«تبليط الهرم»: محاولات يابانية فاشلة منذ السبعينيات

أثارت تصريحات مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، جدلا كبيرا حول خطته في تبليط هرم «منكاورع» وإعادته إلى شكله الأصلي، بتمويل ياباني، وهذا ما رفضه عدد كبير من علماء الآثار بالتزامن مع طموحات اليابان في نقل تجربة بناء الأهرامات إلى بلادهم، من خلال تنفيذ مشاريع استكشافية في محيط الهرم الثالث بالجيزة منذ السبعينيات.

هرم اليابان في الجيزة

في عام 1978، بدأت اليابان جهود استكشاف حرم الهرم الثالث في مصر. حيث تشكلت بعثة يابانية مكونة من 24 فردًا، بينهم مهندسون معماريون وفنيون وعلماء آثار. ووفقًا لأرشيف صحيفة “نيويورك تايمز”، كان الهدف الأساسي للبعثة هو التحضير لتجربة بناء هرم، وقادها عالم آثار ياباني يدعى “ساجوكي يوشيمورا”.

وصرح يوشيمورا الذي تزوج من مصرية، بأنه منذ أن رأى الأهرامات المصرية، كان حلمه بناء هرم صغير، وكان يعتقد أن الهرم الذي يمكنك صنعه بنفسك قد يساعد في الإجابة على الألغاز المتعلقة بطريقة بناء الهرم.

أثارت الفكرة إعجاب اليابان، وقرر التلفزيون الياباني تمويل المشروع، على أن يتم تمويل مشروع بناء هرم جديد بجانب الأهرامات الثلاثة من خلال العائد المالي الذي سيتم جمعه من الهرم. كما سيتم جمع حجارة وتنظيف المنطقة.

مقال في صحيفة نيويورك تايمز عن هرم البعثة اليابانية بالجيزة بتاريخ 8 مارس 1987 صفحة 20
مقال في صحيفة نيويورك تايمز عن هرم البعثة اليابانية بالجيزة بتاريخ 8 مارس 1987 صفحة 20 
علم الآثار التجريبي

وكان الهدف من المشروع حين بدأ فريق من علماء الآثار اليابانيين العمل، محاولة كشف أحد أعظم الألغاز الهندسية والمعمارية في العالم، ومعرفة كيف تمكن المصريون القدماء من بناء الأهرامات الضخمة. وبالفعل تم منح الفريق الإذن ببناء نسخته المصغرة الخاصة به على بعد 8 كيلومترات جنوب الأهرامات الحقيقية.

وبحسب أرشيف “رويترز” وعلى الرغم من أن ذلك ليس ممكنًا دائمًا، إلا أنهم استخدموا الأساليب البدائية المعتمدة منذ أكثر من أربعة آلاف عام. وكان من المقرر أن يستغرق الأمر ما يقدر بستين يومًا، باستخدام عشرة آلاف عامل محلي لبناء النسخة اليابانية. وكان هدفهم هو اكتشاف بشكل عملي كيف تمكن المصريون القدماء من تنسيق مثل هذا المشروع الهندسي الضخم باستخدام أساليب بدائية.

حلم لم يتحقق

وتحقق حلم يوشيمورا من خلال تلفزيون “نيبون”، الذي خصص مليون جنيه إسترليني لتحويل المشروع إلى فيلمين وثائقيين، وكان الهدف هو بناء هرم يطل على أهرامات الجيزة، وتوفير تجربة فريدة للمشاهدين والزوار. وقبل قدوم البعثة إلى مصر، قاموا بإعداد دراسات تحضيرية للمشروع. ثم بدأت الشركة اليابانية المتخصصة في البث التلفزيوني في هذا المشروع، حيث تعاونت مع حرفي ياباني ماهر واستخدمت رافعتين وعربة رافعة شوكية ومئات الأكياس من الأسمنت.

تتعلق المسألة بمحاولة يابانية “فاشلة” لبناء هرم أصغر بـ15 مرة من هرم خوفو. في الوقت نفسه، استخدموا بالضبط تلك الأساليب البدائية، لكن صُدِم الفريق حين بدأت الاكتشافات غير السارة على الفور تقريبًا.

يرجع فشل حلم الهرم الياباني لعدة أسباب، أولها رفض الفكرة من قبل المصريين، ورغم ذلك استمروا في بيع الحجارة لليابانيين مع ارتفاع سعره. وكان المحجر النشط الوحيد الذي يمكن لعلماء الآثار الاستفادة منه يقع على مسافة حوالي 20 كم من موقع البناء.

وأدى موقع المحجر البعيد إلى تعقيد المهمة بالنسبة إلى اليابانيين، ولنقل الكتل من المحجر، قام اليابانيون ببناء الصنادل، التي اعتقدوا أن المصريين القدماء استخدموها للتوصيل. لكن انقلبت الصنادل وغرقت الكتل.

وهذا لم يزد من تعاطف المصريين، بل ازدادت التكلفة بشكل أكبر، ونتيجة لذلك، أنفق اليابانيون أيضًا الأموال على القارب. لكن التسليم من جانبها على طول الرمال كان مهمة صعبة. وكانت المشكلة الإضافية هي أنه كان من المستحيل بناء هرم على الرمال، لعدم وجود أساس متين. لذلك كان من الضروري إنشاء أساس مما استغرق مال ووقت أكثر.

بطريقة أو بأخرى، بدأ اليابانيون في التأخير عن موعد التسليم، بالإضافة إلى ذلك، شارك التلفزيون الياباني، الذي كان بحاجة إلى تصوير شيء ما وبثه، وبعد ذلك، نظرًا لعدم التزامهم بالمواعيد النهائية المحددة والمتفق عليها مع الجانب المصري، لم يستخدم اليابانيون الذكاء، بل الأساليب الحديثة – الشاحنات والرافعات والمصدات وما إلى ذلك.

خرائط مفصلة للأهرامات

تكررت المحاولة في عام 2017، لكن عبر مشروع لإجراء ماسحات ليزر للأهرامات لرسم خرائط مفصلة لها. إذ قام فريق من الباحثين اليابانيين باستخدام تقنيات في محاولة لكشف الألغاز الكامنة وراء بناء الأهرامات المصرية القديمة.

في مارس 2017، قامت المجموعة بقيادة عالم الآثار يوكينوري كاواي، من جامعة ناغويا بتثبيت أكثر من 10 ماسحات ضوئية حول أحد الأهرامات في منطقة أبوصير بضواحي القاهرة. وتم استخدام أشعة الليزر لقياس مواقع وأشكال كل حجر في الهرم بدقة فائقة، مما أتاح إنشاء صورة ثلاثية الأبعاد مفصلة للغاية للهيكل.

وفي شهر فبراير، قام فريق كاواي بالتعاون مع شركة TV Man Union Inc، وهي شركة إنتاج مقرها طوكيو، باستخدام طائرة بدون طيار لالتقاط صور رقمية للهرم الأكبر في الجيزة. وتم التقاط الصور من زوايا مختلفة للهيكل بهدف إنشاء خرائط مسح تفصيلية للهرم. استخدمت هذه الصور التقنيات الحديثة لتحليل وتفسير البيانات والمعلومات المستخرجة من الهرم.

أثناء محاولة بناء هرم بتمويل ياباني – فيلم وثائقي لرويترز
أثناء محاولة بناء هرم بتمويل ياباني – فيلم وثائقي لرويترز
مذكرات رئيس العمال

ظلت طريقة البناء لغزا حتى عام 2013، حين تم العثور على مذكرات رئيس عمال مصري قديم يُدعى “ميرير” في كهف بالقرب من ميناء وادي الجرف القديم على البحر الأحمر. دوّن “ميرير” طريقة العمل بالتفصيل، وكشف واحدا من أسرار البناء. وكتب: “كان الهرم مبطنا بكتل من الجير تزن كل واحدة منها حوالي 2.5 طن”.

ومن المحتمل أنها وصلت إلى الضفة الأخرى لنهر النيل. ثم تم استخراج كتل الجرانيت الأثقل بكثير من المحاجر، على بعد حوالي ألف كيلو متر من هضبة الجيزة.

ولكن كيف وصلت إلى موقع البناء؟

في بحث “بيير تالبت” المنشور عام 2021، أكد رئيس العمال في كتاباته أنه تم نقل الكتل عبر المياه في القوارب، وتم وضعها واحدة تلو الأخرى، واستغرق النقل من 2-3 أيام.

بالنسبة لكتل ​​الجرانيت، تم ربط عدة قوارب معًا، ورتبوا شيئًا مثل الطوافة، والأهم من ذلك: وفقًا لـ”ميرير”، اقتربت القوارب من قاعدة الهرم قيد الإنشاء.

هرم اليابان المقرر الانتهاء من بناءه عام 2110
هرم اليابان المقرر الانتهاء من بناءه عام 2110
هرم طوكيو العملاق

ترغب اليابان في نقل تجربة بناء الأهرامات لبلادها. إذ تستعد الشركة اليابانية “شيميزو كوربوريش – Shimizu Corporation” للبدء في بناء هرم ضخم في خليج طوكيو يعرف باسم “مدينة شيميزو ميجا سيتي بيراميد”.

ومن المخطط أن يكون ارتفاع الهرم 2004 متر (6575 قدم)، مع وجود خمسة أجزاء تشبه أبعاد هرم الجيزة. وسيتم بناءه باستخدام مواد جديدة ومبتكرة قوية وخفيفة الوزن مستندة إلى تقنيات الكربون. المدينة الهرمية واحدة من الحلول المقترحة لإيجاد حل لمشكلة الزحام العمراني ونقص المساحة في طوكيو.

كما أنه من المخطط أن يبدأ البناء في عام 2030. ومن المتوقع أن يستغرق الانتهاء من المشروع حتى عام 2110. لكن أبرز التحديات التي تواجه المشروع هو عدم الوصول إلى طريقة البناء الصحيحة.

اقرأ أيضا:

قبل انطلاق «القاهرة.. نسيج الحكايات»| محمد عبلة: تحولات المدينة شكلت شخصيتي

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر