صاحب آخر نول قديم بإسنا: الموضة قضت على «الباروتي» و«عين العجلة»

يعتبر الزى الإسناوي القديم جزءا من تراث المدينة. إذ كانت السيدات قديما ترتدين «الباروتي» و«عين العجلة» أثناء خروجهن من المنزل. اندثرت هذه الأزياء حديثا ولم يتبق سوى نول واحد من أصل 60 مازال يعمل في هذه الصناعة.. «باب مصر» يلتقي العم يني، صانع الزى الإسناوي، وصاحب آخر نول قديم بالمدينة.

آخر نول قديم

يني ونيس جادالله، 73 عاما، يعمل في صناعة الفركة بنقادة جنوب محافظة قنا، حيث ولد هناك وانتقل مع والده إلى إسنا، وعاشا فيها إلى الآن. يقول جاد الله: “عملت في هذه المهنة منذ أن كان عمري 12 عاما مع والدي وجدي، فوالدي من علمني هذه المهنة والصنعة، التي أوشكت على الاندثار ولم يتبق سوى ما يصنعه بنفسه كل بضعة شهور”.

وتابع: كان والدي وجدي يعملان في صناعة الفركة بنقادة ويصدرانها إلى التجار في السودان، وكانت ترسل على هيئة طرود للتجار. ثم يتحصلان على سعرها فالفركة تشبه الحبرة ولكنها ملونة.

يوضح جادالله أنه عندما جاء مع والده بدأ في تصنيع “الباروتي” وهو عبارة عن زى ترتديه سيدات إسنا ويكون مغطي الجزء العلوي من الجسد بما فيها الرأس. ولكنه اندثر بسبب ارتفاع سعره. إذ كانت ترتديه السيدات الأثرياء من كبرى العائلات مثل بيت مجاهد في إسنا.

ونوه إلى وصول سعر “الباروتي” إلى 8 آلاف جنيه، وهو ما تسبب في اندثاره، ولا يصنعه أحد. خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الخام التي تكون مستوردة من الخارج، فضلا عن مشقة صنعه، وقلة الإقبال عليه فتحول الباروتي إلى تراث.

عين العجلة

أما “عين العجلة” وهو نوع آخر من الزى الإسناوي، فقد اختفت صناعته أيضا. حيث كان يصنع من خيوط الحرير الأصلية وأكبر من الباروتي والفرخة، وسعره مرتفع أيضا ما أدي لاندثاره وعدم ارتداءه من قبل سيدات إسنا.

يقول جادالله: “لم يتبق سوى القليلات من السيدات ترتدين الحبرة والفرخة بشكل معين. فقديما كنا نشترى الحرير الأبيض السادة ونقوم بصبغه وتلوينه داخل بيتنا على النيل. وكنا نستورد براميل الصبغة من الخارج، ولكن منذ فترة أشترى الخيوط جاهزة وملونة وهذا أكثر راحة من السابق”.

وتابع: السدوة كنت أصنعها بنفسي ولكن الآن أجلبها من نقادة، بسبب ظروفي الصحية. خاصة أنها تستغرق وقتا طويلا في الصنع، وكان يتراوح سعرها ما بين 200 إلى 300 جنيه، ولكن الآن أصبح سعرها نحو 6 آلاف جنيه للسدوة الواحدة. ما يضطرني الآن لصناعة الفرخة والحبرة وبيعهما لتجميع ثمن السدوة.

يضيف، الزى “الباروتي” و”عين العجلة” كانا عليهما إقبالا كبيرا في إسنا، ولكن هذا الإقبال اختفى منذ 15 عاما تقريبا. والآن هناك إقبال ضعيف على “الفرخة” و”الحبرة”، وحاليا أنا الشخص الوحيد الذي مازال يعمل في صناعة الزى الإسناوي القديم، بعد اتجاه الجميع نحو الزى الحديث.

ويقول: “في إسنا كان حوالي ما يقرب 60 نولا لصناعة الزى الإسناوي القديم، وكانوا جميعهم لا يستوعبون طلبات السيدات ممن يقبلن على صناعة الزى. ولكن الآن لا يوجد سوى نول واحد فقط مازال يعمل في هذه المهنة. رفض أولادي تعلمها والعمل فيها لأنها بالفعل اندثرت. فأنا على مدار الشهر لا استطيع صناعة سوى قطعة أو اثنين على الأكثر”.

الزى الإسناوي

وتقول فاطمة محمد شعبان، إحدى سيدات إسنا: “ارتدي الفرخة الإسناوية القديمة، عند خروجي من المنزل. وقديما كانت تصنع على النول القديم وسعرها مرتفع منذ سنوات طويلة. وكان هناك أكثر من نول في المدينة أحدهم في شارع الجميلي خلف الكنيسة، وآخر في شارع المنشية. ولكن الآن أصبح الزى يباع في محلات الأقمشة حسب النوع والجودة”.

وتابعت: الفرخة ترتديها السيدات الكبار بينما الحبرة التي يتوسطها خط لونه موف أو بنفسجي. ترتديها العرائس المتزوجات حديثًا. لابد وأن تضعها العروسة في جهازها وترتديها عند خروجها من المنزل.

تشير شعبان إلى أن الخط واللون الذي يتوسط الحبرة والفرخة يحدد عمر السيدة أثناء مرورها في الشارع أو انتقالها عند أي من الأقارب. وتذكر أنها ارتدت الفرخة منذ أن كان عمرها 16 عامًا قبل زواجها بأشهر قليلة. وأنها كانت مجبرة على ذلك لأنها كانت ثقيلة على الرأس، ولكنها الآن تعودت عليها ولا تستطيع الخروج بدونها.

النول قديما

يقول محمد محيي، باحث دكتوراه وأحد مثقفي إسنا: “الحبرة يعود أصلها إلى اليمن، فهي زى يمني قديم ويعني الثوب أو الزينة، وهو ما تتزين به المرأة. وهنالك رأى آخر يقول إن هذا الزى يأتي من الكنيسة بإسنا لأن صناع الزى الإسناوي القديم من الكنيسة”.

وتابع: مدينة إسنا كانت تحتوي على 60 نول قديمًا، ولكن حاليًا لا يوجد سوى نول العم “يني”. فهذا الزى يُلبس بطريقة معينة من فوق غطاء الرأس على هيئة مثلث لا يُري منه إلا رموش أو عيون السيدة حتى تستطيع أن ترى الطريق وهي تمشي.

ويذكر أن الحبرة جزءا من أساسيات جهاز العروسة ولها لون معين تتميز به، بينما الفرخة أو الباروتي للسيدات كبار السن تتميز بلون معين غامق، وكان يأتي الزبائن إلى إسنا مخصوص في العصور الإسلامية ليأخذون ما يسمى بـ”الشوار” يعني جهاز العروسة من شارع القيسارية، من بينها الحبرة، والتي كان عليها إقبال كثير في الماضي، بينما الآن لا ترتديها أي من الفتيات، حتى السيدات المسيحيات يلبسونها في إسنا ولكن بطريقة مختلفة عن المسلمات.

اقرأ أيضا

اكتشاف تمثال لأبو الهول شرق معبد دندرة بقنا

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر