“زي اللوز يا بلح”.. موسم جني النخيل بأسيوط عادة مصرية قديمة

تصوير- أحمد دريم

“ياللي زى اللوز يا بلح، زغلول يا بلح ومين زيك، يا رطب يا بلح، عجمية يا بلح عجمية، ولا تين ولا عنب زيك”.. عبارات وأمثال شعبية يستخدمها الباعة كل يوم في الشوارع والميادين للتسويق لمحصول البلح وجذب الزبائن للإقبال علي شراء البلح بأنواعه وأحجامه وألوانه المختلفة نظرًا للقيمة الغذائية الكبيرة التي يحتويها.

باب مصر” ترصد موسم جني محصول البلح بأحدي مزارع النخيل بمنطقة الوادي الأسيوطي التابعة لمحافظة أسيوط.

“باب مصر” ترصد موسم جني محصول البلح بأحدي مزارع النخيل
حبل وسكين

عقب أداء صلاة الفجر يستعد أحمد محمد جودة، الذي يعمل في مهنة طلع النخيل، لبدء عمله اليومي في جني محصول البلح، يتجول وسط أشجار النخيل حاملًا على كتفه حبله المصنوع من الليف الذي يستخدمه في صعود النخيل، وفي يديه المنجل وسكين التقطيع للبحث عن السباط التي قد استوي عليه حبات النخيل.

يقول طالع النخيل إن عملية جني المحصول وتقطيع السباط تحتاج إلى خبرة وتركيز كبيرين، لما فيها من مخاطر قد تؤدي إلى السقوط من جانب ومعرفة الحبات التي استوت من جانب آخر، لأنه يكون معرضا لصعود أشجار نخيل عالية قد يتعدي ارتفاعها الـ 15 مترا، ويكون جسمه معلق في الهواء باستخدام الحبل، بالإضافة إلى تقطيع السباط باستخدام السكين والمنجل.

عم أحمد محمد جودة يستعد لصعود أحد أشجار النخيل
مواعيد الجني

ويوضح الدكتور مصطفى البرديسي، بمركز البحوث الزراعية بمحافظة أسيوط، إن موسم جني البلح يبدء سنويًا في نهاية شهر يوليو بالنسبة للبلح السماني بأسيوط، ويعتبر ذلك مبكرًا بالنسبة لذلك الصنف مع موطنة الأصلي برشيد، الذي يبدأ موسم الجني على نهاية شهر سبتمبر، وذلك بسبب الظروف المناخية بأسيوط من حيث ارتفاع درجات الحرارة وبدء فصل الصيف بدري.

موسم جني البلح يبدء سنويًا في نهاية شهر يوليو
الإنتاج

إنتاج المحصول على حسب الصنف والخدمة المقدمة لأشجار النخيل، والتلقيح له دور كبير في المحصول وحبوب اللقاح لما تكون حية وجيدة تكون نسبة العد عالية، ومتوسط إنتاج النخلة من 160 كيلو حتى 200 كيلو كمتوسط إنتاج، ونقوم بتخفيف الحبوب من السبطات حتي تكون حجم الثمرة كبيرة.

طرق الجنى

ويضيف البرديسي أن الطرق الصحيح لعملية الجني تكون حسب ارتفاع النخلة، فإذا كانت قريبة من الأرض يطلع العامل ويقوم بحمل السباطة من نهايتها ويحاول إنها متتخبطش بالنخلة وثم يرميها علي مفرش قد وضع علي الأرض لحماية الثمار، وبعدها يتم نقل  الثمار إلي مكان التعبئة في طريقتين للتعبئة هناك من يفرك البلح من الشماريخ ولكن هناك من يتركها كما هي في الشمراخ حتى تفضل البلحة ومدة صلاحيتها أطول عند البائع لأنها تصل تأخذ مياه من الشرموخ.

أحد العمال يقوم بمساعدة طالع النخل فى تنزيل البلح
الأدوات

أما الأدوات المستخدمة في عملية الجني فهي منجل الزراعة العادي وسكينة التقطيع الخاصة بالنخالين، والمطلع الذي يستخدمه في صعود النخلة الطويلة، وأفضل وقت لجني المحصول هو في الصباح الباكر بعد الفجر ويكون البلح محتفظ بالرطوبة الخاصة به ومتعرض لإجهاد

حدائق المصريين القدماء

وذكر كتاب الثروة النباتية عند قدماء المصريين أن نخيل البلح من أهم الأشجار التي زينة به حدائق المصريين القدماء، فمنظره يؤثر في النفس لما فيه من الهيبة والجلال وإذا نظر المرء إلى جذوعه العارية المرتفعة ظن أنه يشاهد تلك الأعمدة الرشيقة التي أبدع الفنان المصري القديم صنعها.

وقد اتخذ الفنان من النخيل مودا لا ينصب لوسائل الزخرفة وكثرت طرز الأعمدة التي تمثله في القبور والمعابد طوال العصور التاريخية.

أحد الأطفال يقوم بنقل البلح الى مكان التجميع
أصل النخيل

أصل نخيل البلح من بلاد العرب وأثيوبيا، وقد عرفوا منه أنواع كثيرة وكان يعتبر “نبات اوزيريس”.

ويذكر “هورابوللو” أن أغصان النخيل كانت ترمز للسنة، وجاء في “بردية هاريس” أن رمسيس الثالث قال: ” أنشأت لك بستانا وغرست فيه أشجار السنط والنخيل وزينت أحواضه باللوتس والبردي”

صدقة للموتى

كان القوم يقدمون سعف النخيل مع البلح المجفف بكميات وفيرة قربانا لأله النيل، ويتيمنون بثماره، كما كانوا يصنعون من السعف الباقات والأكاليل الجنائزية ويجعلون منه مثوي لبعض الجثث.

كما أن المصريين كانوا ينثرون السعف في الطرقات التي تمر بها الجنازات، ولا يزال بعض المصريين يتبركون به فيحملون الباقات المصنوعة منه إلى القبور ويوزعون ثماره صدقة على أرواح موتاهم.

أحد العمال يقوم بفرز البلح
بلح صيص

وكانوا يجنون الثمار طازجة ويأكلون بعضها ويحفظون بعضها الآخر، ويذكر “ل.كيمر” أنه رغم وجود آثار للنخيل من عصر ما قبل الأسرات، إلا أن الثمار لم يعثر عليها حتى عصر الدولة الوسطى، وعثر في بعض قبور عصر الدولة الحديثة على أنواع عديدة من البلح الصالح للأكل بعكس البلح الذي عصر عليه في قبور الدولة الوسطي فقد كان صغيرا وقليل الحلاوة نسبيا ويسمي هذا النوع في بلادنا اليوم “بلح صيص”.

مقابر الفراعنة

عثر على كأس جميلة من الخزف الأزرق من عصر الدولة الحديثة نقش عليها صورة لأربعة صبية وهم يجنون ثمار البلح، بينما القردة تساعدهم في جنيها، كما عثر على عقد يمثل البلح وحياته من الخزف الأخضر في أحد قبور الأسرة الثامنة عشرة محفوظة بقسم الزراعة القديمة بالمتحف الزراعي.

وورد ذكر البلح ضمن نقوش قبر” نفر- معت” بميدوم من الأسرة الرابعة باسم “بترت” كما سمي “أمت” ولعلها نفس الكلمة التي تطلق اليوم علي نوع من البلح يسمي “أمهات”.

وهناك أسطورة للبلح تدل علي قيمته الغذائية عند القساوسة والرهبان عثر عليها في الأديرة القبطية ولعل ذلك يرجع إلي أنه كان طعام السيدة العذراء مدة حملها بالسيد المسيح.

الأمثال الشعبية

وذكر كتاب “مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات” لـ محمد جبريل الصادر عام 2010، أن أمثال بائع البلح هي “ياللي زي اللوز يا بلح” وزغلول يا بلح ومين زيك، يا من يجيب القناني يا بلح، ياخذ العسل منك، ولا تين ولا عنب زيك، ويارطب يا بلح، وياضاني يا أمهات، وعجمية يا بلح عجمية، وصلاة النبي علي عيشة وبلح عيشة .

مكان تجميع ثمار البلح

 *****************

هوامش

  • كتاب الثروة النباتية عند قدماء المصريين، تأليف وليم نظير، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر عام 1970
  • كتاب ” مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات” لـ محمد جبريل الصادر عام 2010.
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر