عرض لرواية “طعم النوم” طارق إمام

كتب – مارك أمجد

في روايته الأحدث “طعم النوم” يحيل الروائي طارق إمام نصّه لنصين سابقين هما رواية “الجميلات النائمات” للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا، ورواية أخرى هي “ذاكرة غانياتي الحزينات” لمؤلفها الكولومبي الحائز على جائز نوبل جابرييل جارثيا ماركيز.

وتأتي فكرة الرواية أصلا من تأثر ماركيز (حسب اعترافاته الشخصية) بالرواية اليابانية حينما قرأها للمرة الأولى ورغبته في إعادة كتابتها بأسلوبه الخاص، وبالفعل فعل ذلك لتصبح روايته الأخيرة، أما طارق فكأن ساوره شعور مماثل للذي أصاب الروائي الكولومبي فقام هو الآخر بخلق معارضة للروايتين السابقتين بأسلوبه الشخصيّ وبالطريقة التي تروق له.

طعم النوم

المسار العام للثلاث روايات هو علاقة الرجال في سن الشيخوخة بالجمال الأنثوي الغض، والذي إن كان لا يمنح ترياق الحياة الأبدي، لكنه يساعد هؤلاء الشيوخ على الالتئام مع ذكرياتهم الصعبة مع الحياة، وهذه المرة يختار طارق إمام مدينة الإسكندرية كمسرح ساحلي روائي لأحداث روايته البوليسية الرومانسية. فيرصد تلك المدينة النائمة لولا صخب بحرها وناسها بين عامي 2011-2014 وما وقع بها في تلك الفترة بخصوص أحوال الشعب، وتعاطيه مع الثقافة والفن والألم.

وتأتي حبكة رواية “طعم النوم” في غاية التعقيد نظرا لمحاولة وصل نفسها بين عملين سابقين، ويتوخى المؤلف حذره فيقدم عَملُه بلُغة سلسة تَضمن التقاء القارئ في النهاية مع مواضيع الشخصيات وأزماتهم، وتجعل من الحبكة الصعبة حدوتة متناغمة يسهل المرء مهما بلغ قدر وعيه الأدبي أن يتفاعل معها مثل حكايات “ألف ليلة وليلة”.

ويدمج طارق بين السرد بالفصحى والحوار بالعامية بخفة ودون انزلاق في نشاز سماعيّ، ولا يلجأ للحوارات على غرار ماركيز إلا حينما يتطلب المشهد الروائي ذلك التكنيك، فيمارسه باعتدال دون إسراف، كذلك يتنقل بين أزمنة مختلفة دون إحداث أي إرباك أو خلط، نظرا إلى أن الخط الدرامي للرواية يتتبع حادثة بعينها وقعت في ستينيات القرن الماضي هي التي تحرك الأحداث الآن، وتتمثل المتعة القصوى عند الروائي في كم الألغاز التي يطرحها على مدار الصفحات، ومع ذلك يمكن للقارئ أن يحصل على نصيبه النسبي من المتعة سواء استطاع فكّ كل هذه الألغاز أو بعض منها.

من أجواء الرواية نقرأ

كان هناك كتاب لم يقرأه أحد، كان الكتاب الوحيد في العالم الذي لم يفتحه شخص على الإطلاق، ولو لمرة، بدافع الفضول حتى أو التقليب الروتيني في الصفحات، كان كتابا يتيما، بلا امتداد، فمثلما تنجب المرأة طفلها ينجب الكتاب قارئه مع انعدام الاستعمال، بدأت الكلمات تضمر، لن تصدق، كانت تتساقط منه على الأرض كذبابات صغيرة ولا ينتبه الناس وهم يدوسونها بجزمهم.

وظلت الكلمات تنزلق من الكتاب مثلما ينزلق الشعر من رأس آخذ بالصلع، حتى تبقت كلمة واحدة، تشبث بها الكتاب بجنون، فقد كانت الدليل الأخير على كونه كتابا، كانت المعنى الوحيد المتبقي لوجوده.

وقرر الكتاب، الذي فقد جميع كلماته بلا مقاومة، أن هذه الكلمة الأخيرة لن تضيع، كأنها جميع الكلمات، تمنى أن يعثر عليه قارئ، وحبذا لو كان هذا القارئ كاتبا فأخذها وأنشأ عليها كتابا ودارى يتمها بعائلة من الكلمات، لكن نضال الكتاب لم يصمد طويلا، سقطت الكلمة في النهاية مثل حصن مغدور، لكن هذه الكلمة الأخيرة للمفاجأة، كانت هي من انتقمت، وخلافا لبقية الكلمات التي سبقتها لمغادرة الكتاب دون أن تفقد وجودها في كتب أخرى، اختفت هذه الكلمة من المعجم.

عن المؤلف

طارق إمام مؤلف رواية “طعم النوم” روائي مصري، مواليد 1977، أصدر عشرة كتب بين روايات ومجموعات قصصية، من أبرزها “هدوء القتلة” و”الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس” و”مدينة الحوائط اللانهائية”، يعده النقاد أحد أبرز المجددين في السرد المصري الحديث والأشد غراما بالتجريب، كما تُرجمت أعماله بعدة لغات، وهو أكثر كتاب جيله تتويجا بالجوائز، حيث حازت أعماله العديد من الجوائز الكبرى مصريا وعربيا ودوليا، منها جائزة الدولة التشجيعية، جائزة ساويرس مرتين، جائزة وزارة الثقافة المصرية مرتين، جائزة سعاد صباح، وجائزة متحف الكلمة العالمية.

كتبوا عن الرواية

رواية للدهشة من أول صفحة، لغة ساحرة جذابة لرواية عن كتابة الرواية.

الكاتب أشرف العشماوي، كتابة على كتابة على كتابة، وحكاية تولد من حكاية، وشهرزاد تبعث في مدينة مأزومة ومحشورة بين تاريخين.

الناقد محمود عبد الشكور، بهذه المعارضة الروائية يثبت طارق إمام أن الكتابة هي مهنة النص المدهش الذي لا يتكئ بالضرورة على حكاية مدهشة، والناقدة إيناس حليم.

عن الرواية

الرواية صادرة عن دار المصرية اللبنانية طبعة أولى 2019 في 340 صفحة من القطع المتوسط، وجدير بالذكر أنها تتربع على قائمة الأكثر مبيعا في مهرجان الإسكندرية الصيفي للكتاب رغم أنها صدرت منذ مدة قريبة جدا.

اقرأ أيضا

عرض كتاب تاريخ موجز للزمان لـ”ستيفن هوكنج”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر