تأسس عام 1944.. حكاية 80 عاما من الإنتاج السينمائي لـ«استوديو الأهرام»

«استوديو الأهرام» تاريخ طويل يتمتع به هذا المبنى باعتباره واحدا من أعرق دور الإنتاج السينمائي في العالم العربي منذ منتصف أربعينات القرن الماضي وحتى تصوير الأعمال الدرامية التي تُعرض خلال شهر رمضان.. قبل أيام تعرض الاستوديو لحريق هائل التهمت فيه النيران محتويات المبنى بالكامل ودمرت الديكورات والأخشاب بل وامتدت للأماكن المجاورة.

استوديو الأهرام

على مدار ثمانين عاما، كان استوديو الأهرام شاهدا على تصوير الكثير من الأعمال السينمائية والدرامية. بدءا من فيلم عنتر وعبلة، وفيلم ابن حميدو، ومسلسل حديث الصباح والمساء، ومسلسل أرابيسك، وفيلم حياة أو موت، ومسلسل حضرة المتهم أبي، وأخيرا مسلسل “المعلم”.

يقع استوديو الأهرام بحي العمرانية في شارع يحمل الاسم نفسه، ويحده من الجنوب مناطق عامرة. أما من الطريق الغربي المريوطية، ويشهد كثافات مرورية طوال اليوم، لكن في الماضي كانت المناطق المحيطة به هادئة.

اختار الفنانون قديما المنطقة المحيطة به للسكن، وأحيط باستوديو الأهرام العديد من الفيلات قديما ومن بينها فيلا المخرج علي بدرخان خلال زواجه من الفنانة الراحلة سعاد حسني، وفيلا عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي، والتي أصبحت لاحقا فندق. أقامت في المنطقة أيضا الفنانة أسمهان، والفنان الراحل محمود ياسين، وعميد الأدب العربي د. طه حسين، وغيرها من فيلات المشاهير قديما. لكن أغلب الفيلات في المنطقة هُدمت بمرور الوقت وتم استبدالها بالأبراج السكنية.

يقع في المنطقة أيضا أكاديمية الفنون، التي تم إنشائها عام 1959، وتم تسمية الشارع باستوديو الأهرام نسبة لوجوده بمنتصفه. رغم وجود عدد كبير من استوديوهات التصوير خلال مطلع القرن العشرين، لكن تكمن أهمية استوديو الأهرام باعتباره أول خطوة للتحرر من التصوير السينمائي الوطني في استوديو مصر. وتم تصميمه بمساحة وشكل ومعدات تضاهيه.

استوديو الأهرام
استوديو الأهرام
الحرب العالمية الثانية.. إبداع للمصريين

يرجع تاريخ إنشاء استوديو الأهرام إلى عام 1944، بالتزامن مع الحرب العالمية الثانية. إذ ظهرت العديد من الاستوديوهات الصغيرة حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي كان لها تأثيرا إيجابيا على الفنيين المصريين وصناعة السينما.

وكانت استوديوهات صغيرة ذات إمكانات محدودة وانتقلت استوديوهات الإسكندرية الصغيرة إلى القاهرة، حتى إنشاء استوديو الأهرام بنفس نهج وتصميم استوديو مصر. وكان على مساحة كبيرة تصل إلى 27 ألف متر مربع، وضم بلاتوهان وصالة عرض وتسجيل. ومعمل تحميض أفلام 35 مللي و16 مللي.

بحسب كتاب «تاريخ التصوير السينمائي في مصر 1897 – 1996» تأليف سعيد شيمي، الصادر عن المركز القومي للسينما. قبل الحرب بستة شهور سافر جميع العاملين الألمان إلى بلادهم، وبعض الفرنسيين، وألقي القبض على بعض المصريين الإيطاليين ووضعهم في سجن الأجانب مثل جيوليو دي لوكا بينما توليو كياريني سافر إلى إيطاليا.

وأتاحت هذه العملية الكبيرة ظهور المصورين على الساحة الفنية، بعد سنوات من دخول السينما مرحلة الأسلوب العلمي والتقنية الفنية والاستعانة بخبراء من الخارج لتعليم المصريين أساليب التصوير. بالإضافة إلى الخبرات المصرية التي تعلمت في ألمانيا تحديدا. وشهدت فترة الحرب رواجا في إنتاج الأفلام، بسبب توافر المال وقضاء جنود الحلفاء إجازتهم في مصر. إذ تضاعف إنتاج الأفلام بمعدل أربعة أضعاف منذ عام 1935 إلى عام 1945.

منافسة استوديو مصر

وخلال هذه الفترة كان لاستوديو مصر “الوطني” النصيب الأكبر من تصوير الأفلام به. وكان ظهور استوديو مصر بهذا الأسلوب العلمي الحديث ورواج صناعة وتجارة السينما وغزو الفيلم المصري للأقطار العربية، سببا في ظهور عدة استوديوهات حديثة، من بينها استوديو ناصبيان عام 1937، واستوديو شبرا عام 1943.

والغريب أن الحرب كانت سببا في ترك الكثير من أبناء “استوديو مصر” العمل به والاتجاه للعمل في السوق الخارجي بسبب رفض مدير الاستوديو حسين سعيد زيادة أجر مدير التصوير مصطفى حسين. واستقال برفقة مجموعة من موظفي الاستوديو في الماكياج والإخراج، وكانت هذه الاستقالة بداية انطلاق أفلام القطاع الخاص.

استوديو مصر
استوديو مصر
حلم «أوهان»

ترجع فكرة تدشين استوديو الأهرام للمصور والمخترع المصري من أصل أرمني أوهان واسمه بالكامل “أوهانيس هاجوب كوستنيان”، الذي يعد علامة بارزة في تاريخ التصوير السينمائي. إذ ولد في 8 يناير عام 1913 بحي باب الشعرية بالقاهرة، لأبوين مصريين من أصول أرمينية.

وكتب عنه مدير التصوير سعيد شيمي، أنه تعرف على كل ما يتعلق بالتصوير من المجلات الأجنبية وتعلم منها عن الآلات والتصوير. وبعد تعلمه التصوير في “استوديو الفيزي” العريق لصاحبه الفيزي أورفانيللي، بدأ مشواره لتعلم كل ما يدور من آلات خاصة بالسينما. وطارده حلم إنشاء استوديو سينمائي متكامل مثل “استوديو مصر”. وبدأ حلمه يتبلور بعد الحرب العالمية الثانية، وضرب الإسكندرية بالقنابل الألمانية، وانتقال السينمائيين والاستوديوهات إلى القاهرة. حاول أوهان تحقيق حلمه أكثر من مرة، وعرض الفكرة على الفنان نجيب الريحاني والكاتب بديع خيري. لكن مشروع إنشاء استوديو سينمائي خاص بهما لم يتحقق.

تكررت المحاولة مع ميشيل تلحمي المنتج والموزع السينمائي، والذي وافق على فكرة أوهان. وكان تلحمي أهم منتج وموزع سينمائي وقتها، وأشرك معه صاحب الأرض بالهرم التي سيقام عليها الاستوديو وهو الخواجة الألباني “إيفانسيل أفراموسيس” التاجر وسمسار الأراضي. عرقلت الحرب حلم أوهان بسبب توقف استيراد الأدوات والمعدات اللازمة للاستوديو. لكن سرعان ما وجد أوهان الحل بنفسه عبر تنفيذ آلات التصوير والمعدات. وعمل نموذج مصغر من الاستوديو متضمنا التخطيط والأدوات والورش اللازمة.

وتم بناء استوديو الأهرام خلال ثمانية أشهر متضمنا كل المعدات اللازمة، مثل الكاميرات ومعدات الإضاءة والصوت وآلات التصوير والمونتاج ومعدات التحميض. بالإضافة إلى ورش العمل، وتم تصوير أول فيلم به وهو فيلم “عنتر وعبلة”. وكان من أشهر الأفلام التي صورت بهذا الاستوديو فيلم “ابن حميدو والغول وشقة الأستاذ حسن والشقة من حق الزوجة ويارب ولد وفيلم عاشت للحب”. ومسلسلات “حديث الصباح والمال والبنون وأرابيسك وحضرة المتهم أبي” كما جاء في مثل هذه الفترة.

إعلان دعائي لاستوديو الأهرام نشر عام 1951 عن وجود معمل للألوان وأحدث الأجهزة السكوب
إعلان دعائي لاستوديو الأهرام نشر عام 1951 عن وجود معمل للألوان وأحدث الأجهزة السكوب
الحروب واستوديوهات السينما في مصر

سبق إنشاء استوديو الأهرام مرحلة هامة في تاريخ السينما المصرية والتصوير. وهي جيل الرواد منذ عام 1927 إلى عام 1944، ومرت بتطورات كثيرة على مدار 19 عاما، تبلورت فيها السينما كصناعة وفن. وشكلت السينما خلال هذه الفترة ذوقا خاصا للشعب المصري. وبانتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) واندلاع الثورة الوطنية عام 1919 والمطالبة بجلاء الاستعمار والاستقلال الاقتصادي.

أنشأت الرأسمالية المصرية بنك مصر كمؤسسة وطنية التف حولها المصريون الوطنيون، وشركات صناعية تتبع البنك لنهضة اقتصادية صناعية. وفكر طلعت حرب الاتجاه إلى السينما. وبالفعل اشترى معدات استوديو بيومي، خلال زيارته إلى ألمانيا لشراء آلات غزل ونسيج التقى بمجموعة من الشباب المصري الدارس للسينما هناك. وكانت ألمانيا بعد خروجها من الحرب تعاني من انكسار اقتصادي. وأنشأ شركة “مصر للتمثيل والسينما” عام 1925، وبعدها دشن أكبر استوديو في مصر عام 1934. وانقسم التصوير في هذه الفترة إلى مدرستين، الأولى قبل افتتاح استوديو مصر كانت في الإسكندرية للأجانب والمتمصرين. والثانية بعد افتتاح استوديو مصر عام 1935 أساسها العلم والمعرفة.

اقرأ أيضا:

ثورة ضد ألمانيا الداعمة للاحتلال.. محمد عبلة وكاتبة إفريقية يردان «وسام جوته»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر