من دفاتر عامل تليفونات العمدية.. ننشر أسماء ضحايا وباء الكوليرا في الأربعينات

اعتدل الجد في جلسته على دكة أمام منزله الصغير بنجع حمادي، شمالي قنا، مخاطبا شباب قريته كعادته اليومية، يسرد لهم الفارق بين وباء الكوليرا الذي ضرب البلاد عام 1946 وجائحة كورونا المنتشرة حاليا.

“محنة كورونا مش هتكون أبدا زي الكوليرا.. الناس كانت تتكب زي الفروج على طول”، بلهجة صعيدية حكا الجد محمد محمود طه، عامل تليفونات، ولديه قوائم بأسماء ضحايا الكوليرا في ذلك الوقت.

عامل تليفون العمدية وقصة وباء الكوليرا

الجد محمد محمود طه، ثمانيني، عمل كاتب خفر تحديدًا، أي عامل تليفون يتلقى المكالمات من المركز، ويبلغ بالمواليد والوفيات وحالات القيد حتى عام ١٩٦٤، هذه المهنة التي تولاها في عمر الـ10 أعوام، عن أبيه الذي كان يصطحبه معه في الثلاثينيات أثناء عمله في ديوان العمدية بالقرية، الذي ألت إليه المهنة هو الآخر عن شقيقه الأكبر قبل أن يصبح مأذونًا للقرية، وفق رواية الجد، والمحامي صديق الهمامي، أحد أبناء القرية.

الجد محمد أحمد طه عامل تليفونات العمدية- تصوير: مريم الرميحي
الجد محمد أحمد طه عامل تليفونات العمدية- تصوير: مريم الرميحي

يروي عامل التليفونات سابقًا وشيخ بلد بالقرية حاليًا، “كنت أسجل الوفيات مع أبي خاصة عام 1946حيث اجتياح مرض الكوليرا القرية كثائر قرى البلاد، وملاحظة ازدياد أعداد الوفيات”.

وبلغ عدد وفيات القرية بتوابعها 137 شخصا، ووصل في عام 1945 إلى 160حالة وفاة، وفي عام 1947سجلت القرية وفيات 62شخصا، وفق دفاتر التسجيل التي يحتفظ بها الجد طه منذ فترة عمله وعمل أبيه، تلك الأرقام التي يتضح قيمتها حين تعلم أن تعداد القرية بتوابعها يتراوح بين 3 إلى 4 آلاف نسمة.

فقد وصلت نسبة الوفاة على سبيل المثال في عام 1945 إلى 5٪، وفق الأرقام المتوفرة.

ذكريات وباء الكوليرا

يتذكر الشيخ محمد طه كيف كان يتم تفتيش الحلاقين بالقرية.. والعثور على بعض جثث الأهالي المتوفين جراء الإصابة في منازلهم، دون شعور أحد بهم.. قائلا “منهم كان أقرب لي”.

وتابع: “الحال فضل مدة 3 أو 4 سنوات.. كان المرض لا يفرق بين كبير أو صغير حتى الأطفال.. في حين كان يجعلني أبي أعاونه في تسجيل الأسماء معه وأنا صغير”.

الدفاتر التي أطلعنا عليها كاتب الخفر عبارة عن كراستين قديمتين بدا عليهم القدم.. علاوة على الحبر والكتابة، أحدهما على 22 ورقة، والأخرى 18ورقة، وبعض الورق لمواليد أعوام متفرقة. مثل: 1925 و1899 وقوائم لمواليد 1903.

حوت الورقتان كل منهما على أسماء المتوفين في الأعوام السابق ذكرها، تفصيليًا.. حيث أتت البيانات عبارة عن: أولا المسلسل ثم الشهر (اسم المتوفى/ اسم الأم – البلدة التابع لها).. مع مراعاة أنه ليس لدينا دليل على اعتماد جميع أسماء وفيات الكوليرا.. لعدم وجود خانة لسبب الوفاة، إنما هناك ملاحظة قفز في أعداد الموتى في تلك الأعوام.

الكوليرا وتاريخها

يوضح  الدكتور يوسف رشدي، 64 عاما، طبيب أمراض صدرية.. أن مرض الكوليرا، ميكروب بكتيري الكوليرا وتعرف بالهيضة، الكريرة، الإسهال الصيفي.. ومسبب المرض هو باسيل الكوليرا، وهو نوع من البكتريا العصوية يفرز سمًا داخل جسم المريضة.. يعمل على زيادة إفراز خلايا الأمعاء للأملاح والماء.. ما يؤدي إلى حدوث جفاف يعقبه هبوط في الدورة الدموية.. وهو أحد الأمراض التي قررت منظمة الصحة العالمية ضرورة أن تخضع لمراقبة الحجر الصحي في الموانئ والمطارات.

لازال كبار السن في الصعيد يذكرون وباء الكوليرا الشهير 1947.. والذي انتقل من الهند المتوطن فيه عن طريق جنود الاحتلال الانجليزي.. وبدأ في معسكر الجنود الإنجليز في التل الكبير، ثم انتقل إلى بلدة القرين بمحافظة الشرقية.. وانتشر كالريح في جميع أنحاء مصر وأدى إلى وفاة 20 ألف شخصا.

وأضاف رشدي، هو مرض اكتشفه روبرت كوخ باشيل عام 1883، بمستشفى الإسكندرية الأميري عندما اجتاح مصر.. وأدى إلى حدوث أكثر من وفاة 40 ألف، وفي عام 1902حدث وباء آخر في مصر أدى إلى وفاة 35 ألف.

وذكر أن تاريخ الكوليرا طويل على مصر في مختلف العصور، حاملا الموت والخراب  من موجة وباء إلى آخر حتى عام 1920.. حتى هدأت وتراجعت لتستقر في موطنها الأصلي في الهند.

ومع بداية  الأربعينيات والستينيات، اجتاحت الكوليرا بلاد العالم وبلغت ذروتها في السبعينيات.. وكان مسببه باشيل الكوليرا أو الطور الذي اكتشفه”جو تشلشي”عام 1905، في محجر الطور في مصر. وفي 1982بدأ باشيل الكوليرا الأصلي في إحداث أوبئة للكوليرا ثابتة.

الباحث 

أما محمود مدني، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية ومدير متحف الأمير يوسف كمال بنجع حمادي، حكا عن انتشار الكوليرا في أرجاء نجع حمادي وقراها بأعوام 1906، 1945، 1946، و1975 وأوائل الثمانينيات.

الحلفاية بحري

قرية الحلفاية بحري، جاء ترتيبها الثالث من حيث انتشار الوباء بين أكبر قرى مدينة نجع حمادي مسجلة 31 ألف و925 نسمة، بعد قريتي هو وبهجورة في تعداد السكان، بحسب إحصاء 2017.

وتتبع القرية عدد من النجوع يصل لـ14منها: نجع أبوعليوة 12، نجع الشيخ الحفني، نجـع الألومنيوم، نجع مجمـع المجمعات، عـزبـة أبـوعيـش، عـزبة إبراهيم مسعود، عـزبة الكلفتية، عزبة الخليفة، عزبة السماسرية، نجع كوم شافع، عزبة الطرشى، نجع الرنانية، نجع الريقات، الشيخ علي.

ويرجع أصلها من توابع قرية هو، ثم فصلت عنها في تاريخ عام 1245هجريا، وكانت تعرف بإسم العبيدية، وهو اسمها القديم، وفي تاريخ سنة 1261هجريا، ووردت بإسم الحلفاية وفي عاما 1892، قسمت إلى ناحيتين من الوجهة الإدارية.

وعرفت هذه وهي الأصلية بالبحرية، تمييزا لها من الحلفاية قبلي وهي المستجدة، وفي عام 1897 فصلت عنها الحلفاية قبلي من الوجهة المالية بحسب ذكر المؤرخ محمد رمزي، لبلدان مصر من عهد القدماء المصريين إلى عام 1945، الذي وضعه وحققه.

 

 

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر