تامر زكي في أيام التراث السكندري: لا يوجد «اليوم» طراز معماري مميز لعمارة الإسكندرية

كتب: أحمد جلال

تحت عنوان «تراث العمارة الإسلامية الباقية بمدينة الإسكندرية بين الهوية والاستدامة» تحدث الدكتور تامر محمد زكي، مفتش آثار بوزارة السياحة، حول روائع العمارة والتعريف بها وإعادة توظيفها حضاريا، في محاضرة ضمن فعاليات أيام التراث السكندري، بقاعة الأوديتوريوم بمكتبة الإسكندرية..

فنون العمارة

في البداية تحدث د.تامر عن التراث المعماري للإسكندرية وقال: “تأسست مدينة الإسكندرية في أخريات القرن الثالث قبل الميلاد على يد الإسكندر المقدوني كما هو معروف. وكان لها شأن عظيم في ذلك الزمن القديم في كل فنون المعرفة بما فيها العمارة. وظلت المدينة في حفاظ على قيمتها الثقافية والعسكرية للولاة الرومان حتى دخلها عمرو بن العاص في القرن السابع الميلادي. لتمر بعد ذلك بفترة طويلة من الانحسار والتراجع وهو ما يُعد أمرا طبيعيا بسبب تأسيس العاصمة الإسلامية الجديدة في الفسطاط. لكن المدينة التي قد تنحسر لا تموت، ويمكنها أن تقوم مجددا، وهو ما يشهد به التاريخ الإسلامي في فترات مختلفة”.

وتابع: كلمة “تراث” أعم وأشمل من كلمة آثار، ويمكننا تعريف التراث بأنه كل ما هو متروك من الأجيال السابقة. لكن ما يُسجل منه باسم “أثر” فإنه يدخل تحت حماية وزارة الآثار ويخضع لقوانينها في التعامل معه سواء بالترميم أو التوظيف الاقتصادي أو أي تعامل آخر. أما التراث فيخضع للجنة الحفاظ على التراث التابعة للمحافظة. وهناك 1135 مبنى في مدينة الإسكندرية تم تسجيلهم ضمن التراث، وتتولى اللجنة مسؤولية التعامل معهم بكل أنواعه.

يضيف زكي، هناك علاقة وطيدة بين العمارة والهوية والاستدامة. وسنكتشف أن الاستدامة كانت موجودة ومعمول بها خلال عصور التاريخ السابقة، رغم أن المصطلح نفسه يبدو حديث النشأة.

تعريف الاستدامة: هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة. وقد أعطى قبول هذا المصطلح من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية سياسية للاستدامة إلى حد ما. ورغم توسع الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية في استخدام التنمية المستدامة لتحقيق الأهداف المنشودة. إلا أن التنمية المستدامة لازالت تعاني من معوقات كثيرة. ولقد تبنت مصر خطة التنمية المستدامة 2030 في مختلف المجالات.

كيف يمكن تحقيق التنمية المستدامة في مجال التراث والعمارة؟

ويشير زكي إلى أن العمارة الإسلامية في الإسكندرية تتنوع تنوعا شديدا، بين العمارة الدينية والعمارة المدنية والعمارة الصناعية. تبرز نماذج العمارة الدينية في مجموعة من المساجد التي تنتمي لفترات مختلفة. وتعد طاحونة المندرة مثلا من الآثار الصناعية. ويمكننا تحقيق مبادئ الاستدامة في التعامل مع التراث المعماري الإسلامي بالإسكندرية عبر عدة طرق، أهمها ما يلي:

  • البحث العلمي والنشر العلمي، لما يشكله من أهمية في التعريف بالأثر وبأهميته الأثر وتوثيقه في الذاكرة. كما يفتح الباب للمزيد من الكشوف الحفرية التي قد تظهر للوجود كنوزا لا تزال مطمورة حتى الآن.
  • التوثيق الفوتوغرافي في الأعمال السينمائية والدرامية والوثائقية.
  • التوثيق الرقمي، الذي يقوم بحفظ الوثائق بشكل غير مباشر نظرا لأن استعمال الوثيقة مرات متعددة قد يعرضها للتلف. لذلك فالاحتفاظ بنسخة رقمية يحفظها ويتيحها أيضا لعدد أكبر من المستخدمين.

لكن هناك مجموعة من المعوقات التي تقف حائلا بيننا وبين تحقيق الاستدامة، أهمها أن الإشراف على المباني التراثية يتوزع بين عدد من الجهات. تعمل كل واحدة منها بمعزل عن الأخرى، ما يخلق في النهاية أزمة في إدارة العمارة التراثية بشكل عام.

واستطرد حديثه: المباني المسجلة كآثار تخضع لقانون حماية الآثار وتقع تحت إدارة وإشراف وزارة السياحة والآثار. أما المباني التراثية فتخضع للجنة الحفاظ على التراث في المحافظة، مباني أخرى لها تاريخ لكنها ليست مسجلة ضمن قوائم التراث وتتبع وزارة الأوقاف. إلى جانب المباني التي تعتبر ملكيات خاصة، وهي مباني تتحقق فيها بعض العناصر المعمارية الهامة لكنها ليست مسجلة ضمن قوائم التراث. هكذا تتفرق المباني المعمارية القديمة بين عدة هيئات وجهات لكل واحدة منها قوانين ولوائح ونظام عمل خاص. هذا التنوع في القوانين بين الإدارات المختلفة يخلق نوعا من الجزر المنعزلة يدفع كل جهة للعمل بطريقة تختلف عن طريقة الجهة الأخرى.

تحقيق الاستدامة

يقول زكي: “أحد المبادئ الأساسية في تحقيق الاستدامة يكون عبر التماهي مع البيئة المحيطة بالعمارة المطلوب تأسيسها. يبرز في هذا الصدد المعماري المصري حسن فتحي، الذي رأى أن العمارة هي أشبه بالنبات، فكما أن النبات ينمو طبيعيا في بيئات معينة ولا يمكن له أن ينتزع من بيئته لينمو في مكان آخر. كذلك العمارة، عليها أن توظف إمكانات البيئة الطبيعية المحيطة بها لتكون في النهاية متماهية معها”.

وتابع: تشكو الإسكندرية اليوم من غياب ما يمكن اعتباره طرازا معماريا مميزا لبيئتها ولزمنها الراهن. مع أن وجود هذه الطُرُز كان شائعا في الماضي، فيما يبدو أن الاستدامة كان معمولا بها حقا في العمارة القديمة لكن شيئا ما حال دون أن تستمر.

أوضح، نموذج أخر هو الدكتور علاء حبشي الذي تولى الاعتناء بمنزل “يكن” في سوق السلاح في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، وكان المنزل قد تحول إلى محل جزارة. حتى تولاه علاء حبشي وأعاد ترميمه وصار منبرا ثقافيا مميزا باحتوائه على مكتبة كبيرة وقيامه برعاية فعاليات ثقافية.

مباني أثرية

واستعرض زكي -خلال محاضرته- عددا كبيرا من المباني الأثرية في المدينة، مشيرا إلى أن التجارب الفردية هي التي تولت، في أغلب الحالات، عمليات الاعتناء والترميم وإعادة توظيف المبنى. يرجع ذلك إلى تنوع جهات الرعاية بين وزارة الآثار ولجنة التراث ووزارة الأوقاف كما أسلفنا. من بين المباني التي استعرضها كان مسجد تربانة وجامع إبراهيم باشا بالمنشية ووكالة الشوربجي، وطاحونة المندرة وطاحونة المنتزه وعددا من الصهاريج والحمامات العامة.

واختتم حديثه: “عدد كبير من المباني الإسلامية فائقة الروعة، قد وقعت خارج قوائم الجهات المعنية، ما تركها دون رعاية أو ترميم، تنتظر أن يلتفت إليها أحد ليحافظ على قيمتها التاريخية الكبرى ويعيد إحياءها من جديد”.

اقرأ أيضا:

«تراث الإسكندرية في الأرشيف».. محاضرة ضمن فعاليات أيام التراث بمكتبة الإسكندرية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر