تفاصيل المؤامرة على أم كلثوم

مرت أمس الأربعاء الذكرى الـ46 على رحيل سيدة الغناء العربي أم كلثوم. وفي هذه الذكرى «باب مصر» يفتش في أرشيفها الصحفي.

في الأسبوع الأخير من شهر مايو عام 1965 نشرت الصحف إعلانا مثيرا عن العدد المقبل من مجلة آخر ساعة ومحتوى الإعلان يقول: “المفاجأة.. التفاصيل الكاملة لأذكى وأنجح مؤامرة على أم كلثوم.. إن تفاصيل هذه القصة أقرب إلى روايات السينما: مليئة بالمفاجآت ولحظات الخطر والمواقف الحرجة”، واستمر نشر الإعلان حتى ليلة صدور العدد المرتقب في 2 يونيو 1965 وطوال ذلك الأسبوع انهالت الرسائل على آخر ساعة ولم تكف أجراس التليفون والقراء يسألون: ماهي المفاجأة التي أعلنتم عنها في العدد المقبل، وكانت المؤامرة هى فخ دبر لأم كلثوم وهزم ذكاؤها لأول مرة فوقعت فيه دون أن تدري على أنه مهما بلغت من طرافة القصة فإن أعجب ما فيها هو أنه قد مضى عليها عام كامل قبل نشرها على الجمهور وتسربت أنبائها هنا وهناك وعرف بها كثيرون، ومع ذلك لم تعرف بها أم كلثوم شيئا إلا بعد نشرها في آخر ساعة على خمس صفحات بواسطة محررها فاروق عبدالسلام.

أم كلثوم

بالفعل صدر العدد المرتقب وعلى غلافه صورة أم كلثوم والتابعي وكامل الشناوي وسليمان نجيب، تلك الصورة التي ترتدي فيها أم كلثوم بنطلونا وتتوسط التابعي وكامل الشناوي، وكان هذا هو أول نشر لتلك الصورة التي أصبحت الآن إحدى أشهر صور سيدة الغناء العربي وكتب تحت الصورة: “مفاجاة أخرى هذه الصورة التي التقطت لها بالبنطلون وستسأل كوكب الشرق نفسها اليوم كيف حصلت آخر ساعة على الصورة”.

وبدأ “فاروق عبدالسلام” التحقيق المثير قائلا: “هذه المغامرة كانت لا مفر منها من أجل أن تحقق آخر ساعة أمل الملايين من عشاق سيدة الغناء في أن يسمعوها تتكلم وتفتح قلبها، وقد تكلمت أم كلثوم وحصلت آخر ساعة دون أن تدري على كل ما كانت ترفض أن تبوح به من آراء في الفن والحياة والناس، وقد ترددت آخر ساعة طويلا في نشر هذا الحديث ولكن أجزاء منه كانت قد بدأت تتسرب هنا وهناك وكان بعضها مشوها، فلم يعد مفر من أن يعلن الحديث كاملا إنصافا لأم كلثوم وتحقيقا لأمل قديم عزيز للقراء.

يصف المحرر الوصول لأم كلثوم على أنه أصعب من الدخول في فيتنام أو أنجولا، فالطريق إلى أم كلثوم لم ينجح في اجتيازه صحفي واحد منذ خمسة عشر عاما وفي كل خطوة منه أقامت أم كلثوم حائطا كحائط برلين مع فارق واحد هو أن حائط برلين له بوابة تفتح أحيانا في المناسباتّ.

حاول المحرر أن يجد لأبواب أم كلثوم بوابة مشابهة تفتح في المناسبات أو حتى ثقب إبرة، حاول أربع مرات قبل أن ينجح، في المرة الأولى رفع سماعة التليفون وقال بسذاجة أنا صحفي!! فأغلقت السماعة في وجهه دون تعليق، وفي المرة الثانية حاول أن يكون ذكيا وقال بغباء شديد أنا مندوب هيئة الإذاعة البريطانية! فأعتذرت عن مقابلته بلباقة. وفي المرة الثالثة قال: أنا مندوب مجلة برافدا السوفيتية، فأعتذرت أيضا وبنفس اللباقة، أما المحاولة الرابعة فكانت أغبى المحاولات إذ قال لها إنه مخرج في التليفزيون ويريد أن يقدم برنامجا عن حياتها.. فأغلقت السماعة في وجهه قبل أن يتم الجملة. وبدا واضحا أنه لا مفر من حيلة من نوع آخر، جيلة تلمس قلب سيدة الغناء العربي وقضى أياما يبحث عن حيلة ويقرأ كل سطر عن أم كلثوم في أرشيف مجلة آخر ساعة، وإذا بالحيلة التي يبحث عنها تنبثق فجأة في ذهنه ويرفع سماعة التليفون:

– سيدتي.. أنا مهندس مصري، أدرس الآن في الأكاديمية الإيطالية، وإجازتي هنا قصيرة ومطلوب مني عندما أعود إلى روما أن ألقي محاضرة عنك!!

– ليه بأه؟

– لأن من تقاليد الأكاديمية أن يلقي كل طالب محاضرة عن فنان كبير في بلاده. وقد قرأت كل ما كتب عنك ولكنه لا يكفيني لأنني أريد أن تتفوق محاضرتي عن محاضرات الآخرين جميعا..

فسكتت أم كلثوم لحظة. ثم قالت بصوت هادئ:

– لا مانع إذن اتصل بي مرة أخرى بعد شهر!

وكاد المحرر أن يقفز فرحا فقد نجحت فكرته واستطاع الطالب المصري الغريب الذي يريد أن يتفوق على الأجانب أن يستجدي عاطفة سيدة الغناء.

بعد شهر قالت أم كلثوم:

– اتصل بعد أسبوع

وبعد أسبوع قالت:

– بعد ثلاثة أيام

وبعد ثلاثة أيام قالت:

– مفيش لزوم لحكاية المحاضرة دي!!

ووجد نفسه يصرخ:

– حرام! لقد أخرت سفري إلى إيطاليا كل هذه المدة من أجل مقابلتك. ماذا أقول لهم في الأكاديمية؟، سأكون نموذجا للفشل بين طلبة من جميع أنحاء العالم.. يرضيك هذا؟

كان يتحدث بإخلاص وحرارة لدرجة إنه كاد أن يصدق نفسه بأنه مهندس وفي ورطة، وبعد فترة صمت طويلة قالت له:

تعالى غدا.. في السادسة مساءًا.

ذهب فاروق عبدالسلام إلى جليل البنداري صاحب الخبرة الكبيرة في التعامل مع أهل الفن وقال له البنداري:

– أم كلثوم ستكشفك ولا أحد يستطيع أن يلف عليها، إنها تحتفظ في بيتها بكلب وولف وستطلقه عليك بمجرد أن تكشفك، وقال له صديق آخر أن أم كلثوم عاشت حياتها مع كبار الصحفيين وحفظت تعبيراتهم وأسئلتهم وستكون وقعتك مطينة.. ونام ليلته يحلم بكلاب تطارده من كل حجم ونوع وأسرع في الصباح ليشتري كمية من البمب وضعها في جيبه ليدافع بها عن نفسه ضد أي احتمال!!

وبدأت المغامرة، وفي السادسة تماما كان يقف أمام فيلا أم كلثوم وقد حلق شعره على الطريقة الإيطالية وارتدى ملابس كملابس الفنانين الإيطاليين وقاده البواب إلى الدور الأول ثم سلمه لأحد الخدم وذهب به إلى حجرة الصالون، وبعد قليل رأى أم كلثوم قادمة من بعيد وكانت ترتدي بلوزة خضراء وجونلة سوداء وفي يدها كالعادة منديل أبيض.

يقول فاروق عبدالسلام: صافحتها، ثم بدأت أدقق النظر في وجهها كأنني أرى فيه وجه مصر، اعتدادها وكرامتها وسحرها وعذوبتها وغموضها أيضا وبين وقت وآخر تردد كلمة ترحيب كما يعمل الفلاحون، وتذكرت أنني الآن جالس مع العملة الصعبة في عالم الغناء وأن كل المطربات والمطربين إلى جوارها ملاليم!!

واعترف أنني كنت مرتبكا لا أدري من أين ابدأ، ولاحظت هي ارتباكي فأخذت تسألني عن إيطاليا وعن الأكاديمية، ثم قالت فجأة:

– لن أنسى أنهم سرقوني هناك!

– كيف؟

– في عام 1942 نزلت في المطار وكانت معي أحذية جديدة وكمية من الأدوية، سرقوها كلها دون أن أشعر، وابتسمت ببساطة ثم أضافت:

– في ذلك اليوم أخذني السفير في سيارته لأتجول في الشوارع ودهشت جدا عندما رأيت النساء يغسلن الملابس أمام البيوت ويتشاجرن بالصوت الحياني! إنه شعب كثير الحركة والنرفزة والمشاجرات.

قلت لأم كلثوم:

– في العالم الآن اتجاه إلى تحويل بيوت الفنانين إلى متاحف. ما رأيك في أن يجعل هذا البيت متحفا يعرض فيه العباءة التي كنت تلبسينها وأنت صغيرة ومناديلك التي شهدت كل حفلاتك والعود الذي كان يعزف عليه والدك وكل ما كتب عنك وما سجلته من اسطوانات.. إلخ؟

فأجابت على الفور:

– لا أوافق!

– لماذا؟

قالت وهي تضحك:

– أهو ده اللي مش ممكن أبدا

– ليه؟

لأنني لا أوافق على تخليد الناس الأحياء، كيف تضمن أن الذي يستحق التكريم الآن سيظل يستحقه إلى آخر العمر؟، لقد كان لدي محافظ الدقهلية مشروع بإطلاق اسمي على القرية التي نشأت فيها ولكنني رفضت. لأن هذا هو اللامعقول بعينه!

– بمناسبة اللامعقول، ما رأيك في هذا اللون من الفن؟

– لا أوافق أصلا على أن ينقسم الفن إلى معقول ولا معقول. الفن إذا لم يكن معقولا لا يسمي فنا، الفن يخاطب الناس ويمتعهم، فكيف يفعل ذلك إذا لم يكن معقولا؟

– والفن التجريدي؟

– عندما كنت في فرنسا منذ عدة سنوات دعاني أحد الفنانين لزيارة معرض للرسم التجريدي. وأخذت أتفرج على اللوحات وأفحصها بدقة. ولكنني لم أفهم شيئا وكان الشعور الذي راودني هو أنني أريد أن أبصق!!

– ولكنهم يستقبلون هذا الفن في الخارج بحماس شديد.

– ليس معنى هذا أن نستقبله بنفس الحماس هنا، بل يجب أن نستقبله بحذر، إن كل شيء في بلدنا واضح وشعبنا بسيط وضاحك وسماؤنا صافية والشمس مشرقة دائما، فما معنى أن نستقبل هذا الفن المتشائم القاتم؟

– وما هو الفن المتفائل في رأيك؟

– هو كل فن تشعر معه بالمتعة وتحس فيه جمال الحياة. كل فن يتخلل أعماقك ويردده الناس جميعا معك، فالفن الحقيقي هو فن الشعب الذي يخاطبه بلغة يفهمها لا بلغة يجهلها.

– ما عناصر نجاح الأغنية العربية في رأيك؟

– الكلمات والملحن والأداء، يعني كل العناصر وأي خلل في أركان هذا المثلث يقضي على الأغنية.

– أنت ولا شك صاحبة الفضل الأول في إحياء الشعر العربي القديم وتحويله إلى مادة محببة إلى الناس، ولكن ما رأيك في الشعر الحديث؟

– ما هو هذا الشعر الحديث؟، هل تسمى هذه الخواطر المبعثرة شعرا؟، إذا كان الأمر كذلك فأنا شاعرة كبيرة جدا، لأنني أستطيع أن أكتب خواطر أحسن من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم شعراء!!

– معنى هذا أنك لن تغني شيئا من الشعر الحديث؟

– مستحيل. إنه ليس شعرا

– والملحنون الجدد؟، هل تغنيين لهم لمساعدتهم على الظهور، أم لأنك تريدين تطوير أغنياتك مع الموجة الجديدة؟

فضحكت قائلة:

– الموجة؟ الموجة تجري ورا الموجة عايزة تطولها!! ثم أضافت: كل كلام جيد سهل وكل لحن جميل ممتع.. لا أتردد في أن أغنيه، ليس المهم أن يكون جديدا أو قديما المهم يكون ممتازا.

المأزق

حتى هذه اللحظة كان كل شيء على ما يرام والحديث لا يعكر صفوه أحد، ولكنني لم أكن أدري بالمفاجأة التي تتنظرني، فبعد قليل سمعت نباح الكلب الوولف في الحديقة، ثم دخل رجل ما كدت أراه حتى مادت بي الأرض! كان المهندس محمد دسوقي. ابن شقيقة أم كلثوم وكان يعرفني ويعرف أنني صحفي وكنت قد قابلته منذ أيام في مبنى التليفزيون وأجريت معه حديثا صحفيا!

وقامت أم كلثوم تقدمه لي:

– ابن أختي المهندس محمد دسوقي.

ثم تحولت لتقدمني إليه، ولكنه قاطعها قائلا:

– أنا عارف الأستاذ صحفي من آخر ساعة!

وتوقف قلبي عن النبض وأم كلثوم تنظر لي بدهشة:

– صحفي!!!

وأصابني شلل كامل، وتوالت على رأسي بسرعة صورة المصير الذي ينتظرني.. وفي المرآة أمامي رأيت وجهي مصبوغا بكافة ألوان الطيف وارتفع نباح الكلب الوولف في الحديقة، فلم أعد أملك السيطرة على مفاصلي ولم أجد قوة تمكنني حتى من وضع يدي في جيبي.. حيث البمب الذي سينقذني.. ودون أية خطة محددة في ذهني وجدت نفسي أقول للمهندس الشاب:

– صحفي ؟؟ تقصدني أنا؟

قال:

– أيوة إحنا تقابلنا قبل كدة.

قلت:

– أنا فاكر برضة أظن في التيلفزيون عند المخرج أحمد عزت أصله كان معايا في إيطاليا وكنا أصدقاء.

كنت اتخبط وأخرجت علبة سجائري وقدمت من فرط ارتباكي سيجارة إلى سيدة الغناء.. فقالت بجفاء ونظراتها الصارمة لا تنصرف عن وجهي:

– أنا لا أدخن.

ومضيت أواصل تمثيل الدور فقلت للمهندس:

– ليتني كنت صحفيا كما تقول على الأقل كنت أتخصص في الكتابة عن أم كلثوم.

ثم فجأة أشرق في ذهني خاطر، كنت قد قرأت في أرشيف آخر ساعة أن المطرب بنيامينو جيلي زار مصر عام 1950 واستضافته أم كلثوم في بيتها ثلاث أيام، والآن خطر لي أن استعين بهذه المعلومة في الخلاص من موقفي الميئوس منه فالتفت إلى أم كلثوم قائلا:

– على فكرة هل تعرفين مطرب الأوبرا الإيطالية بنيامينو جيلي؟

وأجابت والحذر مازال واضحا على ملامحها:

أيوة أعرفه

قلت:

– إن له شقيقا في الأكاديمية اسمه روزانا، وقد رزته في منزله وقابلت بنيامينو جيلي وحدثني كثيرا عنك وقال أنه كان ضيفك.

وإذا بهذه الكلمات تمحو شيئا فشيئا ريبة أم كلثوم وهتفت تقول:

– نعم هذا صحيح ولكنه راجل خاين لم يكتب لي خطابا واحدا منذ سنوات كيف حاله؟

قلت: بمب، ولكنه الآن عجوز ولم يعد يغني وقد كلفني إذا عدت إلى مصر أن أسلم عليك

– الله يسلمه لكن قول له يخلي عنده دم ويبعث لي جوابات.

فأحسست من هذا الطلب أنها لم تعد تشك في حقيقة شخصيتي، وكنت أعلم أن بنيامينو جيلي مات ولكنني أسرعت أقول:

– حاضر حاقول له!

مضيت أستأنف الحديث قبل أن تفضحني عيناي، بينما ابن شقيقة أم كلثوم يهز رأسه في دهشة وهو يقول: غريبة يخلق من الشبه أربعين!

قدم لنا الخادم القهوة فسألت أم كلثوم

– هل تشربين القهوة؟

– المحافظة على الصوت لا تقتضي الإمتناع عن الشاي والقهوة فقط.. وإنما تستلزم أيضا تنظيما دقيقا للحياة اليومية وتحتم النوم المبكر والاستيقاظ المبكر و….

وسكتت لحظة ثم قالت:

– ولكن ما علاقة هذا بالمحاضرة؟

فأدركت إنها ماتزال تشك وقررت أن أتجنب الأسئلة الصحفية التقليدية بكافة أنواعها وقلت:

– أنا اسأل لمعلوماتي الخاصة فقط ولمعلوماتي أيضا كنت اسألك: هل صحيح أنك ستظهرين على الشاشة كما ذكرت بعض الصحف أو على المسرح كما ذكرت صحف أخرى؟

قالت:

– كل هذا كذب، فأنا لن أظهر لا في السينما ولا في المسرح لأن صحتى لا تساعدني.

قلت لأم كلثوم:

– من أجل المحاضرة أريد أن أعرف ما الذي تشعرين به عندما يقاطعك الجمهور بالتصفيق؟

قالت: أنا دائما أشعر بالسعادة حين أواجه الجمهور وحين يقاطعني بالتصفيق أجد نفسي بين إحساسين: السرور لأنني أرضيت المستمعين والرغبة في مواصلة الغناء دون مقاطعة.

– وما سر المنديل الذي تمسكين به دائما بين يديك؟

– إنه يخفف بعض الإنفعال الذي أشعر به وأنا أغني. ثم إن أصابعي تعرق أثناء الغناء فأجففها بالمنديل.

ومضيت أواصل الحديث فسألت:

– ما رأيك في الأغاني الفرانكو آراب؟

قالت: هذه ليست أغاني قد تصلح للبارات ولكنها ليست أغاني

– هل تعتقدين أن موسيقانا ستتطور مع العصر؟

– ومن قال أن موسيقانا ليست متطورة؟

– إلى من يرجع الفضل في تطورها؟

– إلى الكلمة

– يعني إيه؟

– الكلمة الجديدة تحمل في طياتها إيحاء بنظم جدبد والابتكار في الكلمات هو الذي يدفع بالألحان أن تتجدد، فالكلمات في رأيي هي فائدة الموسيقى ويكفي أن تقارن بين كلمات “إرخي الستارة اللي ريحنا” وبين كلمات الأغاني الحالية، فالفرق كبير جدا والشعراء هم الذين بدأوا بالتجديد وكان على الملحنين أن يلحقوا بمعانيهم الجديدة.

وعادت مرة أخرى تسأل؟

– ما علاقة هذا بالمحاضرة؟

فارتبكت وابتلعت سؤالا كنت على وشك أن ألقيه عليها، وهو سؤال عن أحب الصحفيين إليها، وارتفع نباح الكلب من جديد وخيل لي أن أم كلثوم توشك أن تطلب بطاقتي الشخصية فلم أشعر بنفسي ألا وأنا واقف استأذن في الإنصراف.

ووقفتني سيدة الغناء وهى تقول:

– أوعى تنسى سلامي لبنيامينو جيلي

وعلى الباب قالت لي:

– وأرجوك كمان لا تنشر هذا الكلام في الصحف

وأسرعت أهرب من فيلا أم كلثوم وفي رأسي زحام من الخواطر وكلماتها الأخيرة ترن في أذني: لا تنشر هذا الكلام في الصحف!

لماذا قالت هذا؟

تراها كشفتني وتغاضت عن حيلتي اشفاقا علي؟، أم هي قررت أن تغير أخيرا موقفها من الصحافة ولم تعد تمانع في نشر آرائها؟

أم ترى حقا حيلتي جازت عليها؟، أنا شخصيا لا أصدق فذكاء أم كلثوم ألمع من أن يخدعه غبائي ومضبت أركض في الطريق وأنا أشعر بنفسي خفيفا كالهواء..

ملحوظة كان البمب مايزال في جيبي عندما عدت إلى آخر ساعة، وقد فرقعناه في المكتب إبتهاجا بالمغامرة الموفقة….

فاروق عبدالسلام

انتهى التحقيق الذي كتبه فاروق عبدالسلام ورسم صوره الفنان بيكار، ولكن القصة لم تنته إلى هذا الحد فعندما ظهر العدد إلى النور غضبت أم كلثوم وأرسلت لآخر ساعة تخبرهم أنها عرفت أنه صحفي وأن ما تردد من أنها تصد الصحفيين ولا تقابلهم مجرد إشاعات سخيفة، فلم تنتظر مجلة آخر ساعة أسبوعا كاملا لتكتب إعتذارا للسيدة أم كلثوم، ولكن في اليوم التالي لصدور المجلة نشرت جريدة الأخبار هذا الخبر بعنوان بين آخر ساعة وأم كلثوم:

بين آخر ساعة وأم كلثوم

لم تتفاجئ أم كلثوم بالحديث الذي نشرته معها آخر ساعة أمس. ظهر أنها كانت على علم بمناورة المحرر الذي إدعى أنه مهندس يريد إلقاء محاضرة عنها ولم تنخدع فيه، قالت أم كلثوم: إن المحرر قد لجأ إلى الخيال والاختلاق فيما نشره بعد فشل حيلته ولكن أكثر ما ضايقها إدعاءه أنها تقيم سياجا بينها وبين الصحافة. فإن هذا الإدعاء يرسم لها صورة من التعالي لم تعرف عنها ولا أساس لها من الصحة لأنها تحترم الصحافة العربية وتقدر دورها الكبير.. وتأسف آخر ساعة لهذا الخطأ غير المقصود فهى قد نشرت ما كتبه المحرر رغبة في تصحيح ما نشرته صحف عربية أخرى في نفس الموضوع، ولم يكن من أهدفها مهما كانت الأعمال الصحفية معرضة للخطأ أن تخطئ في حق أم كلثوم..

اقرأ أيضا

سلسلة عاشت هنا| في ذكراها الـ43.. حفيد أم كلثوم يروي أسرارًا جديدة

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر