نهلة إمام: الأهم من تسجيل «اليونسكو» أن يكون لدينا أرشيف وطني كبير

حصلت الدكتورة نهلة إمام، رئيس قسم العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بالمعهد العالي بأكاديمية الفنون على عضوية لجنة تقييم الملفات باليونسكو بإجمالي 21 صوتا من 24. الدكتورة نهلة كانت مهمتها الأولى والأصعب في إقناع المنظمة بأهمية العناصر التراثية لتسجيلها على قوائم اليونسكو  مثل  الأراجوز والخط العربي مؤخرا. «باب مصر» أجرى معها الحوار التالي للتعرف على خطواتها القادمة.

على أي أساس يتم اختيار الأعضاء.. ومن أين جاءت فكرة ترشحك؟

بموجب اتفاقية صون التراث العالمي لعام 2003، والتي وقعت عليها مصر عام 2005، يحق لمجموعات الدول ترشيح من يمثلها داخل لجنة التقييم، مثل مرشح عن المجموعة الأوروبية، والعربية، والأسيوية، والإفريقية وهكذا.

كما يحق لكل مجموعة ترشيح من يمثلها عن باقي الدول. وهناك 6 مرشحين ممثلين عن الجمعيات الأهلية على مستوى العالم، ويحق لكل دولة ترشيح من يمثلها وكنت ضمن تلك الفئة، حيث تم ترشيحي من قبل الدولة المصرية، وكنت في منافسة مع مرشحي دولتي الجزائر وتونس. وكان التصويت يتم من قبل اللجنة الدولية الحكومية للاتفاقية والتي تضم24 عضوًا، وحصلت أنا على أغلبية الأصوات بنسبة 21 صوتًا.

ويتم اختيار المرشح والتصويت عليه من قبل اللجنة بناءا على معرفة الأعضاء بالمرشح من خلال سيرته الذاتية الكاملة التي يتوجب وضعها على موقع اليونسكو حتى يطلع عليها أعضاء اللجنة. كما يتم التصويت على مدى مشاركاته وإسهاماته في ما يخص التراث غير المادي. إضافة إلى دفاعه وجهوده في ملفات معينة داخل منطقته، فضلاً عن ثقل الدولة المرشح عنها، وطبعًا كانت الدولة المصرية تقف  خلفي.

ويعد فوزي إنجازًا كبيرًا في تاريخ عضوية هذه اللجنة. حيث لم يحصل مرشح من قبل على هذا الكم من الأصوات من أول جلسة، وأرى أنه فخر وشرف لي بجانب كونه مسؤولية كبيرة.

وما هي طبيعة عملك في لجنة التقييم؟

دوري مثل القاضي. حيث ترسل الدول المختلفة ملفاتها لإدراج عنصر معين لتسجيله على قائمة اليونسكو. ومن خلال لجنة متخصصة أنا الآن أحد أعضائها يكون علينا فحص تلك الملفات. فعلى سبيل المثال لو تقدم 60 ملفا، كل شخص داخل اللجنة يستلمها ويكون مسؤولا عن تقديم تقرير منفصل عن كل ملف، ثم يتم عمل تقرير إجمالي يضم كافة الآراء حول الملف.

لذلك فهو عمل يشبه عمل القاضي فكل عضو مسؤول عن تحكيم جميع الملفات. وتجتمع اللجنة أكثر من مرة خلال السنة لعرض ومناقشة التقارير، ثم اتخاذ موقف موحد تجاه الملفات التي تقدمت بها الدول. ثم يرفع التقرير إلى اللجنة الحكومية الدولية.

فن التحطيب والأراجوز والنخلة مؤخرا عناصر تراثية انضمت مؤخرا لقائمة التراث غير المادي لليونسكو بعد جهود مصرية بارزة.. ما الجديد الذي ستعملون على تقديمه الفترة القادمة؟

تعتزم مصر تقديم ملفات عديدة مثل: “الآلة الشعبية السمسمية، احتفالات رحلة العائلة المقدسة، التلي”، ويجتمع الآن وزراء الثقافة العرب لاتخاذ قرار بخصوص ملفات مشتركة. وقد سجلنا مؤخرا ملفين بالشراكة مع الدول العربية، ملف الممارسات المرتبطة بالنخلة والتي شاركت به 14 دولة عربية، وملف الخط العربي والتي شاركت به 16 دولة عربية، وهناك المزيد في الفترة القادمة حيث يوجد العديد من الملفات المشتركة بين الدول العربية.

هل يمكن تكرار انضمام العناصر لليونسكو من قبل دول مختلفة؟

بالفعل يمكن ذلك. فكل دولة يحق لها تقديم الملف الذي يضم عنصر لديها تريد تسجيله، لكن الاتفاقية الدولية تعطي الحق لدول أخرى لديها عنصر مشابه تم تسجيله. وعلى الدولة الأخرى إرسال طلب انضمام للدولة التي قدمته من قبل، بأن هذا العنصر موجود على أرضها، أو إرسال ملف منفصل لليونسكو.

هل لدينا كوادر تهتم وتعمل في مجال التراث الثقافي غير المادي؟

بالفعل لدينا العديد من الكوادر المدربة، ولدينا معهد للفنون الشعبية، الذي يتخرج منه المتخصصين في هذا المجال. بجانب الاهتمام الكبير الذي توليه وزارة الثقافة والتي لديها العديد من القطاعات تعمل على جمع الحرف وعناصر التراث الشعبي. وأرى أن الأهم هو نشر الوعي بأهمية التراث غير المادي، وتوثيقه وعرضه ومن ثم الانتفاع به.

ما المقصود بمصطلح “المعارف الشعبية” وهل من الممكن أن تختفي تلك المعارف بفعل الحداثة؟

المقصود بمصطلح المعارف الشعبية، هي الخبرات الشعبية المتوارثة والناجحة داخل المجتمع، مثل”الطب الشعبي، اقتفاء الأثر، المعارف حول الحيوانات، الطرق التقليدية في الزراعة، الطرق التقليدية في الصيد، وغيرها”.

وبالفعل هي مهددة بالاندثار والاختفاء، لأن هناك بشكل يومي تحديث لتلك المعارف بشكل علمي متقدم، والتي تختفي أمامها معرفة تقليدية. مثل ظهور الري الحديث والذي اختفى على أثره الشادوف على سبيل المثال، أو الساقية. إذا فهي مهددة وهناك اتجاه عالمي الآن للحفاظ على تلك المعارف التقليدية.

ما هي الشراكات التي يتطلب من مصر عقدها من أجل صون التراث الثقافي غير المادي.. وهل معرض ديارنا نموذج لذلك؟

هناك محاولات واجتهادات هامة للغاية تقوم بها مصر، والتي تؤدى إلى استدامة العناصر. فهناك علاقة قوية بين التنمية المستدامة والتراث. فالتنمية المستدامة تضمن أن يظل ممارسي الحرف هم المستفيدين الأوائل من منتجاتهم. حيث من المفروض أن تدخل الحرف الشعبية ومصنعيها تحت ما يعرف بـ”التجارة العادلة”. فعند بيع قطعة من الفخار على سبيل المثال، يجب ألا يكون المستفيد هو المعرض أو المصنع، بل الممارس الحقيقي. وتعد هذه الممارسة تنمية مستدامة.

هل لدينا مؤسسات قادرة على تحقيق هذا الهدف وهو التنمية المستدامة التي يستفيد منها أصحاب الحرف التقليدية والتراثية؟

هناك تضافر واضح بين العديد من المؤسسات الآن، والتي تهتم بتوفير ذلك، مثل وزارة الثقافة، وزارة التجارة والصناعة، وزارة التضامن، بجانب وزارة المالية، التي تساعد في خفض أو رفع الضرائب وبعض الأعباء المالية على المنتجات الحرفية، ووزارة الشباب التي تقوم بعمل ورش عمل، ووزارة التربية والتعليم التي أدخلت ضمن المناهج الدراسية معلومات عن التنمية المستدامة والحرف اليدوية. وأعتقد أن تضافر مختلف الهيئات يجب أن يكون ضمن مشروع قومي، كونه هدف مهم لربط الناس بوطنهم من خلال تراثهم.

برأيك هل لليونسكو دورا في تقريب التواصل بين المجتمعات ثقافيا لدعم بعض ملفات التراث غير المادي؟

تعمل اليونسكو بالفعل على تحفيز الدول. فهي تطلب أن تقرب الدول من بعضها، وتحثهم على الحوار المشترك، واختيار ملفات مشتركة فيما بينهم. وهو ما حدث في ملف الخط العربي مؤخرًا. فقد خاطبنا الدول المختلفة كي نعرف من يمارس هذا النوع من التراث، ويتم تبادل المعلومات. حيث إن هناك الكثير من التراث الإنساني تشترك فيه العديد من الدول.

من وجهه نظرك هل الملفات المقدمة لليونسكو تغطى جميع الممارسات التي تتم في مصر أم أن الأمر محدود؟

أرى أن الأهم من التسجيل على قوائم اليونسكو- والتي تعد محدودة للغاية بالنسبة لعدد العناصر التي يمكن تسجيلها وتمارس في مصر- أن يتم التسجيل داخل مصر أولًا. وأن يكون لدينا أرشيف وطني كبير، يضم عناصر التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني.

اقرأ أيضا

 نهلة إمام: بالتراث نحيا ونعمل ونتعامل

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر