معبد كوم أمبو.. أنشئ في 400 عام وكُرّس لعبادة الخير والشر

على بعد نحو 45 كيلو متر شمالي أسوان، وفوق ربوة عالية على الضفة الشرقية للنيل، يقع معبد كوم أمبو، وهو معبد إغريقي- روماني، كُرّس علي غير العادة لمعبودين اثنين وليس لواحد مثل باقي المعابد المصرية المنتشرة على امتداد النيل.
“كوم- امبو” هي كلمة مركبة، المقطع الأول من العربية ويطلق على التل أو الهضبة، أما المقطع الثاني “نبو” أو “انبو” والتي حرفت إلى “امبو” فهي يونانية وتعني الذهب، ليصبح المعنى تل الذهب.

أكثر الدراسات التاريخية تشير إلى أن “كوم امبو” كانت من الأقاليم المقدسة لدى المصريين القدماء منذ عهود ما قبل التاريخ، وارتبطت أسطوريا بقصة الصراع بين المعبودين حورس وست.

معبد كوم أمبو

كما دلت بعض الكتابات الأثرية على أن المعبد الحالي أنشئ على أطلال معبد قديم كُرّس هو الآخر لعبادة الإله سوبك وسمى “بر- سوبك” أي بيت سوبك، ويرجع لعصر الملك تحتمس الثالث في الأسرة 18 (1292- 1550 ق.م).

وفي العصر البطلمي زادت أهميتها لاتخاذها كمحطة للعناية بالأفيال القادمة من أفريقيا، والتي استخدمها الإغريق في حروبهم لتكون ندا للأفيال الهندية التي يستخدمها السلوقيين.

وكان الملك بطليموس الخامس أول من شرع في بناء المعبد الحالي 205-180 ق.م، وتطور بناء المعبد في عهد بطليموس السادس إلى عهد بطليموس الثامن وأكمل بناءه حتى صالة الأعمدة باستثناء النقوشـ، والتي أنجزت في عصر الإمبراطور الروماني تيبوريوس 14-37 ق.م.

كما أضاف إليه الإمبراطور دومتيان بعض الإضافات، ليسجل اسمه فيه واستمرت الإنشاءات بالمعبد في عهود الأباطرة الرومان كاركلا وجيتا وماكرينوس حتى عام 218 م، ليستغرق إنشاءه نحو 400 عام.

تخطيط معبد كوم أمبو

يبدأ المعبد بالفناء الخارجي الذي يتصدره الصرح ثم قاعة أعمدة خارجية، يتبعها قاعة أعمدة داخلية أصغر حجمًا، وتؤدي إلى 3 فناءات متعاقبة تنتهي بالمقصورتين المكرستين للإلهين حورس وسوبك، وجميع المباني محاطة بدهليز كبير تنفتح منه بعض الغرف الثانوية، التي استخدمت كغرف للتخزين.

الأثري حسن عوض، مرشد سياحي،  يقول إن حورس كان المعبود الرئيسي لإقليم كوم امبو، في حين كان الإله سوبك يُعبد في منطقة الدهامشة بالفيوم.

وبسبب ضحالة المياه في تلك المنطقة، أصبحت المياه ملاذًا للتماسيح حتى اشتهرت بذلك، وتحكي أسطورة مصرية أن أحد العرافين تنبأ بموت ابن أحد الملوك في كوم امبو، ما جعل الملك يحتاط أكثر من المنطقة، وذات يوم كان ابنه يستحم في إحدى البحيرات فالتهمته التماسيح، فقرر الملك ذبح جميع التماسيح انتقامًا لابنه.

يعلق عوض على تلك الأسطورة بأنها ارتبطت بعبادة سوبك، على أنه صورة للمعبود ست إله الشر.

الخير والشر في معبد واحد

وعن تخصيص المعبد لعبادة اثنين يرى عوض أنه من الغريب تكريس معبد واحد لإلهين، فمن المعروف أن المعابد منذ أوائل الدولة الفرعونية وحتى قيام الدولة البطلمية كانت تكرس لمعبود واحد.

وبالرغم من وجود مقصورات لمعبودات أخرى داخل المعبد، إلا أن تلك المعبودات كانت تسمي “الآلهة الضيوف” أي أن صاحب المكان هو الإله الرئيسي والذي كرس المعبد أساسا لعبادته.

على جانب آخر فقد اهتم الإغريق بفكرة الازدواجية في مصر القديمة والتي ظهرت منذ قيام الثورة الأولى ووحدت بين شطري مصر، تحت حكم تاج واحد عرف باسم التاج  المزدوج، وأصبح اسم الملك “نسوت- بيتي” والتي تعني باللغة المصرية القديمة “ملك مصر العليا والسفلي”.

فلسفة الأغريق

يرى عوض أن الإغريق اهتموا بفكرة الجمع بين الخير والشر معا في معبد واحد.. إذ إن المعبد كان مكرسًا لحورس، الذي يرمز إلى الخير.. استنادا إلي أسطورة التاسوع في الجزء الخاص بالصراع بين حورس وعمه ست.. أما المعبود الآخر فهو سوبك التمساح، وهو أحد صور ست إله الشر.

المعبود سابك
المعبود سابك

وقد كان المصريون يصطادون تمساحا من النيل، ويضعونه في مكان محكوم بالمعبد ويطعمونه حتى يحين اليوم المعلوم فيذبحونه ويحنطونه.. في إشارة إلى هزيمة قوى الشر الممثلة في ذلك الحيوان. وقد وجد آثار لذلك  في الجانب الشمالي الشرقي من المعبد.

تماسيح محنطة
تماسيح محنطة

أسطورة الأخوين

ومن الملاحظ في المعبد أن إله الشر حاز الجانب الأيمن من المعبد.. الذي يرمزا إلى الشرق.. وهو الحياة الفانية والمنتهية بالموت.. أما إله الخير فقد حاز الجانب الأيسر من المعبد والذي يرمز إلي الغرب. وهو الحياة الأبدية، التي تبدأ بعد الموت.

ومما ينبغي الإشارة إليه أن قصة الصراع بين حورس وست تعرضت للتحريف.. لتناسب ازدواجية المعبد وعرفت بـ”أسطورة الأخوين”، وتحكي عن حورس وسوبك.. اللذين كانا يحكمان مملكة تل الذهب. لكن سوبك الشرير أراد أن ينفرد بالسلطة وحده.. ونجح بالفعل في طرد أخيه من المملكة ونفاه بعيدا إلى الصحراء.

لكن لأن حورس كان محبوبًا من الشعب ذهب جميع الأهالي خلفه.. ليجد سوبك نفسه ملكا بلا شعب، وتبور الحقول فيستعين سوبك بالموتى ولكنهم بذروا الرمال بدلا من الحبوب، لتجف الأرض تماما، وتصبح صحراء جرداء.. بعدها يجد سوبك نفسه مرغما على التصالح مع أخيه، وتقسيم المعبد.

منظر تقسيم المعبد
منظر تقسيم المعبد

تقسيم المعبد

“تقسيم المعبد” هو أهم المناظر بمعبد كوم امبو.. ويقع في الدهليز الخارجي الذي يحيط المعبد.. وقد جرت عملية التقسيم بين الأخوين في حضور ماعت ربة العدل والنظام، التي تستخدم الميزان في عملية التقسيم.. وذلك في رمزية إلى التوازن مرة أخرى.


أسانيد

1-محيى الدين عبد اللطيف إبراهيم (1970): كوم أمبو- الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر.

2- الرمز والأسطورة في مصر القديمة، تأليف رندل كلارك، ترجمة أحمد صليحة- الهيئة العامة للكتاب 1988 .

3- بعض ملامح جغرافية العمران في مصر القديمة، تأليف الدكتور محمد مدحت جابر- مكتبة الأنجلو مصرية.

4- الآثار اليونانية الرومانية في مصر- تأليف د. شريف الصبان- جامعة المنيا 1993 .

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر