رمضان في إعلانات مصر.. حاجة تانية!

أول وأكثر ما يطالعك ويبقى في أذنيك وعينيك ذاكرتك من تليفزيون رمضان هو الإعلانات التي تتدفق بلا توقف، تتكرر، على كل القنوات، تقطع المسلسلات والبرامج بلا استثناء، ليس مرة أو مرتين، ولكن خمس مرات، وتستمر كل فقرة إعلانية منها لخمس دقائق، سوف تتضاعف بالقرب من نهاية الشهر، فيصبح إجمالي وقت الإعلانات لحلقة مسلسل أو برنامج ناجح أطول من زمن المسلسل نفسه مرة ونصف أو مرتين.

مبدئيا لا اعتراض على الإعلانات في حد ذاتها، فهي التي تمول القنوات والأعمال المعروضة في النهاية، خاصة وأن هذه القنوات مجانية لا تعتمد على اشتراكات أو مقابل من أي نوع، إذا استثنينا فاتورة الكهرباء.

لكن عدم الاعتراض على المبدأ لا يعني أن نقبل بكل وأي شئ يفرضه صاحب المال والقنوات والهيئات المنوطة بتنظيم ومراقبة الإعلام.

فيما يلي بعض الملاحظات المعتادة والجديدة حول إعلانات هذا العام:

1

لمن تتوجه هذه الإعلانات؟

المشاهدون منقسمون اليوم بين من يملكون قيمة الاشتراكات في المنصات التي تبث موادها مبكرا وبدون إعلانات أو قطع من أي نوع، وبين العامة الفقراء الذين لا يملكون ثمن اشتراك المنصات.

طيب، لمن تتوجه إعلانات المجمعات السكنية الفاخرة التي تصل قيمة الوحدة الصغيرة منها إلى بضعة ملايين؟ لو كان المشاهد يملك ثمن وحدة منها لما اضطر أن يشاهد القنوات المجانية، وبما أنه مضطر لمشاهدة القنوات المجانية لأنه لا يستطيع الاستغناء عن قيمة اشتراك منصة، فهل يعقل أن نحاول إقناعه بشراء وحدة سكنية تفوق قيمة دخله مدى الحياة؟!

2

على النقيض من إعلانات المدن الجديدة، تفيض الشاشات بإعلانات “الشحاذة” وطلب التبرعات، وهي ظاهرة قلما جاد الزمان بمثلها في العالم أن تنفق المؤسسات “الخيرية” مليارات على الإعلانات من أجل جمع مليارات تنفق منها على مزيد من الإعلانات، وكله باسم فعل الخير والدين، والطريف أن هذه الإعلانات، مثل اعلانات المدن الجديدة، لا تتوجه إلا للفقراء الذين يحتاج معظمهم إلى هذه التبرعات، ومع ذلك لا تتورع هذه الإعلانات عن اقناع حتى الأطفال الصغار بالتبرع بالجنيهات القليلة التي يملكونها!

3  

أكثر المعلنين تنافسا وضراوة هم شركات الاتصالات الأربعة، وكل منهم يتبارى في الاستعانة بـ”المحترفين الدوليين” من كبار النجوم، وفي بث أكبر عدد من الدقائق على كل القنوات على مدار اليوم. ومن المفهوم أن تنفق هذه الشركات كل هذه الملايين، فهم يكسبون من بيع “الهواء” حرفيا، ولا يدركون قيمة المال، ولا ما يمكن أن تفعله هذه الأموال الطائلة التي ينفقها المصريون على “الكلام الفارغ” على الهاتف الذي يضيعون فيه 10% من عمرهم أو أكثر (حسب دراسة للجهاز المركزي للاحصاء ينفق المصريون، إجمالا، حوالي سبع سنوات من أعمارهم في الحديث على الهاتف، بينما ينفقون حوالي ثماني سنوات فقط من أعمارهم في العمل!). وهي ظاهرة إجتماعية وإقتصادية مأساوية تفوق خسائرها كوارث الحروب وحرائق الغابات، ولكنها ليست موضوعنا اليوم.

**

لنعد إلى شركات الهاتف المحمول التي أصبحت تحتال على جيوب المواطنين “عيني عينك” بلا رقابة أو عقاب، ويمكنك أن تسأل أي مواطن عن أنواع الاحتيال التي تعرض لها خلال العام الماضي من شركة أو شركات المحمول التي يتعامل معها. هذه الشركات تحمل بالفعل شخصية المحتال الذي لا يعرف قيمة المال، والذي ينفق ببذخ على المظهر الخارجي لأنه يحتاج إلى اخفاء باطنه، كما يحتاجه إلى التمويه وتشتيت أنظار البسطاء الذين يحتال عليهم بالبريق الزائف. وحتى لا أطيل في موضوع يحتاج إلى حملات توعية وحملات قانونية ضد “النصب العام” الذي يتعرض له المصريون من قبل شركات المحمول سأكتفي بذكر ملحوظتين صغيرتين:

لو حسبنا ما أنفقته شركات المحمول الأربعة على إعلانات رمضان على الشاشات والاذاعات والشوارع، فسوف يصل الاجمالي إلى حوالي نصف مليار جنيه. وحسب إحصائية نشرتها محطة CNBC عربية في ديسمبر الماضي، ينفق المصريون 60 مليار جنيه على خدمات المحمول سنويا، وفي استطلاع لهيئة العاملين بأجهزة المحمول ومستلزماته ينفقون حوالي 50 مليار على شراء الهواتف ومستلزماتها سنويا.

مع ذلك لم تفكر أي من شركات المحمول أن تقوم، مثل معظم الشركات في معظم أنحاء العالم، بتهنئة عملائها بعمل خصم أو مضاعفة الخدمة مجانا أو عمل مشروعات تفيد هؤلاء البسطاء الضائعين الذين ينفقون “عشر” عمرهم و”ربع” دخلهم على “الكلام الفارغ”.

4

جرب أن تغلق صوت التليفزيون وتشاهد الإعلانات. لن ترى سوى أناس يتراقصون ويبتسمون كما لو كانوا مجموعة من مرضى الهيستيريا في طقس “زار”، أو مجموعة من السكارى في ديسكوتيك.

جرب أن تبعد نظرك عن التليفزيون وتستمع للإعلانات. لن تسمع سوى موسيقى صاخبة عنيفة تسعى جاهدة للاستيلاء على أذنيك واحتلالها مهما كان الثمن!

5

ليس هناك اعتراض من ناحية المبدأ على الإعلانات أو على قيام نجوم السينما والدراما بعمل إعلانات.. ولكن..

كيف يليق بنجم يلعب دور ضابط وطني يضحي بحياته في الحرب على الإرهاب أن يقطع مسلسله على إعلان يظهر فيه النجم نفسه يتراقص ويغازل الفتيات أو يلعب في الملاهي؟. وكيف يليق بنجمة تلعب دور مطلقة فقيرة معذبة أن يقطع مسلسلها على إعلانات تظهر فيها وهي تتراقص وسط الحدائق الغناء في مدن ومواقع أشبه بالجزر المنعزلة عن حياة أغلب المصريين؟

اللياقة، يا سادة، جزء من صورة النجم وتأثير أعماله على الجمهور. اتركوا التهريج لرامز جلال وتعلموا اللياقة من ياسر جلال!

اقرأ أيضا

قبل ساعات على الأوسكار: القائمة الكاملة للفائزين والمستحقين

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر