د.عاصم الدسوقي: الغرب خضعوا للعاطفة اليهودية.. وعلى العرب استخدام القوة| حوار

كشفت عمليات الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة، عن عجز المؤسسات العربية في فرض روايتها على المجتمع الدولي رغم الحقيقة التاريخية بأن فلسطين أرض عربية. في المقابل أظهرت الحرب نوايا إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية إما بالنزوح أو التطهير العرقي والإبادة.

الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أحد من كتبوا وحللوا الصراع العربي الإسرائيلي. حيث رصد عبّر العديد من مؤلفاته ومنها: «الصهيونية والقضية الفلسطينية في الكونجرس الأمريكي 1943- 1945» محاولات الغرب وكذلك الصهيونية لتوطين اليهود داخل فلسطين، وإصرارهم على تفريغ الأرض من أصحابها.. «باب مصر» أجرى معه الحوار التالي لمعرفة رأيه كمؤرخ في الحرب الأخيرة التي يتوقع الكثير أنها ستغير من طبيعة الصراع.

كمؤرخ كيف تنظر حاليًا للصراع داخل فلسطين.. هل تتوقع أن ينتهي قريبًا؟

لا.. هذا الصراع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيظل قائمًا ولن ينتهي قريبًا. لأن الفكر اليهودي ثابت لا يتغير، فالوسائل هي عادةً التي تتغير، لأنهم لا يتخلون أبدًا عن فكرة الدولة اليهودية وتحديدًا منذ أن كتب تيودور هيرتزل كتابه «الدولة اليهودية» سنة 1896. فوسائلهم والألفاظ التي يستخدمونها والمصطلحات هي فقط التي تتغير. فمثلًا مصطلح «التطبيع» جرى الترويج له باعتبار أننا أولاد دين واحد؛ أي أبناء إبراهيم. فالهدف من إطلاق هذه المصطلحات هو السيطرة على الناس ثقافيًا في المقام الأول.

الصراع الأخير كشف قدرة الاحتلال على توظيف الإعلام العالمي لصالحه.. كيف لعبت إسرائيل هذا الدور طوال تاريخهم من خلال نقل السردية اليهودية؟

اليهود للأسف مستمرون بنفس منهجهم في السيطرة على وسائل الإعلام العالمية. وهنا يجب أن نعرف أن هناك هدف ثابت ووسائل متغيرة. فالغرب ينظر للمواطن الشرقي أو العربي باعتباره مواطن بسيط؛ أي يمكن استمالته عاطفيًا في أي وقت، عن طريق مدحه في البداية ومدح فكره وتاريخه، وتراثه، إلى أن «ينتفخ» من المديح. ومن ثم البدء في عملية فرض طلبات الغرب على الشرق، من خلال عبارات تحتمل أكثر من معنى. وهذه أساس المشكلة -من وجهة نظري- لذلك فقد عادى الغرب دائمًا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لأنه عرف خططهم. وبالتالي لم يقدروا على استمالته وقرروا مهاجمته. فالعرب في الوقت الحالي وللأسف الشديد ينالون المديح من إسرائيل، لأن إسرائيل تريد توقيع معاهدات التطبيع وذلك من أجل خدمة مصالحها. والمأساة للأسف الشديد بدأت من عندنا في مصر؛ أي عندما وقعنا على اتفاقية كامب ديفيد.

د.عاصم الدسوقي
د.عاصم الدسوقي
لكن لماذا هذا الدعم الذي تقوم به وسائل الإعلام العالمية لإسرائيل؟

سأحكي لك موقفًا.. في عام 1977 ذهبت لأمريكا لثلاثة أشهر، وكنت هناك في إحدى الحلقات الدراسية. وقد ألقيت محاضرة بعنوان «كيف يفهم غير المصريين تاريخ مصر الحديثة؟». وحينها جئت بثلاثة مقررات من الكتب عن تاريخ مصر الحديثة، وبدأت أتصفحها لأعرف كيف يتناولون تاريخ مصر، وبدأت أكتب نقدي عن الأمر. وقلت إن هذه الكتب لا تتحدث عن التاريخ العام أو الأوضاع السياسية والاجتماعية، لكنها تبحث في الأقليات والطوائف لكي تخدم السياسة.

فهم حين يصفون مصر يقولون شمال إفريقيا، وعندما يصفون العالم العربي يقولون الشرق الأوسط. وبدأت أتحدث عن هذه الجزئيات، وعندما انتهيت فُتح المجال للمناقشة، وهنا تحدث أحد الطلبة وقال إنني استعنت بمؤرخين من الدرجة الثانية. وحينها قلت له ماذا تعنى بمؤرخين درجة أولى وثانية هل هذا موجود؟ فإذا كنت قد استعنت بمؤرخين درجة ثانية كما تذكر فمن هم في الدرجة الأولى كي ترشح لي كتاباتهم. وهنا ترك القاعة وخرج غاضبًا، وبعد انتهاء المحاضرة خرجت فوجدت عميد الكلية يستفسر مني عما حدث مع طالب يدعى «دانيال بايبس» فقد أتى وقال لي: «أنت جايب ناس تشتمنا فى بيتنا؟». فحكيت له ما حدث وسألني عميد الكلية «أنت متعرفش إنه يهودي؟» وحينها قال لي إننا هنا في أمريكا نميز بين المسيحي واليهودي بالاسم.

وعندما عدت إلى مصر وجدته في مداخلة مع الـCNN يسب العرب. وهذا لا يعني أنه لا يوجد طلبة هناك محبين لمصر وللعرب بل بالعكس يوجد هناك الكثيرين لكنهم لا يتحدثون. وهذا ما ذكره لي «جان وود» عميد الكلية عندما قال لي: «نحن نكرههم، لكننا لا نقدر عليهم» فوقتها كانت رئيسة الجامعة امرأة يهودية. ولذلك فقد رفضت أن أكمل هناك بعد أن عرضوا علىّ لأني وجدت أن طبيعة الحياة هناك صعبة، فهم متحكمون في كافة الأمور داخل هذه البلدان.

كمؤرخ.. كيف تنظر لاتفاقية «أبراهام» التي وقعتها الدول العربية مع إسرائيل خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي ترامب؟

كما قلت لك هم أرادوا من خلال هذه الاتفاقية تحويل العرب من أعداء لأصدقاء. وذلك كي يضمنوا عدم دخولهم مع العرب في أية صراعات، ومن ثم القبول بفكرة الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين. من خلال إعطاءهم جزء من الأراضي العربية الفلسطينية، باعتبار أن كلنا أبناء دين واحد.

هناك اقتراح يتردد داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية بترحيل سكان غزة إلى مصر.. هل هذا هو الهدف النهائي لهذا الصراع وما الحل الذي يجب اتخاذه لمنع هذا الإجراء؟ 

من الممكن أن يحدث الأمر بالفعل طالما أنه لا يوجد موقف عربي مضاد حقيقي لهذه المسألة. فالمواقف الدولية سواء التي يتم اتخاذها من جانب الأمم المتحدة أو مجلس الأمن كلها في يد إسرائيل. وأوراق اللعبة بأكملها معهم، وأي مشروع مقدم يهدف للوقوف أمام الطموح الإسرائيلي سيتم استخدام الفيتو فورًا لمنع تمريره. وهذه أصل المشكلة، لأن اليهود تحكموا منذ سنوات طويلة بكافة بلدان العالم. فقد خضع الغرب للعاطفة اليهودية.

ومن هنا انتهت المسألة بالنسبة إليهم. فوزير الخارجية الأمريكي «بلينكن» أعلن صراحة دعمه لليهود باعتباره ابن لأب وأم يهود. وقد ظهرت صوره بشكل واضح في وسائل الإعلام العالمية وهو يبكي على ما حدث لإسرائيل خلال السابع من أكتوبر الماضي. وكذلك فالرئيس الأوكراني زيلنسكي يهودي الديانة، وهو صهيوني. وأيضًا رئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير كانت أوكرانية الأصل، وجورباتشوف الذي فكك الاتحاد السوفيتي كانت زوجته يهودية أيضًا. ما أعنيه هنا هو أن اليهود بشكل عام يتحكمون في شكل الصراعات العالمية. لذلك على الدول العربية رفض مشروع نقل سكان غزة لسيناء بشكل حقيقي. كما أن هذا الرد لابدَّ أن يكون من خلال رفض العدوان الإسرائيلي على فلسطين، ومواجهة هذا العدوان باستخدام القوة، وذلك طالما أن القانون الدولي والمنظمات الدولية في غيبة مما يحدث من قتل الآلاف في فلسطين وتهجير مئات الآلاف من أبناء هذا الشعب.

د.عاصم
د.عاصم
من وجهة نظرك كيف تحلل عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها حماس؟

حماس قامت بهذه العملية لأن هناك ضغط إسرائيلي مستمر على الفلسطينيين وكذلك أهالي قطاع غزة. فهي لم تجد حلًا إلا عبرّ شن هذا الهجوم الرادع، وذلك لوقف إسرائيل عن فكرة الاستيلاء على شمال غزة، لأن هذه الفكرة ظلت قائمة عند اليهود في فلسطين. كذلك فإصرار إسرائيل على تحويل سكان غزة إلى سيناء هو جزء من تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، فهذا المشروع يهدف لتقسيم البلدان العربية إلى 73 دولة بدلًا من 22. وهذا التقسيم مبني على أسس طائفية وعرقية، ومذهبية. فمصر على سبيل المثال داخل هذا المشروع تم تقسيمها إلى خمس دول، وسيناء هي إحدى تلك البلدان التي يريدونها. لذلك فخطوتهم الأولى لتنفيذ المشروع هو تفريغ غزة من سكانها، وسحبهم نحو مصر.

خطوة حماس كانت جيدة، لكنهم للأسف الشديد وقفوا وحدهم، ولم يؤيدهم العرب، الذين تخلوا عنهم بسبب التطبيع. وهذا تمامًا ما أرادته إسرائيل عندما وقعت هذه الاتفاقيات مع البلدان العربية. أي تنحية العرب جانبًا، كي يضمنوا عدم اتحاد العرب في مواجهة إسرائيل.

لكن في المقابل هذا الهجوم لاقى ترحيبًا كبيرًا من جانب إيران وحزب الله.. كيف تنظر لطبيعة هذا الوئام.. هل الدعم الإيراني يمكن أن يفيد القضية؟

بالتأكيد.. لأن هذا الصراع اتخذ الشكل الديني من خلال دعم إيران وحزب الله. فهذا الحزب معروف أنه شيعي، وهو ارتكاز أيضًا لإيران الشيعية؛ لذلك فموازين القوى قد تختلف، لكنها لن تثني إسرائيل عن المضي قدمًا في مشروعها، لأنها مدعومة كما ذكرت من أمريكا والقوى الغربية والمنظمات الدولية. لذلك فوقوف إيران وحزب الله مع القضية الفلسطينية أمر إيجابي لأنه يخدم قضية العرب بشكل أساسي.

اقرأ أيضا:

فلسطين.. قضية تفضح بشاعة النظام الدولي وإفلاسه

الدرس انتهى لموا الكراريس

الأرشيف الفلسطيني: من يكتب حكايته يرث أرض الكلام

رسالة مفتوحة من المثقفين العرب لمثقفي الغرب: لنتحاور من أجل فلسطين

حوار| محمد الكحلاوي: على العرب الاهتمام بتمويل البحوث التاريخية حول فلسطين

د.بهجت قبيسي: فلسطين أرض عربية ولا مكان بداخلها لليهود المتصهينين|حوار

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر