حكاية الأغنية الوحيدة التي كتبها أمل دنقل

لا يزال أمل دنقل(1940 -1983) شاعرا استثنائيا، يحضر بقوة في المشهد الشعري العربي، قصيدته التي تصور البعض أنها ستدخل «متحف التاريخ» أو تصبح «منتهية الصلاحية» لاتزال فاعلة لم تتخلَّ عن موقفها الجمالي الذي هو «جوهر» موقفه السياسي والفكري.

صنع صاحب مقتل القمر أسطورته الخاصة بوصفه واحدا من الذين اختاروا الوقوف على هامش المؤسسة الاجتماعية والثقافية والسياسية. لم يكن أمامه عندما اختار الكتابة خيارات متعددة. يقول «لا يمكن أن أعبّر بالموسيقى أو الرقص.. وحدها الكتابة، لأن الكلمة، لها في المجتمعات المحافظة والمغلقة أو المتخلّفة قيمة كبيرة تصل إلى دور سحري. في الميثيولوجيا الشعبية، الكلمة قد تحيي وتميت.. بل لها قوّتها الذاتية المنفصلة عن الإنسان كمثال الأحجبة أو قراءة القرآن على المريض».

أمل دنقل

كانت الكلمة سياقا طبيعيا لهواجس وشجون الشاعر الذي جاء إلى القاهرة من قريته الصغيرة القلعة (قنا ـ جنوب مصر).. مع صديقه الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، ليتبعهما لاحقاً القاصّ يحيى الطاهر عبدالله.

لكنّ الشعر كان «خياراً ذاتياً»، كما يقول، ارتبطت نبرته الشعريّة ببيئة طفولته وشبابه. يقول «في مجتمع محبوس بين جبلين، حيث التضاد واضح جداً بين السهل والجبل، وعنف المناخ والحدة، والالتقاط السريع للأشياء، حيث لا شيء له صفة الديمومة، ولا يملك الفرد ما يكفي من الصبر لكتابة الرواية.. ارتبط انتقالي إلى القاهرة بتغيير في نوعية الشعر، من الشاعر الرومنطيقي الحالم الذي يذوب وجداً ويكتب عن فتاة تمشي بخطوات موسيقية، وعن مشهد الغروب والنيل، تحولت شاعراً يربط الكتابة بقضايا المجتمع. نفسياً بدأت أخرج من دائرة الاهتمام بذاتي إلى مزج الذات بالعالم».

سرعان ما ترك القاهرة وعاد أدراجه إلى الصعيد بعد سلسلة من الإحباطات، لكنّه لم يتحمل العزلة فقرر العودة مجدداً: «عند المحاولة الثانية، قررنا أن نأتي إلى القاهرة كغزاة. كنت أنا والأبنودي، هو يكتب العامية وأنا الفصحى. جئنا بأفكارنا الخاصة عن العالم. في المرة الأولى كنا نريد أن ندخل في النسيج الموجود. أما في المرة الثانية، فجئنا بخيول جديدة ومستعدين أن نفتح بها المدينة. كنا قادمين بلغة جديدة، لا لنأخذ المباركة من رواد الأدب والكتاب القاهريين، بل جئنا لنقول، وكان على العالم أن يسمعنا».

وقد ترك أمل 6 مجموعات شعرية، وأغنية وحيدة كتبها للمطربة عفاف راضي، بعد أن تعرف عليها أثناء العمل معا في مسرحية «الشخص» التي اختاره الرحبانية ليقوم بتمصيرها، في تلك الفترة كتب أمل – كما تقول زوجته عبلة الرويني- ثلاث أغنيات لعفاف راضي، اختارت أن تغنى منهم هذه الأغنية التى تكاد تكون مجهولة لكثيرين.

 

هنا كلمات الأغنية الوحيدة التي كتبها “ولد وبنت سمرا”:

 

ولد وبنت سمرا

ماشين تحت الشجر

وشبكة إيدين ونظرة

وخطوة على القمر

ووردة في غصن بكرة

مشتاقة للمطر

فضل الطريق يضيق

على الحلم البرىء

وأدى الطريق طريق

خالى من كل شئ

غير إسمين على الشجر

ودمعتين عقيق

ولد وحيد وحيد

معاه وعد اللقا

سافر بلاد بعيد

وأتغرب في الشقا

وغربة تشد غربة

وسفر يجيب سفر

والبنت السمرا فضلت

تسهَر السهر

زهور كبرت ودبلت

واتغبر الشجر

والكلمة الحلوة قَلت

وغاب عنها الخبر

فضل الطريق يضيق

على الحلم البرئ

وأدى الطريق طريق

خالى من كل شئ

غير إسمين على الشجر

ودمعتين عقيق

ولد وبنت سمرا

تاهوا فى الذكريات

اتقابلوا صدفة مرة

بعد الزمن ما فات

مادين ايد بالسلام

ملقيتش كلام

ومشيوا  فى الليالي

وتاهوا فى الزحام

فضل الطريق يضيق

على الحلم البرىء

وأدى الطريق طريق

خالى من كل شئ

غير إسمين على الشجر

ودمعتين عقيق

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر