عرض لكتاب “الصحافة اليسارية في مصر” رفعت السعيد

كتب – مارك أمجد

من خلال تعريفه بالصحافة اليسارية في مصر، يعرض هذا الكتاب تاريخ الحركة اليسارية والمنظمات الماركسية المصرية، ولم تكن هذه الدراسة مجرد بحث في عدد من الصحف وتقليب صفحاتها وتحديد أهم ما تردد فيها من اتجاهات سياسية وفكرية، لكن الأمر كان في الأساس بحثا تاريخيا عن “الحدث الداخلي”، عن القصة التي تكمن خلف صدور كل جريدة؛ كيف تأسست؟، ومن الذي موّلها؟، باختصار كان الأمر بحثا عن تاريخ المجلة وليس مجرد استعراض لما دُون فيها من مقالات.

السمات الغالبة على أسلوب رفعت السعيد

يعرض السعيد في كتابه “الصحافة اليسارية في مصر” لحقبة حساسة جدا من تاريخ بلادنا، كانت لا تزال فيها تحت الملكية، وليت الملك هو من كان يحكمها، إذ يكشف المؤلف كيف أثر الاستعمار بشكل واضح ومستمر على مسارات الحركة الفكرية، وكيف نظر المُحتل دوما للمصريين على أنهم غير قادرين أبدا أن يخرج من وسطهم شخص مثل سعد زغلول يقود الحركة الوطنية، ويؤسس لمذهب فكري ثوري جديد ينهض بالبلاد.

كذلك يعرض السعيد لتاريخ التنظيمات الشيوعية في مصر، ويتناول شخصيات أحدثت أثرا ليس بهين مثل “هنري كوريل” الذي ساهم في إعادة إحياء الحزب الشيوعي المصري وتأسيس الحزب الشيوعي السوداني، ويتطرق للقضايا العمالية وعلاقتها بالاشتراكية، وكيف سادت أفكار وقتها تحث العمال على عدم الخنوع لتروس الرأسمالية، ويذهب السعيد في استنتاجاته لاتهام الرأسمالية في الأساس بأنها هي المُسبب الأول للحروب، وعلى حد قوله؛فالحروب يصنعها الأثرياء ويلتهي فيها القادة ويتكسب منها تجار السلاح.

ثم يتطرق للقضية الفلسطينية منذ بدايات وعد بلفور، ويشجب الصهيونية كحركة استيطانية كل هدفها إيواء يهود أوروبا المشردين في أرض الفلسطين العربية، ويتهم أمريكا وإنجلترا بأنهما ساعدا الصهيونية على الاستفحال والتمدد في منطقة الشرق الأوسط.

ويتساءل سعيد بدوره، لِم لم تفتح الولايات المتحدة، رائدة الحريات في العالم، أبوابها لهؤلاء اليهود بدلا من مساعدتهم على الاستقرار في أراضٍ لا تخصهم ولم تكن لهم في يوم من الأيام، وهو يرصد الهجومات التي قام بها شباب الإخوان على محلات اليهود في مصر إبان حرب 1948 اعتقادا منهم أنهم بهذه الفعلة إنما ينتقمون من العدو الصهيوني الواقف هناك على الجبهة بمدافعه ومدرعاته، التي لا تضارعها بنادق الجيش العربي.

يضمّن السعيد مادة كتابه أجزاء كثيرة موثقة من أعداد بعينها من بعض الجرائد، بتاريخ الإصدار وطبيعة المواضيع المهيمنة على الجرائد التي ظهرت وقتها، والتي سريعا ما انمحت بحكم تعارضها مع الاتجاه الذي انتهجته الحكومة، وهو لا يكتفي بإعطاء نبذة عن الصحيفة، وإنما يتتبع تاريخ وفكرة تكونها وكيف انتهى بها الحال.

من أجواء الكتاب نقرأ

في هذه الافتتاحية تفتح جريدة “الضمير” النيران بعنف… فالاستعمار هو الذي يؤثر بطريق مباشر وغير مباشر على نظامنا الديمقراطي في الداخل فيقف حجر عثرة في سبيل نمو الأحزاب والهيئات والجماعات الديمقراطية والشعبية، ويؤيد دائما دكتاتورية الرأسمالية لكي لا يصل الشعب إلى حكم نفسه بنفسه لمصلحته، بل يعمل الاستعمار دائما على تأييد العناصر التي تربطه بها مصلحة.

واليوم وقد عادت وظهرت “الضمير” إلى ميدان النضال حاملة مشعل النور إلى الطبقة العاملة والشعب المصري، رافعة علم الجهاد المشروع، مناهضة الاستعمار والاستغلال أيا كان نوعه وبأي صورة يظهر، حتى تتحرر الإنسانية من الظلم والاستعباد، ومن الجوع والحرمان لا تعرف لينا ولا مهادنة لأن أقلام محرريها تكتب للحق والعدل، ومن أجل العدل والحق ظهرت.

رفعت السعيد

مواليد المنصورة 11 أكتوبر 1932، ترأس حزب التجمع اليساري خلفا للواء خالد محيي الدين، ويعتبر من الأسماء البارزة في الحركة الشيوعية المصرية منذ أربعينيات القرن العشرين وحتى نهاية السبعينيات، حصل على الدكتوراه في تاريخ الحركة الشيوعية من ألمانيا وكان نائبا سابقا في مجلس الشورى المصري، ويُعتبر من أشد المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين وألّف عديد من الكتب في نقد الإسلام السياسي، مثل “حسن البنا: متى؟ كيف؟ لماذا؟” وأيضا “ضد التأسلم”، ومن أبرز أفكاره أن الإخوان المسلمين كانوا سببا هاما في خروج اليسار المصري من العملية السياسية نتيجة خلطها الدين بالسياسة.

عن الكتاب

كتاب الصحافة اليسارية، صادر عن مكتبة مدبولي طبعة ثانية 1977 في 220 صفحة من القطع المتوسط.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر