خبراء عن «تبليط الهرم»: البحث عن مراكب الشمس سر الحفائر الخفية حول الهرم

«أوقفوا العبث بآثار مصر» بهذا المطلب بدأ بيان مجلس الاتحاد العام للآثاريين العرب برئاسة د.محمد الكحلاوى، مناشدا بوقف مشروع «تبليط الهرم» إذ وصفه بأنه لا جدوى منه إلا إحراج مصر دوليًا. وكانت وزارة الآثار برئاسة د.أحمد عيسى قد أعلنت عن تشكيل لجنة علمية عليا، برئاسة وزير الآثار الأسبق د.زاهي حواس، وعضوية عدد من كبار العلماء المتخصصين في الآثار من المصريين والأجانب من الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية التشيك ودولة ألمانيا، لمراجعة المشروع المشترك بين المجلس الأعلى للآثار وبعثة جامعة واسيدا اليابانية.

وكان قد أعلن د. مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى الآثار، قبل أيام عن تشكيل اللجنة، قبل إعلان تشكيلها رسميا في حوار مع جريدة “الدستور” وأوضح أنها تضم: “د.زاهي حواس، عالم المصريات، ود.هاني هلال، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، والدكتور ميروسلاف بارتا، رئيس البعثة الأثرية التشيكية العاملة في مصر، والأمريكي مارك لينر، عالم الآثار المصرية”.

البحث عن مراكب الشمس

سألنا د. محمد عبدالمقصود، عالم الآثار وأمين عام مجلس الآثار الأسبق عن رأيه في تصريحات وزيري عن تكسية الهرم. فأجاب: “أرى أن الهدف الأساسي وراء مشروع تكسية هرم منكاورع بالجرانيت هو البحث عن مراكب الشمس وهذا هو سبب اهتمام البعثة اليابانية به للتواجد بالمنطقة. لأن اليابان ليس لها تجربة سابقة في ترميم الأهرامات، على عكس تجربتها السابقة في دراسة مراكب الشمس”.

وعن مراحل الإعلان عن المشروع دون إبداء أسبابه أو الهدف منه أو الجدوى، قال: “ما يؤكد رأيي في بحثهم عن مراكب الشمس هو الإعلان عن المشروع. بينما يظهر د. مصطفى وزيري وخلفه عمال يحفرون مما يعني أن المشروع بدأ بالحفر. وإذا كان لتكسية الهرم كان من الأولى أن يبدأ بتصويب الحجارة ورسمها وترقيمها”.

البحث عن مراكب الشمس لهرم منكاورع أمر حير العلماء لفترة طويلة خاصة في ظل اكتشافها لهرمي خوفو وخفرع. وعلى حد وصف د. محمد عبدالمقصود، يتطلب العثور على مراكب الشمس لهرم منكاورع، الحفر حتى تظهر أرضية الهرم الأصلية التي من المحتمل أن يوجد بها الأماكن الخمسة للمراكب. ويستكمل: “وهذا ما شاهدناه عند الإعلان عن المشروع بينما يتم تنفيذ الحفر وتحريك الحجارة التي تمثل عائق لعدم اكتشاف مراكب الشمس حتى الآن”.

ويضيف: “إذن نستنتج من تحريك الحجارة البحث عنها وليس ترميم الهرم أو توثيق الحجارة. ومن الممكن الاستعاضة عن تحريك الحجارة عبر استخدام الأجهزة الحديثة مثل السونار أو الرادار أو التقنيات الحديثة التي برعت فيها اليابان. لدراسة سطح الأرض ومعرفة مكان الفراغات”.

مركب الشمس للملك خوفو
مركب الشمس للملك خوفو
اليابانيون ومشروع الهرم

سبب آخر يؤكد نظرية د. عبدالمقصود، وهو أن الخبرة اليابانية تتمثل في “مراكب الشمس” وليس ترميم الأهرامات، نظرا لأن اليابانيين هم المسؤولين عن مراكب الشمس بالمتحف المصري الكبير.

ويتابع: “لهذا تواجد اليابانيون من جديد، ويتوجب عدم ترك مصير الهرم في أيديهم لمجرد التمويل. بل بعد الإعلان والكشف عن حقيقة المشروع، ونعلم – جايين ليه وهيمولوا إيه عشان إيه – وإذا تطلب الهرم ترميم أو تكسية بالفعل يتم ذلك من خلال ضوابط ولجان وخبراء”.

شبّه د. عبدالمقصود إجراء الحفائر قبل إعلان اللجنة الدائمة للآثار بطبيب يجري جراحة لمريض بدون خضوعه للأشعة والتحاليل الطبية اللازمة أولا قبل فتح جسده. وهذا ما يحدث مع الآثار عبر الدراسات والمسح الأرضي قبل الحفر، لكن د. وزيري بدأ بالحفر أسفل الهرم دون وجود دراسة. ويضيف: “نحن بحاجة إلى أوراق رسمية للجنة الدائمة للآثار لنعلم منها هل الهدف هو ترميم الهرم أم البحث والحفائر بجانب الهرم!”.

أعمال الحفر أثناء إعلان د. مصطفى وزيري عن المشروع وصورة حديثة بعد ردم الحفرة
أعمال الحفر أثناء إعلان د. مصطفى وزيري عن المشروع وصورة حديثة بعد ردم الحفرة
تضارب المعلومات

وأكد عبدالمقصود أن تضارب المعلومات يدلل على وجود خلل. نافيا حقيقة تصريحات د. زاهي حواس عن تشكيل لجنة علمية منذ اليوم الأول للإعلان عن المشروع. وقارن بين الجدل في المشروع الحالي، ومشروع د. هاني هلال العلمي لدراسة فراغات الهرم. وأضاف أن فكرة تكسية الهرم ليست مُستجدة، بل هي موجودة بالفعل لتغطية الوجه الخارجي للهرم. ومن الممكن أن تكون باستخدام حجر جيري أو جرانيتي.

وأشار إلى أن د. مصطفى وزيري تسرع في الإعلان عن المشروع، وإطلاق اسم “مشروع القرن” على فكرة عادية عند الهرم. ويوضح: “بماذا نسمي العاصمة الإدارية إذا وعملية نقل معبد أبوسمبل، وهذا الوصف لا يتوجب لأي شخص إطلاقه خاصة إذا كان موظف في مشروع عادي”.

هدف خفي غير مُعلن

من جانبه تحدث د. محمد حمزة الحداد، أستاذ الفن الإسلامي والآثار الإسلامية – عميد كلية الآثار ومساعد رئيس جامعة القاهرة السابق عن مشروع “تبليط الهرم”. وقال إن تسميته مشروع القرن مرفوض شكلا ومضمونا.

ويقول لـ «باب مصر»: “شهدت مصر تطويرًا كبيرًا في البنية التحتية والمشاريع الضخمة الأخرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة. ومشاريع المتاحف الأربعة الرئيسية التي تم إنشاؤها في عهد الخديوي عباس حلمي كانت تعتبر مشروع القرن في ذلك الوقت. نظرًا لأنها كانت أول متاحف في مصر وإفريقيا والشرق الأوسط”.

وطرح العديد من التساؤلات أهمها: “هل شهد المشروع دراسات لمعرفة إذا كانت الكتل الجرانيتي تابعة للهرم، وتكفي أم لا. وما الهدف من وضعها حاليا وتغير المنظر الثقافي والتراثي والأثري للهرم الذي تم تسجيله في جميع أنحاء العالم كل الكتب والدراسات بوضعه الحالي بوجود 7 مداميك فقط من الجرانيت”.

حفائر سرية

وأكد حمزة على أن الهدف من المشروع هو البحث عن “مراكب الشمس” لهرم منكاورع، ويستكمل: “الدكتور أحمد فخري، نشر كتابًا بعنوان “الأهرامات المصرية” في العام 1961، وأشار إلى وجود حفر بجوار الهرم لم يتم كشفها بعد ولا يعرف محتواها. وقد رجح في ذلك الوقت أنها قد تحتوي على مراكب الشمس. مثل تلك التي تم اكتشافها بالقرب من هرم خوفو وهرم خفرع”.

بخصوص الهدف المخفي غير المعلن. تم تبني تصريحات الأمين العام والياباني حول اكتشاف مراكب الشمس الجديدة وإضافتها إلى المجموعة القائمة من مراكب الشمس القديمة. ويقول: “إذا تم العثور على مراكب الشمس الجديدة، فإنه سيكون اكتشافًا مهمًا ومثيرًا للإعجاب. ومن الواضح أن اليابانيين هم المسؤولون عن مراكب الشمس في المتحف الكبير. وربما يكونوا يسعون لإضفاء المجد على أنفسهم وعلى البعثة اليابانية”.

ويضيف: “بالنسبة للحفائر السرية، تم وضعها في سياق إعادة تكسية الهرم كإجراء احترازي لعدم التأكد من وجود مراكب الشمس. وعندما يتم تنفيذ الحفائر، سيكون لديهم مبرر للبدء في الحفر. وربما إذا تم اكتشاف المراكب، سيتم الإعلان عن ذلك، وإذا لم يتم العثور عليها، فلن يتم الإعلان”.

وأشار د.محمد إلى أن هذه الطريقة غير صحيحة، مطالبا بضرورة إنشاء هيئة رقابة أثرية لضمان حماية آثار مصر. ويقول لـ«باب مصر»: “آثار مصر ليست ملكًا لفرد أو جهة واحدة. بل هي ملك للشعب المصري والأجيال القادمة. ويجب أن تكون هناك هيئة رقابة أثرية لمراقبة أي مشروع قبله وأثناءه وبعد الانتهاء منه”.

أعمال حفر بجوار هرم منكاورع
أعمال حفر بجوار هرم منكاورع
مواثيق دولية

ويضيف: “نحن مهتمون بالحفاظ على الآثار المصرية القديمة بسبب تاريخها الذي يمتد لآلاف السنين. ووفقًا للاتفاقيات، يتم الحفاظ على المعالم القديمة وعدم التدخل فيها إلا في حالات الضرورة القصوى أو عند وجود خطر يهدد سلامتها. والمشروع الحالي لا يتعلق بوصولها إلى مرحلة الخطورة، بل هو مجرد -شو إعلامي”.

وعن مطالبه يقول لـ«باب مصر»: “نحن بحاجة إلى لجنة خبراء مصريين وأجانب غير متعاونين مع وزارة الآثار ولا تتضمن د. زاهي حواس. لقد سئمنا من تكرار نفس الأسماء نحن نتعامل مع تاريخ وهوية ووعي بلدنا”. ويردف: “نحن نركز على العلم وليس لدينا أي جانب سياسي. لذا لا يوجد حديث عن الآثار أو مشاريع الآثار بدون أسس علمية ومنطقية، لأنها تعتبر أمانة. وتغيير شكل المعلم الأثري، خاصة إذا كان من بين عجائب الدنيا، سيفقده قيمته الأثرية”.

وفي حالة الأهرامات “خوفو وخفرع ومنكاورع” المُسجلة على قائمة التراث العالمي باليونسكو. وتأتي على رأسها هضبة الجيزة بأهراماتها الثلاثة. والتي تتسم بالأصالة والعراقة والقدم والتميز والتفرد والمكانة. ومن ثم لا يجوز إطلاق أي مشروع عن أي منها إلا بعد دراسات متأنية دقيقة وعميقة في ضوء القوانين والمواثيق والمؤتمرات والتوصيات الدولية. ومنها ميثاق البندقية (فينيسيا) 1964م و مؤتمر نيروبي 1976م. وميثاق لاهور 1980م وميثاق بورا 1981م وميثاق واشنطن 1987م وميثاق لوزان 1990م ووثيقة نارا للأصالة 1994م.

دراسات هامة لهرم وآثار منكاورع

سرد د. محمد حمزة عدد من الدراسات المعروفة والمهمة لهرم منكاورع ومجموعته الأثرية بذات المنطقة لكل من برتون وبرنج وفيز وريزنر وبورخارت وإدواردز وأحمد فخري وغيرهم. ويقول: “نجد أن هناك نوعين من كتل الجرانيت الأول مهذب ومصقول والآخر غير مهذب وغير مصقول. وهو الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الكتل كانت تأتي من المحاجر وتوضع في هذا المكان كما هي غير مصقولة. ثم يتم صقلها وتسويتها وتهذيبها بعد أن توضع في موضعها من البناء كل في المدماك الخاص بها”.

وتابع: بالتالي فإن كسوة هذا الهرم لم تتم في حياة منكاورع نفسه ولا حتى في عهد ابنه وخليفته شبسسس كاف الذي أكمل ما لم يتم في عهد والده. والدليل على ذلك هو تناثر الكتل والحجارة في محيط الهرم على نفس حالتها التي جئ بها من المحجر. أي دون تسوية وتهذيب وصقل لأنها لم توضع أصلا في البناء ليتم لها ذلك كمثيلاتها التي لا تزال باقية في المداميك الستة”.

معايير اليونسكو

فيما تطرق د.عبدالرحيم ريحان، خبير الآثار ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إلى الحديث والإعلان عن المشروع في ظل غياب وزير السياحة والآثار أحمد عيسى وكان في مهمة خارج الوطن.

وأشار خلال حديثه لـ«باب مصر» إلى أن الإعلان عن المشروع قبل أن تتم الدراسات العلمية الكافية لتحديد ملامحه هو “شو إعلامي”. كان له تأثيرًا سلبيًا على المستوى المحلى والإقليمي والدولي قوبل بعاصفة من النقد الشديد والسخرية للخوف على أعظم آثار العالم. ومثّل صدمة كبرى للجميع.

ويضيف الدكتور ريحان أن الإعلان عن مشروع القرن في غياب الوزير. تم أيضًا دون مراعاة لمعايير اليونسكو باعتبار ممفيس ومقبرتها، منطقة الأهرامات من الجيزة إلى دهشور سجلت تراث عالمي باليونسكو عام .1979 بناءً على معايير معينة يجب أن تلتزم بها مصر ممثلة في وزارة السياحة والآثار ومنها أن بناء الأهرامات إبداع بشري مميز لحضارة المصريين القدماء.

مطالب للحفاظ على الآثار

ونوه د.ريحان بأن أحد المرشدين السياحيين أعلن عن محاضرة أمام الهرم للدكتور مصطفى وزيري، أمين عام المجلس الأعلى للآثار – 10 فبراير- لشرح مشروع القرن. يجب أن يتم منعها فورًا. فما زال هناك العديد من الأسئلة والمخاوف التي تحتاج إلى إجابات وتوضيحات أكثر قبل أن يتم مناقشة المشروع.

ودعا إلى إلغاء المشروع بشكل كامل وعدم تنفيذ أي أعمال فيه. وإذا كان هناك خطة لإجراء حفريات لاكتشاف مراكب شمس جديدة. فيجب أن تستند هذه الخطة إلى دراسة علمية دقيقة وتعرض للجنة الدائمة للآثار لاتخاذ قرار بشأنها.

ويوضح: “يجب أن تتحمل هذه اللجنة المسؤولية الكاملة أمام التاريخ فيما يتعلق بتلك القرارات. بعد ذلك، يتم عرض الخطة على الشعب المصري الذي يمتلك هذه الآثار”. وركز على أهمية ترميم الآثار الإسلامية، حتى ولو كانت هناك جهات أجنبية تتحمل التكاليف. فهناك آثار تعاني من التهديد بالسقوط والاندثار، وهناك آثار تضررت من زلزال عام 1992 وتقع داخل القاهرة التاريخية. مما يهدد بإدراجها في قائمة الآثار المهددة بالخطر.

واقترح د.ريحان فصل وزارة السياحة عن الآثار وضمها للطيران. وعودة الآثار كوزارة مستقلة أو تحت إشراف هيئة تابعة لرئيس مجلس الوزراء، تشبه هيئة قناة السويس، وذلك لضمان تنظيم وإدارة فعالة للتراث الثقافي المصري.

اقرأ أيضا:

«تبليط الهرم»: محاولات يابانية فاشلة منذ السبعينيات

خبراء عن «تبليط الهرم»: ضياع الأصالة والتاريخ

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر