طب الفراعنة| المصري القديم.. أول من وضع أسس «الطب الوقائي»

“كان أسلوب حياة قدماء المصريين مرتبًا، كأن طبيبًا نظمه وفقًا لقوانين الصحة، لا مشرعًا مبكرًا للقوانين”.. هكذا قال سمير الجمال في كتابه “تاريخ الطب والصيدلة المصرية، الذي يشير فيه إلى أن الفرعنة أول من أسس الطب الوقائي.

ويشير الجمال إلى أن المصريين القدماء أسسوا أول نظام في التاريخ، لرصد تأثير البيئة المحيطة على صحة الإنسان، كما توصلوا لطرق وقائية تقلل فرص إصابتهم بأمراض ناتجة عن أسباب بيئية، كما لاحظوا أن اختلاف طرق الحياة بين طبقات المجتمع يؤدي لاختلاف طبيعة الأمراض، مثلا – وبحسب الجمال – تزيد فرص إصابة صائدي السمك عن غيرهم بالبلهارسيا، نتيجة تعرضهم للدغات البعوض في المستنقعات، كما لاحظوا أن الاغنياء أكثر عرضة للإصابة بعسر الهضم وأمراض المعدة، بسبب إفراطهم في تناول الطعام.

النظافة

ويلفت الجمال إلى أن أولى مبادئ الطب الوقائي عند القدماء المصريين تتمثل في اهتماهم البالغ بالنظافة، بدء من النظافة الشخصية حتى العناية بنظافة الميادين والطرقات، مشيرًا إلى أن مدونات الرحالة اليونانيين، التي ترجع إلى القرن الميلادي الأول، أبدت إعجاب هؤلاء السياح بالمظاهر المتنوعة للنظافة في مصر، ورصدهم ممارسة المصريين القدماء عمليات غسل الأيدي قبل وبعد الأكل، وغسل أواني الطعام والشراب والملابس، واستخدامهم لمادة الصودا بديلا عن الصابون.

ويلمح الجمال أيضًا إلى أن ما ذكره هيرودوت من عادة المصريين باستخدام الملينات والمقيئات لمدة ثلاثة أيام كل شهر لتنظيف أمعائهم وأجوافهم من المواد الضارة والبكتيريا، وحرصهم رجالا ونساء على إزالة الشعر من الأماكن غير المرغوب فيها، واستخدامهم لأنواع من الدهانات لتطهير جلودهم من الطفيليات الناتجة عن تعرضهم لعوامل الطبيعة.

مكافحة بيئية

بحسب يوليوس جيار، في كتابه “الطب والتحنيط في عهد الفراعنة”، فقد أدرك الطبيب المصري أن الذباب والبعوض من أخطر ناقلات المرض، لذلك فقد اتخذ عدة تدابير لمكافحتها ومنع انتشارها، من خلال القضاء على البيئة المساعدة على تكاثرها، بنظافة الطرقات والميادين العامة والاهتمام بالنظافة بشكل عام، إضافة إلى اتخاذ إجراءات مقاومة لدغاتها من خلال اختراع الناموسية، التي كانت توضع فوق السرير لمنع عض البعوض، كما استخدموا بعض الدهانات التي توضع على الجلد لطرد البعوض.

وتشير القماطي إلى أن جهود المصريين في محاربة القوارض سواء بالحقول أو المنازل كانت واضحة، منوهة إلى تعدد مناظر مكافحة الفئران في المعابد والمقابر المصرية، ولافتة إلى أن المصري بالرغم من أنه اعتبر أن القوارض نوع من الابتلاء الإلهي وغالبا ما حارب تلك المخلوقات بالصيغ السحرية والصلوات، إلا أنه ابتدع نوعا من الطلاء يتكون من روث القط، كان يدهن به الأرضيات لمنع الفئران، ويعتقد جيار أن الطبيب المصري أدرك أن الفئران تنقل نوعا من المرض اعتبره مرضا فتاكا وقاتلا ويصعب علاجه  والذي عرف فيما بعد باسم مرض الطاعون.

بلهارسيا

يلمح جيار إلى أن الطبيب المصري توصل إلى أن البعوض ينقل أمراضا طفيلية تصيب الكبد وتؤدي إلى أعراض دموية، منها عرض البول المدمم، والذي لوحظ بأنه يرتبط بمرض البلهارسيا، كما عرفوا مضاعفات المرض والتي كان أبرزها مرض “عاع”، الذي يشير إلى مرض فقر الدم أو الأنيميا، نتيجة النزيف المتكرر بسبب البلهارسيا، ومرض داء الفيل والذي عرفه المصري القديم، وأشير إليه في المنظر الشهير لحاكمة بونت بمعبد الدير البحري (1500 ق.م)، وظهرت الحاكمة بساقين مصابين بداء الفيل، وهو أحد الأمراض الناتجة عن عدوى البعوض.

السلامة المهنية

بحسب اليو برونوا،  في كتابه “الطب في زمن الفراعنة”، فقد اهتم الطبيب المصري، بما يعرف حاليا بمخاطر المهنة.. ولاحظ  تنوع واختلاف مظاهر المخاطر من مهنة إلى أخرى.. فلاحظ مثلا أن عمال المناجم  والبنائين أكثر عرضة للإصابة بآلالام المفاصل والساعدين.. ملمحا إلى أنه حسب النصوص الطبية.. فقد خصص لكل معسكر عمل طبيب مقيم.. يقوم بمناظرة الحالات الطارئة أو الناتجة عن ممارسة المهنة بشكل عام.. معتقدا أن ذلك كان يسهم بشكل كبير في تفادي تعرض العمال إلى إصابات تمنعهم عن مواصلة العمل، ما قد يؤدي إلى توقف العمل بشكل كلي.

ويتابع: كما لاحظ الطبيب المصري أن الكتبة غالبا ما يصابون بالإمساك نتيجة جلوسهم لساعات في وضع القرفصاء.. لذلك كانت تعطى لهم الملينات بشكل أكبر من المعتاد.. كما يشير برونوا إلى أن الفلاح قد نال قسطا كبيرا من الرعاية الصحية.. معتقدا أن أول نظام للتأمين الصحي على الفلاحين يرجع إلى العصور القديمة.. تحديدا عصر الأسرة الرابعة (2465 ق.م).. إذ تشير النصوص إلى أنه كان يعين طبيب متفرغ في الحقول لعلاج الفلاحين وأسرهم.

الطب الوقائي عند الفراعنة

ويلمح جيار في كتابه إلى أن المصري القديم اتبع نظام حياة صحي.. بعتمد على عدم الإفراط في الطعام وممارسة الرياضات المتنوعة.. كما اهتم بتطهير مياه الشرب وتنقيتها من الشوائب والجراثيم لتصبح صالحة للشرب عن طريق غليها وتبريدها.

وكان أول من شرب المياه في أكواب فضية، كما امتنع عن تناول لحوم الخنازير لقذارة تغذيتها.. كما اعتاد القدماء أن يصوموا 6 أيام كل شهر.

وتشير نقوش المعابد والمقابر  إلى اعتماد  تغذيتهم على الخضروات والأسماك.. لاحتوائها على العناصر المعدنية وسهولة هضمها.. كما يشير إلى اهتمامهم الكبير بالاشتراطات الصحية بالمنازل.. إذ راعى المصري القديم التهوية الجيدة.. وعمل دورات مياه بنظام صرف خاص، كما اشتهر عنهم تخلصهم من الجيف الحيوانية بدفنها.. بعيدا عن أماكن معيشتهم حتى لا تنقل الأمراض.. لذلك يقرر جيار أن القدماء المصريين وضعوا أسس أول نظام للصحة العام أو الطب الوقائي.

هوامش

1- تاريخ الطب والصيللة المصرية في العصر الفرعوني (بي دي إف) – سمير يحي الجمال – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ص 131 إلى 133.

2- الطب والتحنيط في عهد الفراعنة (بي دي إف) – تأليف يوليوس جيار ولويس ريتر – تعريب أنطون ذكري –  مطبعة السعادة 1926 – ص 62 إلى 77.
3-  الطب في زمن الفراعنة (بي دي إف) – تأليف برونوا اليو – ترجمة كمال السيد المجلس الأعلى للثقافة 2004  – ص 139 إلى 148.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر