«سنلتقي من جديد».. قصة أول مقال لـ«هيكل» في آخر ساعة

تمر اليوم الذكرى المئوية على ميلاد الكاتب المصري الكبير والصحفي محمد حسنين هيكل (1923-2016)، أحد أشهر الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين.. «باب مصر» يتذكر معكم بعض من مقالاته الهامة.

هيكل والتابعي

«كانت تجربة العمل مع الأستاذ التابعي ممتعة، وأشهد أني تعلمت منه الكثير. ولقد وجدتني شديد الإعجاب بأسلوبه الحلو السلس، وفي البداية رحت أقلده» – هيكل من كتاب: «بين الصحافة والسياسة».

تعرَف محمد حسنين هيكل على محمد التابعي أثناء عمله في الفترة القصيرة التي قضاها بجريدة “الجازيت”. بعدها انتقل هيكل في رحلة قصيرة إلى مجلة روزاليوسف لم تستمر طويلا ولم تسفر سوى عن ثمانية مقالات وحوارين فقط.

وكان آخر ما نشره هيكل في روزاليوسف هو حوار مع إسماعيل صدقي في نهاية شهر نوفمبر 1944. في ذلك الوقت كانت حكومة الوفد قد أقيلت في 8 أكتوبر 1944 فاتخذت بعض الصحف فرصة خروج الوفد من الحكم وشنت حملة ضد النحاس باشا. ومن ضمن هؤلاء كان مصطفى أمين، الذي كان وقتها رئيسا لتحرير مجلة “الإثنين والدنيا”. وفي فترة رئاسته للتحرير كانت المجلة في أوج انتشارها ما بين عامي 1941 حتى 1944.

أراد مصطفى أمين أن ينشر في المجلة سلسلة مقالات بعنوان “لماذا ساءت العلاقات بين القصر والوفد”. ولكن صاحب دار الهلال “إميل زيدان” رفض نشر المقالات لأن مجلة “الإثنين والدنيا” ذات طابع اجتماعي خفيف لا تحتمل مقالات سياسية ثقيلة. وكان ذلك نقطة الخلاف بين مصطفى أمين وصاحب دار الهلال وهو الخلاف الذي نتج عنه خروج مصطفى أمين من مجلة الإثنين، ليفكر هو وتوأمه في إصدار صحيفة جديدة. وهو ما حدث بالفعل في نوفمبر 1944 عندما أسسا “أخبار اليوم”. وبدأ مصطفى أمين ينشر فيها سلسلة مقالاته عن العلاقات بين الوفد والقصر منذ العدد الأول.

هيكل ومحمد التابعي وأم كلثوم والقصبجي
هيكل ومحمد التابعي وأم كلثوم والقصبجي
آخر ساعة

في تلك الأجواء انتقل هيكل إلى مجلة آخر ساعة مع الأستاذ التابعي. كانت آخر ساعة مجلة وفدية ويحاول التابعي بكل جهده الوقوف أمام أخبار اليوم المعارضة بشدة للوفد. وكما ذكر هيكل فيما بعد بالنص: “كان التابعي يعتبر نفسه أستاذا لمصطفى وعلي أمين وربما شق عليه معنويا أن يرى جريدة أسبوعية سياسية جديدة يصدرانها تسبق مجلته وتفوقها بكثير من نواحي عدة”.

عندما بدأ هيكل عمله مع أستاذه التابعي في آخر ساعة كسكرتير للتحرير اقتصر إنتاجه في البداية على الحوارات الصحفية. فأجرى حوارات مع إسماعيل صدقي والدكتور هيكل وحسين سري والنقراشي وعلي ماهر، حتى بداية عام 1946. وبينما الأحوال السياسية مشتعلة بمقتل أمين عثمان وقبله بفترة قصيرة مقتل أحمد ماهر ثم محاولة اغتيال النحاس. وفي الوقت نفسه كان القصر الملكي يستعد لاستقبال الملك عبدالعزيز آل سعود، في أول زيارة رسمية له.

حاول التابعي مجاراة الأوضاع والتطورات والأحداث بإجراء تطوير على شكل ومضمون المجلة في الشكل وحجم الصفحات ليجعلها جديدة في كل شيء. إلا في خطتها التي سارت عليها وهي الصراحة في الحق – على حد تعبير التابعي. فعندما أصدر محمد التابعي آخر ساعة في يوليو 1934 كان الإخراج الفني للمجلة يأخذ طابع مشابها لمجلة روز اليوسف. من حيث حجم قطع الورق وصورة الغلاف التي كانت غالبا ما تكون إحدى رسومات الفنان صاروخان.

الشكل الجديد

استمر شكل المجلة 12 عاما حتى يناير 1946 بواقع 588 عددا. وفي العدد الصادر يوم 13 يناير 1946 كتب التابعي مقالا بعنوان: “آخر عدد وأول عدد” كان يودع في ذلك المقال الشكل القديم للمجلة. ويستأذن القارئ في إجازة أسبوعين من الصدور حتى تنطلق المجلة بعد ذلك شكلها الجديد، فكتب التابعي:

“صدر العدد الأول من هذه المجلة في عام 1934 وكان- يومها- جديدا في كل شيء، ولكن الجديد لم يعد جديدا، والفضل لشجاعة السطو والتقليد. ولقد رأينا- أصدقائي وزملائي في تحرير هذه المجلة- أن الوقت قد حان لعمل شيء آخر.. شيء جديد إن كان هناك بقية في دنيا التجديد. ولكننا اليوم أحرص من أن نسرف في الوعود أو نمني القارئ بالمعجزات وقد مضى زمن المعجزات. كل ما نستطيع أن نقول هو أننا قد أجهدنا أنفسنا لكي نقدم شيئا جديدا.. أو على الأقل شيئا آخر غير الذي ألفه القراء.

وأننا عبأنا لهذه الغاية طائفة من الأقلام لبعضها طرافة الجديد ولبعضها عراقة القديم. وأن أقصى ما نرجوه هو أن نلقى التقدير الذي نستحقه ولا أكثر. ولقد رأينا أن نترك فترة بين العهدين. بين آخر ساعة كما عرفها القراء وآخر ساعة كما سيراها القراء. وعلى بركة الله إذن تحتجب آخر ساعة بعد هذا العدد لتستأنف الظهور أول فبراير بمشيئة الله في شكلها الجديد.

الجديد في كل شيء إلا في خطتها التي سارت عليها وهي الصراحة في الحق، والشجاعة في الحق أو على الأقل ما نؤمن أنه الحق. والاستقلال في الرأي ولكن على النحو الذي نفهمه نحن من معنى الاستقلال في الرأي. وإلى أول فبراير بمشيئة الله ….. محمد التابعي”.

مقال هيكل سنلتقى من جديد
مقال هيكل سنلتقى من جديد
هيكل يكتب المَقال الختامي لمرحلة من مراحل آخر ساعة

وفي العدد الختامي الذي ودَع فيه التابعي الشكل القديم للمجلة، طلب من هيكل أن يكتب أولى مقالاته في آخر ساعة بعد خمس حوارات أجراها كانت هي كل إنتاج محمد حسنين هيكل الصحفي وقتها في المجلة. وبالفعل كتب هيكل أول مقالاته في آخر ساعة بعنوان “سنلتقي من جديد”.

وكان المقال ملحمة حُب من التلميذ للأستاذ، وكان هذا المقال هو أول ما يكتبه هيكل عن التابعي ودوره في المجلة وتأثيره الكبير على العاملين بها. بل وللمفارقة أن هيكل في نفس المقال تحدث ولأول مرة أيضا عن مصطفى أمين ولم يكن قد التقى به بعد. فقد كتب ما سمعه عنه من الزملاء القدامى في المجلة. وكان أول لقاء مع هيكل والتوأمين مصطفى وعلي أمين بعد هذا المقال بأشهر قليلة، عندما قرر الأستاذ التابعي ترك المجلة والتخلي عنها للتوأمين.

كاريكاتير صاروخان
كاريكاتير صاروخان

وكتب هيكل في نفس المقال عن صاروخان والدكتور سعيد عبده وعن حسين شقيق التابعي. ومن المدهش أن صاروخان قد رسم كاريكاتير معبرا عن مقال هيكل عبارة عن الأستاذ التابعي وخلفه صاروخان وسعيد عبده ثم هيكل يتبعهم. وهم الأربعة الذين انتقلوا إلى أخبار اليوم بعد كتابة المقال بأربعة أشهر وكأن صاروخان يقرأ الغيب ويطلع على ما لم يكن قد فكّر فيه التابعي بعد.

العدد الأخير

كتب هيكل: “هذا هو العدد الأخير من آخر ساعة على الشكل الذي يراها فيه القراء الآن. وبعد أسبوعين تعاود آخر ساعة صدورها في شكل جديد.. جديد كل ما فيه تحرير المَجلة وحجمها وطبعها، وحتى الدار القديمة انتقلت منها أقسام التحرير إلى دار جديدة. ذلك جَوٌّ عشنا فيه سنوات طويلة عزيزة منذ خرجت آخر ساعة إلى الناس مع عيد الحرية في 14 يوليو 1934حتى اليوم.

وهي الآن تغادر لتجدد شبابها من جديد.. ولن تذهب تلك السنوات الطويلة العزيزة إلى زوايا النسيان، فهي صفحات باقية من التاريخ ومن عُمْر آخر ساعة ومن عُمر كل مَن عمل فيها خلال تلك السنوات. وهي حلقة من تطور الصحافة المصرية شئنا أو أراد التواضع ألا نشاء”.

ويتابع هيكل: “هناك عملنا وفكرنا وكتبنا وجرينا وراء أخبار أقامت وأقعدت أحزابا وحكومات وهذا تاريخ شاركنا فيه قراء آخر ساعة. فقد عاشوه معنا وعشناه معهم ولنا فيه ذكريات مشتركة مازالوا يذكرونها ومازلنا كذلك. وهناك ذكريات أخرى لنا وحدنا لم يعرفها القراء ولم يعيشوها معنا وهي ذكريات فيها حلاوة الأمل وفيها لذة النجاح وفيها مرارة الفشل يجمعها كلها روعة العمل الصحفي وجماله”.

غرفة ستالين

ثم يبدأ هيكل في الحديث عن التابعي وحجرته واصفا التابعي بستالين ومكتبه بـ”حجرة قيادة ستالين”: “كنا نُسمي حجرة الأستاذ التابعي “قيادة ستالين”. وهذه أول مرّة سيعرف فيها الأستاذ التابعي ذلك عندما يقرأ المقال، إلا أن كان عرفها من قبل من زلة لسان أحدنا وآثر أن يسكت. وأن يتغاضى، وكم شهدت هذه الحُجرة وكم رأت، وذلك وحده تاريخ يملكه هو وتملكه جدرانه الصامتة، وأعرف أنه سيسكت ولا يرويه، وأعرف أن الجدران ستظل صامتة كعهدي بها وليس من حقي أنا أن أقول شيئا.

وإن كنت أرجو أن يتنازل الأستاذ التابعي عن عناده فيرويه ذات يوم ولكن هذا حديث آخر.. ولنعد إلى الحُجرة نفسها.. إلى قيادة ستالين. كثيرون منا وقفوا أمامها حيارى بين الرغبة والحرج، كلنا يتمنى أن يدخل وكلنا يشفق من الدخول. والأستاذ التابعي مثل ستالين فعلاً لا يحب الكلام والمناقشة ولا التفاهم أحيانًا، وهذه في نظري أحد عيوبه، وإن كان لغيري رأيٌ آخر. وعندما كان الأستاذ التابعي يدق جرسه يستدعي أحدنا إلى” قيادة ستالين “كان الباقون يقولون له: دقت الأجراس للأبطال وبعضنا كان يعود من القيادة بطلا وآخرون كانوا يغادرونها أسرى وجرحى وقتلى في بعض الأحيان”.

وربما كان هيكل على حق حين قرأ ما بداخل أستاذه التابعي جيدا وعرف قبل الجميع أن الجدران الصامتة ستظل صامتة. وأن التابعي سيسكت ولن يروي إلا القليل بل وأقل من القليل.

صاروخان بقلم هيكل

ويتحدث هيكل عن صاروخان ذلك الفنان الذي شهد وعاصر بدايات هيكل الصحفية ورسم هيكل كثيرا.

يكتب هيكل: “إلى جانب حجرة الأستاذ التابعي الهادئة كانت هناك حجرة أخرى صاخبة ثائرة ولا عجب فصاروخان هو الرجل الذي أضحك الملايين وإن كان أبكى قليلين.. أضحك صاروخان ملايين القراء وأبكى عددا من السياسيين وغيرهم تناولتهم ريشته اللاذعة بالسخرية. كان صاروخان ترمومتر الحالة الدولية والحربية.

في اليوم الذي كان يدخل رافعا صلعته في كبرياء يدب على الأرض بقوة تذكر خطواته الأوزة كنا نعرف أن الحالة على ما يرام بالنسبة للروس. لابد أن يكون ستالين قد حاز نصرا أو زوكوف قد احتل بلدة جديدة. وعندما كان صاروخان يدخل وصلعته إلى أسفل وجبينه مقطب كنا نفهم أن الروس يتقهقرون. واليوم الذي دخل فيه الجيش الأحمر إلى برلين لم يستطع أحدنا أن يخاطب صاروخان بكلمة واحدة، لأن صاروخان لم يسمح لأحد أن يقترب منه إلا زاحفا على ركبتيه”.

القسم الذي يعز ويذل

ثم يتحدث هيكل بأسلوب ساخر عن قسم الإدارة المالية بالمجلة والتي كان يتولاها حسين التابعي شقيق الأستاذ التابعي. فيقول: “إلى جوار حجرة صاروخان كان هناك قسم آخر تتطلع إليه الأيدي وتخفق له الجيوب، ذلك هو قسم الإدارة المالية. هناك كان يربض صديقنا حسين التابعي أو وكيل البطرك كما أسماه البعض وأبرز ما في حسين طيبته التي كانت تصدر عنها ثورته وهذا أعجب ما فيه. كان دائما يتحمس ودائما يثور وعمره ما عرف الوسط، وإسراف في المجاملة وإسراف في الثورة وكل ذلك كان عن طيبة ولعل عيبه أن إقناعه سهل لأنه يؤيد دائما آخر رأي سمعه”.

مصطفى أمين لأول مرة

ويتحدث هيكل عن مصطفى أمين لأول مرة وقبل أن يلتقيه بفترة قصيرة، يذكر هيكل موقف طريف حدث بين مصطفى أمين وعبود طنطاوي عامل التليفونات في آخر ساعة.

يقول هيكل: “اسمعوا القصة التالية واحكموا بعدها على عمال تليفون آخر ساعة. ذات يوم وكان مصطفى بك أمين لا يزال محررا في آخر ساعة، كان يتحدث مع رفعة أحمد حسنين باشا حول مسألة سياسية هامة. وسأل مصطفى بك رئيس الديوان الملكي سؤالا رأى رفعته أنه لا يمكن الإجابة عليه بالتليفون خوفا من أن يكون هناك من ينصت للحديث. وقال مصطفى بك إن هذا غير ممكن عمليا وهل يستطيع أحد أن يتسمع؟”.

فقال حسنين باشا: – يصح أن يكون عامل التليفون مثلا!

ولم يكمل حسنين باشا كلامه لأنه فوجئ بصوت ثالث يتدخل في الخط وهو يقول مخاطبا رفعته:

– ما يصحش يا رفعة الباشا ودي تيجي.. أنا عمري ما اسمع!

سعيد عبده وإبراهيم الورداني ورمسيس والصاوي

كان هيكل يسمى قسم التحرير بـ”عش النسور” يقول: “كنت تدخل فترى الدكتور سعيد عبده يلقي قصيدة كتبها هجاء في أحدنا أو ترى إبراهيم الورداني يروي آخر مغامرة له. بينما يؤكد له الدكتور سعيد عبده أن دوره لم يتعد فيها الدور الذي يقوم به في قصصه دائما أي مجرد تأليف القصة لا أكثر. أو كنت ترى رمسيس يتحدث عن البلقان أو سعد الذي لا حديث له إلا عن فرنسا والسوربون حتى ليعتبر منافسا خطيرا للصاوي في حبها.

وقد تسمع أحمد حسن في مناقشة خاصة مع الآنسة إحسان السيد، محررة القسم النسائي وموضوع المناقشة أيهما أحسن موسيقى عبدالوهاب أم موسيقى سيد درويش. والعجيب أن أحمد حسن وقد جاوز الأربعين هو الذي يؤيد عبدالوهاب. بينما فتاة العشرين معجبة بسيد درويش”.

التابعي يهدد بالرحيل

يتابع هيكل ليصل إلى نقطة هامة وقد تحققت بعد أشهر فقط. فيقول إننا نعمل الآن لنحقق حلمنا جاهدين ليخرج الحلم إلى عالم الحقائق وأن آلة التهديد التي يشهرها عليهم التابعي هي تلغراف من عشر كلمات صدر من سان موريتز في سويسرا من صديق قديم للتابعي هو الكولونيل بون.

وقد أبرق للتابعي يسأله عما إذا كان يرغب في أن يحجز له جناحه هذا الموسم في سويسرا حيث الثلوج والقلوب والذكريات. ويوم وصل هذا التلغراف إلى التابعي قال للمحررين في هدوء: إما أن تعملوا وإما أن تدعوني أسافر إلى سان موريتز.

ويقول هيكل: “وفكرنا وفكرنا أن الكولونيل بون ينتظر ولكن قراء آخر ساعة ينتظرون. فلينتظر الكولونيل ولتنتظر سان موريتز والثلوج والقلوب والذكريات وأخشى جدا أن انتظارهم سيطول”.

آخر ساعة في عهدها الجديد

انتهى مقال هيكل بهذه الأمنية والتي لم تتحقق فبعد أشهر قليلة وتحديدا في مايو 1946 قرر التابعي ترك المجلة لمصطفى وعلي أمين والتنازل عنها لتنتقل ملكية المجلة إليهما مع شكلها الجديد وعهدها الجديد الذي لم يستمر فيه التابعي طويلا كصاحب المجلة.

وبداية من العدد الصادر في الأول من مايو 1946 كانت ملكية آخر ساعة تنتقل رسميا من التابعي إلى الأخوين مصطفى وعلي أمين، ليكتبا بيانًا بعنوان: “آخر ساعة في عهدها الجديد”، ونصه: “باسم الله تبدأ جريدة آخر ساعة عهدها الجديد. وكما قالت أخبار اليوم عند إنشائها أنها جريدة يصدرها شبان مصريون، وأنها تريد أن تثبت أن المصريين يستطيعون أن يديروا جريدة ناجحة. فإن آخر ساعة تقول أنها جريدة يصدرها شبان مصريون وأنها تريد أن تثبت أن المصريين يستطيعون إصدار جريدتين ناجحتين. فباسم الله نفتتح أعمالنا والله معنا.. مصطفي أمين وعلي أمين”.. لتبدأ قصة أخرى.

ويبدأ هيكل أيضا في الانطلاق بسرعة البرق ليصبح واحدًا من أهم وأشهَر الصحفيين في تاريخ آخر ساعة وأخبار اليوم، والتي انتقل إليها مع انتقال ملكية “آخر ساعة” إلى مصطفى وعلي أمين. وتستمر رحلة هيكل في آخر ساعة حتى أغسطس 1959.

هيكل يودع أحمد الصاوي وعلي أمين
هيكل يودع أحمد الصاوي وعلي أمين

ويطلب أحمد الصاوي وعلي أمين من هيكل أن يكتب كلمة لهما في آخر ساعة. فيكتب هيكل مودعا إياهما قائلا: “سأظل دائمًا أدرى الناس بنوع المشاكل والأعباء التي يواجهها رئيس تحرير آخر ساعة ومدير تحريرها. فلمدة عشر سنوات أو أكثر شغلت هذين المَكانين، وواجهت فيهما مثل الذي يواجهه الصاوي وعلي أمين اليوم. وستظل آخر ساعة بالنسبة لي دائمًا زهرة عُمْر وأمَل شباب. هكذا فإنه حين قيل لي: اكتب قلت على الفور: حاضر. ولم تكن حاضر تلك التي قلتها مجرد استجابة لواجب وإنما كانت أيضًا خفقات قلب وحنينا إلى صبا وشباب”.. وكانت هذه هي آخر إطلالة لهيكل على مجلة آخر ساعة بمقال بعنوان “الخطر القادم” في 12 أغسطس 1959.

هيكل يعود للحديث عن التابعي ويعترف بفضله

وبعد سنوات طويلة يعود هيكل للحديث عن أستاذه التابعي مرة أخرى. فبعد أن كتب عنه لأول مرة في يناير 1946 عندما كان هيكل يبدأ أولى خطواته معه. عاد يكتب ويعتذر للتابعي عندما طُلب منه كتابة مقدمة للطبعة الجديدة من كتاب التابعي “أسرار الساسة والسياسة”.

فكتب: “هذه السطور من القلب هي تقديم اعتذار للأستاذ التابعي عن درجة من النسيان لاسمه وقيمته لحقت ذاكرة أجيال جديدة من القراء بغير ذنب عليهم. لأن المسؤولية فيه واقعة بالحق على ناحيتين، أطراف ظلمت الرجل من جهة، وعوائد ترسبت بعموم على جهة أخرى.

إني لا أقدم كتابا للتابعي لكني أقدم اعتذارا وذلك بالفعل شعوري إزاء رجل اعتبره من أساتذتي الكبار وأستاذ لكثير غيري من الجيل نفسه الذي خطا إلى عالم الصحافة أعقاب الحرب العالمية الثانية وبالتحديد مع مطالع الأربعينات من القرن العشرين”.

اقرأ أيضا:

ملف| محمد حسنين هيكل: الروائي الكامن.. والشاعر المقموع

«الناصرية» بين يوسف حلمي ومحمد حسنين هيكل

«هيكل» يحاور «هيكل»

محمد حسنين هيكل مؤرخا.. إرث محل جدال

للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي:

Babmsr Newsletter

النشرة الإخبارية الشهرية
مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر