من حولهم تحب الحركة. وربما أحب فريق منهم الرجوع إلى وراء والدنيا من حولهم تحب المضي إلى أمام. فهم مضطرون إلى هذه الحياة التي لا تعرف رضى ولا اطمئنانا. يؤثرون الكسل والحياة تؤثر النشاط ويحرصون على القديم كله والحياة حريصة على التجديد على أن تستبقى من القديم إلا ما يصلح للبقاء ولا يناقض التطور ولا يؤخره”.

ثم يستمر طه حسين في الحديث عن أحوال المسلمين الأوائل فيقول: “ولم يعرف المسلمون في عصورهم الأولى هذه الحياة التي نعرفها نحن الآن والتي تأخذ الصبي من حياته العاملة لتضطره شطرا طويلا من عمره إلى نشاط خاص لا يشاركه فيه غيره من المواطنين يفرغ فيه منذ صباه الأول لعلوم اللغة والدين. حتى إذا تجاوز الصبا وأضاع زهرة الشباب أصبح رجلا من رجال الدين لا يحسن غير القول في شؤون الدين ولا يستطيع أن يتصرف في غيرها من الشئون.

وكل هذا جديد في الإسلام لم يعرفه المسلمون إلا بعد أن تصرمت قرون من حياتهم وأخذت أمورهم تجمد ثم ثقف ثم يعلوها الصدأ. ولا نعرف عالما من علماء المسلمين في القرون الأولى فرض عليه أن ينقطع للون بعينه من ألوان الدرس حتى ضرب بينه وبين غيره من الناس بحجاب من هذه الحجب الصفاق التي ضربت بين شيوخنا وبين العصر الذي نعيش فيه”.

شباب الأزهر

ثم يختتم طه حسين مقاله: “ولست أدري ما الذي يمنع شبابنا الأزهريين من أن يسلكوا سبيل غيرهم من أترابهم فيتخرجوا في المدارس الابتدائية العامة. أولا وفيما شاء الله من المدارس الثانوية والكليات الجامعية. ثم يتخصصوا بعد ذلك فيما يشاءون أن يتخصصوا فيه من علوم الدين، ولمَ يوجد بين علماء الدين المسيحيين قسيس طبيب وقسيس مهندس ولا يوجد أمثالهم بين رجال الدين المسلمين؟

هذه مشكلة يجب أن تفكر فيها الدولة وأن تواجهها في عزم وتصميم كما واجهت مشكلة القضاء وأن تحلها في عزم وتصميم. أيضا كما حلت مشكلة القضاء وسبيل ذلك واحدة لا ثانية لها وهو أن يوحد التعليم العام وأن يكون التخصص بعد انقضاء الطور الأول من أطوار الشباب”.

الأزهريون يناقشون طه حسين
الأزهريون يناقشون طه حسين
الأزهريون يناقشون طه حسين

لم يتأخر رد الفعل كثيرا. فما أن نشر مقال دكتور طه حسين حتى انهالت عليه المقالات وكان أغلبها استنكارا وبعضها تأييدا. ومن أبرز هؤلاء كان الشيخ عبدالمنعم النمر (1913-1991) – تولى الشيخ النمر وزارة الأوقاف لاحقا في السبعينات-. وقد اتسمت مقالات الشيخ النمر بالحدة والعنف والخروج عن المألوف في مخاطبة طه حسين. مما دعا الدكتور طه حسين أن يذكره بالاسم في معرض رده عليه. متهما إياه بعدم الدقة وكان طه حسين في كثير من ردوده وتعليقاته في هذه المعركة لا يذكر اسم من يتعرض له بالرد. ولكن الشيخ النمر حظي بكثير من اللوم والتقريع من طه حسين.

“ماذا تريد وإلى أين يا دكتور؟” هكذا بدأ الشيخ النمر مقاله الذي نشره بعد أربعة أيام من مقال طه حسين. ويتابع النمر: “لعل أغرب وأعجب ما جاء في مقال الدكتور طه حسين عن الخطوة الثانية أنه وهو يصور الأزهريين بالنقص في معلوماتهم الاجتماعية يظهر وهو أديب كبير ووزير سابق للمعارف بأنه يجهل تماما كيف يسير الأزهر الحديث في برامجه ومواد دراسته. فيسترسل به خياله إلى أن يعود في وصف الأزهري إلى أيامه الخوالي وهو طالب يمد بوزه في الشوال ليأكل من فتات العيش المستقر فيه من قديم. ذاك زمان انقضى بأساليب حياته وأساليب دراسته وراء وقت آخر بأساليب جديدة كنا نحب للدكتور العلامة أن يعرفها حتى لا يظهر بأنه تنقصه هذه المعلومات فيقول أن الأزهري لا يتعلم كما يتعلم الناس، شيء غريب!”.

يقول الشيخ النمر في رده أنه درس الهندسة والجبر والحساب والكيمياء والطبيعة كما كانت تدرسها المدارس الثانوية تماما. وكذلك درس الجغرافيا بكل أقسامها وكذلك درس علم النفس بفروعه المتعددة. حتى النشاط الرياضي والاجتماعي قد بلغ درجة محمودة في الأزهر. فما الذي يدعو الدكتور طه وأمثاله إلى أن يحملوا على هذا النوع من التعليم ويطالبوا بإلغائه وإدماجه في مدارس وزارة المعارف؟ ماذا في نفوسهم وماذا يريدون؟

الخطوة الثانية.. نعم أم لا

وتتوالى ردود الفعل حول ما أثاره الدكتور طه. فينشر الشيخ محمد عرفه مقالا بعنوان: “لا كانت الخطوة الثانية” في 29 أكتوبر يهاجم في المقال آراء طه حسين بعنف. ويرى الشيخ عرفة أن طه حسين يريد أن يقضي في أخطر أمر وهو إلغاء التعليم الديني وإلغاء تلك الجامعة الإسلامية التي يعتز بها المسلمون في أقطار الأرض.

ويقول: “إن الأزهر ليس من الهوان بحيث يقضي فيه برأي خطير بجرة قلم كما يظن الدكتور”. ويصل الشيخ عرفة إلى وصف الأزهر بأنه ثالث المسجدين قاصدا بذلك أنه يأتي بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.

ثم تنشر صحيفة الجمهورية أربع رسائل تعقيبا على طه حسين. كانت أولها من شاب من شباب الأزهر يقول فيها: “نحن معك يا طه حسين” وكذلك رسالة من الدكتور عبدالحفيظ عبد ربه، أستاذ التفسير والحديث يؤيد فيها أيضا طه حسين ويقول إن الرأي العام يترقب الخطوة الثانية التي دعا إليها العالم الجليل طه حسين حول توحيد التعليم. بل يتقدم بعدة مقترحات لتنفيذ تلك الخطوة.

ويرسل الشيخ عبدالحميد بخيت برسالة يؤيد فيها الدكتور طه حسين ويقول: “إذا كان توحيد الأمة واجبا مفروضا على كل مسلم ومسلمة فأنه لا سبيل إلى هذا التوحيد إلا أن تتوحد مراحل التعليم”.

محاكمة تأديبية

وكان للشيخ بخيت قصة مع طه حسين قبل تلك المعركة بأشهر معدودات وتحديدا في يونيو 1955 وقف فيها الدكتور طه حسين إلى جانبه حين أدلى برأي في بعض أحكام الصوم. وتسبب هذا الرأي في تقديم الشيخ بخيت إلى المحاكمة التأديبية ولكن طه حسين ظل يدافع عن حرية الرأي وحق الخطأ إلى النهاية-.

ويكتب الدكتور حامد الزفري: “إن كان الدكتور يريد إقالة الأزهر من عثرات أساتذته وحواشي كتبه البعيدة عن ذهن القرن العشرين. فلنضم أصواتنا معه جميعا، إن كان ذلك هو المقصود”.

ويعود الشيخ النمر ليكتب مرة أخرى معارضا دكتور طه حسين ويكتب: “لمصلحة من؟”. ويبدأ مقاله مخاطبا طه حسين: “أحس الجميع وأنت تدعو الحكومة إلى اتخاذ الخطوة الثانية أنك تدعو إلى القضاء على الأزهر وعلى أمجاد مصر والعالم الإسلامي”. ويختتم مقاله: “لمصلحة من إذن يحمل الدكتور طه هذا المعول الهدام؟”.

فتحي غانم يكتب: رثاء مؤجل للأزهر

ويبدو أن فتحي غانم تذكر معركته القديمة مع الدكتور طه حسين. فأمسك بقلمه وكتب مقالا بعنوان: “رثاء مؤجل للأزهر” في نافذته “أدب وقلة أدب” بمجلة آخر ساعة.

كتب غانم: “أمسكت بالقلم لأكتب كلمة رثاء للأزهر الشريف. كانت جميع الظواهر تدل على أن الأزهر قد قضى نحبه أو كاد. فقد نشر طه حسين في الأسبوع الماضي كلاما خطيرا يقول فيه إن إلغاء القضاء الشرعي خطوة أولى. تتلوها خطوة ثانية هي إلغاء التعليم الأزهري. ويشعر من قرأ المقال أن طه حسين هذا الأديب الأزهري النشأة. يكاد يطالب بتحويل الأزهر أقدم جامعة في العالم إلى متحف. وأعلن طه حسين في ثقة أن الشباب من علماء الأزهر وطلابه مقتنعون برأيه ممتنون له داعون إليه”.

ثم يتابع فتحي غانم مستشهدا بمقال لمحمد حسنين هيكل قائلا: “لقد قرأنا لرئيس تحرير آخر ساعة عقب عودته من باندونج. يقول: وددت لو أن الشيخ عبدالرحمن تاج الدين، شيخ الأزهر كان معنا في رحلة الشرق الأقصى. إذن لسمع بأذنيه ومن غير حاجة إلى وسيط ينقل إليه أسم الأزهر على كل لسان. في باكستان والهند وبورما”.

ويتابع فتحي غانم حديثه: “والآن يطالب طه حسين بإلغاء التعليم الديني وعلى الشباب أن يذهبوا إلى مراحل التعليم العام حتى الجامعة. حيث يتخصصون في الدراسات الدينية إذا أرادوا”. ويتساءل فتحي غانم في نهاية مقاله: “ما هو موقفنا من الطلبة الإندونيسيين والهنود والباكستانيين وغيرهم ممن يريدون الالتحاق بالأزهر؟ هل نستطيع أن نقول لهم عودوا إلى بلادكم فقد ألغينا الأزهر؟ هل تدوي في الشرق صرخة.. أن الأزهر قد مات! وما هو تأثيرها النفسي في شعوب المسلمين في تلك البلاد؟”.

طه حسين يعود للكتابة عن الخطوة الثانية

وفي السادس من نوفمبر تظهر صحيفة الجمهورية والمانشيت الرئيسي بها يقول: “قضية الشيخ الفيل أمام المحكمة العسكرية”. وفي نفس العدد يعاود طه حسين الحديث من جديد عن رأيه فيما أسماه بالخطوة الثانية. والذي رأى في كل ما جرى دليلا على صدق ما ذهب إليه. فيكتب مقالا بعنوان: “بل يجب أن تكون الخطوة الثانية”.

ويقول: “ليس أدل على حاجة الأزهر إلى الإصلاح وإلى الإصلاح بتوحيد التعليم. خاصة من هذه الخصومة المضحكة المحزنة بين الشيوخ وبيني حول هذا الموضوع”. ويكتب: “فلو قد تعلم الشيوخ كما يتعلم الناس لما كتب كتابهم هذه الأحاديث. ولما فهموا أن المطالبة بإصلاح الأزهر دعوة آثمة إلى إلغاء التعليم الديني”.

ويضيف: “ليصدقني الشيوخ ولتصدقني الحكومة قبل الشيوخ أن توحيد التعليم الابتدائي والثانوي واجب وطني لا ينبغي التقصير فيه ولا التأخير في أدائه”. ويكتب: “إن الأمر لا يخرج عن إحدى اثنتين. إما أن السادة الأزهريون قد فهموا مني حق الفهم. حين طلبت من الحكومة أن تخطو الخطوة الثانية وتوحد التعليم الابتدائي كما وحدت القضاء. وإذن فهم يقولون غير الحق حين يزعمون أني طالبت بإلغاء التعليم الديني. لأني لم أطالب ذلك ولم أفكر فيه. أما الأمر الثاني ألا يكون هؤلاء السادة من الشيوخ قد قرؤوا فلم يستوعبوا ما قرءوه ولم يفهموه حق فهمه. فخاصموا في إلغاء التعليم الديني من لم يخاصمهم فيه وأقاموا الدنيا وأقعدوها لما هم توهموه وأشياء اخترعوها من عند أنفسهم. وإذن فهم في حاجة إلى أن يقوم تعليمهم بحيث يقرؤون فيستوعبون القراءة ويفهمون فيحسنون الفهم”.

شباب الأزهر يؤيدون الخطوة التالية… أما الشيوخ!!

وتتابع جريدة الجمهورية تخصيص صفحة لتنشر جانبا مما يصلها يوميا من تعليقات على الخطوة الثانية التي يطالب بها طه حسين. ويبدو أن الجريدة أدركت عنف التناول عند بعض من كتبوا إليها ورأت أن تنبه إلى أن هذا لا يليق. فكتبت: “إن هذه المجادلات يجب أن تخلو من اللفظ العنيف أو الاتهام الجائر أو المهاترة”. وبدأت الجريدة في نشر رسائل المؤيدين ومنهم السيد عبدالحافظ عبد ربه، أستاذ التفسير والحديث في الأزهر ينتقد المناهج الأزهرية. ويرى أن الخريج بعد 25 سنة في الأزهر يخرج وفي يده ورقة كعملة أهل الكهف.

عاد الشيخ عبدالحميد بخيت يكتب مجددا داعما للدكتور طه حسين. وينفي عنه تهمة التفكير في القضاء على الشريعة واللغة عبدالفتاح أبوالنصر”أزهري”. يقول: “إنه سبق أن طالب بضم التعليم الأزهري للتعليم ويؤيد طه حسين بكل قوة. السيد ع.أ.م أزهري يقول: “هؤلاء الذين دعوا إلى توحيد التعليم لإصلاح الأزهر لم يرتكبوا أمرا إدّا. فهذه الدعوة ليست وليدة الهوى ولا نتاج الغرض.

ثم تقدم الجريدة عدد من رسائل المعارضين من ضمنها رسالة للأستاذ صادق عرجون، شيخ معهد الإسكندرية. والذي يقول: “الأزهر فكرة في ضمير الإسلام فهو حي لن يموت مادام الإسلام حيا خالدا”. ويدعو إلى استفتاء شعبي لتقرير مصير الأزهر. ويشير بما يحتاج من إصلاح أو يقرر مصيره إلى الفناء. ورسالة من السيد صالح أحمد صالح، المدرس بمعهد الزقازيق. يقول فيها: إن طه حسين وحده هو الذي يحقد على الأزهر ويتمنى زواله.

أما الدكتور كامل محمد حسن، وكيل كلية اللغة العربية. فقد كتب مقالا بعنوان: “الخطوة الثانية من الخطأ أن تكون”. يجنح فيه إلى اتهام طه حسين بأنه ينفذ سياسة قديمة استعمارية للقضاء على الأزهر. بل ويمضي باتهام طه حسين أنه يريد بما يكتب أن يكسب أصحاب الأقلام القوية لتقوم بالدعاية إلى ما يحقق من أهداف”.

الشيخ النمر يكتب: الدكتور طه يرد على الدكتور طه

ويعود الشيخ عبدالمنعم النمر إلى المعركة مرة أخرى بمقال بعنوان: “الدكتور طه يرد على الدكتور طه”. وفي هذا المقال يلوي الشيخ النمر فقرات استشهد بها من كتاب “مستقبل الثقافة في مصر”. محاولا تطويعها ليصل إلى النتيجة التي يريد إثباتها. فالشيخ النمر يصر على أن طه حسين يريد إلغاء معاهد الأزهر برغم نفي طه حسين المتكرر لذلك. ويقارن بين ما يقول بدعوة الدكتور طه إلى إلغاء الأزهر. وحرصه في كتاب مستقبل الثقافة في مصر على ضرورة الإبقاء على المدارس الأجنبية. وكـأنما أمسك بطه حسين متلبسا يحاول أن يقارن بين الدعوتين. ويتهم طه حسين بأنه يرى أن الحاجة الوطنية عند الدكتور تدعو إلى إلغاء الأزهر كنوع من الولاء للغرب.

افتتاحية الأزهر
افتتاحية الأزهر
مجلة الأزهر تصدر عددا خاصا للهجوم على طه حسين

بالتزامن مع المقال الأخير للشيخ النمر أصدرت مجلة الأزهر عددا خصصته بالكامل للهجوم على طه حسين. وجاء في الإعلان عن العدد عناوين ساخرة من فكر طه حسين فجاء الإعلان كالتالي:

اقرأ في افتتاحيته

لماذا لا يدرس الأزهر كتاب في الشعر الجاهلي بدل من كتاب الله

وسيرة جان جاك روسو بدل من السيرة النبوية

والتشريع الروماني بدل الفقه الإسلامي

وحديث الأربعاء بدل الحديث المحمدي

وهل يرى صاحب الخطوة الثانية أن تشمل خطوته معاهد العلم لغير المسلمين.

وبذلك يتضح أن المجلة حشدت الأقلام لمواجه الخطوة الثانية وصاحبها. وأفردت من العناوين ما يشد القار إليها وما يستفز طه حسين. وبالفعل كتب طه حسين مقالا للرد على مجلة الأزهر والشيخ النمر معا.

وكان عنوان المقال: “الخطوة الثانية وإن غضب الغاضبون”. كتب فيها: “والشيوخ ينذرونني اليوم بإعلان عن مجلة الأزهر وما سيظهر فيها من أحاديث يظنون أنها تخيف وتقلق. فأحب لهم أولا أن يعرفوا أنهم لا يخيفون ولا يقلقون. وأن لنا جوابا على كل سؤال وحديثا نرد به على كل حديث”.

وردا على استشهاد الشيخ النمر بكتاب مستقبل الثقافة في مصر. كتب طه حسين: “فأما أن يكون قد قرأ هذا الكتاب قراءة مستوعب له مستقص لما فيه. وإذن فقد تعمد إهمال ما فيه من خير صريح لا لبس فيه. وأما أن يكون قد ألقى على هذا الكتاب نظرة  خاطفة ومد إليه يدا مختلسة تلتمس ما يثلبه بعد التحريف والاختزال. وتترك عن عمد ما يلزمه الحجة ويقيم عليه البرهان ويضطره إلى الصمت”.

نهاية المعركة

وتوالت المقالات ما بين مهاجم ومؤيد للخطوة الثانية حتى شهر ديسمبر 1955 ليكتب طه حسين آخر مقال له في هذه المعركة. وبعدها صمتت كل الأصوات التي خرجت تطارد العميد وتدعى عليه ما لم يقله. وكان آخر مقال بعنوان: “تعبئة ضد الخطوة الثانية” كان يقول إن هذه التعبئة التي وجهت إليه. لم تقطع لسانه ولم تخفض صوته ولم تمنعه من الإملاء ولم تصده عن المطالبة بالخطوة الثانية. لأن فيها إصلاحا للأزهر ورفعا لمكانة شيوخه. وتمكينا لهم من أن يحسنوا النهوض بخدمة الإسلام والذود عنه ونشره في أقطار الشرق والغرب جميعا.

وينهي المعركة بعتاب للمشايخ قائلا: “ألا يرى الشيوخ أنهم كانوا في حاجة إلى شيء من التأني والتريث وإلى شيء. كذلك من البحث الهادئ والمناقشة المطمئنة ليصلوا. ونصل معهم إلى الحق الذي ينبغي أن نسعى إليه جميعا؟ حقا ما ضرهم لو فعلوا؟ ولكن.. وصدق الله العظيم: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء”.

اقرأ أيضا:

ملف| طه حسين عميد الأدب العربي.. البصير الذي جاء ليقود خطانا إلى النور

«من رسائل العميد» إلى توفيق الحكيم: من أين يستمد الأدب المصري الحياة؟

رسالة إلى العميد في ذكراه

«من رسائل العميد» إلى‭ ‬هيكل باشا: في نقد «ثورة الأدب»

محمد حسنين هيكل في زيارة إلى العميد: صومعة عقل

طه حسين والجامعة.. ذكرى قيمة العميد

آمنة ومبروكة: بين ثورتين

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر