في موسمه.. “عنب الفيوم يا ولا” فاكهة الآلهة المصرية القديمة

“بيت العز يا بيتنا.. على بابك عنبتنا”، هكذا تغنت المطربة فايزة أحمد في فيلم “بيت العز”، ولكنها بالفعل كانت تصف حال البيوت في ذلك الوقت وإلى الآن في قرى الفيوم، حيث كان مدخل البيت يبدأ عادة بـ”تكعيبة العنب” كما يسميها الأهالي هناك، فكانت بديلًا عن الزهور أو أشجار الزينة.

60 مليون سنة

يقول أنطون ولسن تادرس، في موسوعة الفيوم، إن تاريخ زراعة العنب حسب ما كشفت عنه الحفريات الخاصة ببذور وأوراق العنب يعود إلى ما يقرب من 60 مليون عاما أي مع بداية تاريخ الإنسان، حيث أثبت العلماء أن العنب من أوائل المحاصيل التي تم زراعتها على وجه الأرض، ومن القصص التي قيلت عن اكتشاف النبيذ  قصة فارسية قديمة، تقول أنه كانت توجد جارية في القصر الملكي فقدت حظوتها لدى الملك، فقررت الانتحار بتناول السم واعتقدت أن ثمار العنب والتي كانت توجد في أحد الجرار دون أن يأكلها أحد أنها فاكهة سامة، فتناولتها فسكرت ونامت وبعد أن استيقظت وجدت أن الضغوط التي جعلتها تقدم على الانتحار قد زالت وأنها أفضل وشاركت سرها مع الملك الذي تناول من الجرة، وانتشي الملك بسكره، وبعدها أصبحت تلك المحظية من المقربين للملك.

ولا يوجد دليل على وجه اليقين أن العنب كان يوجد في مصر قبل التاريخ، ولكن هناك بعض الأساطير القديمة تذكر أن الإله أوزيريس هو من اهتدى لزراعة العنب وصنع النبيذ منه، ولكن الثابت تاريخيًا أن العنب كان يوجد وينتشر في مصر القديمة منذ العصر التاريخي 1200 ق.م،  وذكرت النصوص القديمة أن الملك أوديمو وهو أول ملوك الأسرة الأولى قد أطلق على كرومه “وعاء النبيذ لجسد الإله حورس”، وقد عثر الأثري البريطاني “امري” على بعض جرار النبيذ مختومة يرجع تاريخها إلى عصر الأسرة الثانية (2890 – 2686 ق.م)، وشهدت جدران المقابر والمعابد العديد من الرسمات والكتابات التي تخص زراعة وإنتاج العنب وصناعة النبيذ أيضًا.

زراعة العنب في الفيوم

أما عن تاريخ زراعة العنب في الفيوم، فقد تم العثور على سكين لتقليم الأفرع وتقطيع عناقيد العنب من الكرمة، وإزالة الغاب والحشائش، ويعود دخول زراعة العنب للفيوم إلى عهد البطالمة الذين قاموا بتطوير الزراعة واستصلاح الأراضي وتطوير الري بالفيوم، وزرع العنب والتين والزيتون في منطقة وادي الحيتان وكانت من أفخر الأنواع في مصر.

كما ذكرت كروم العنب في بساتين الفيوم في كتاب “تاريخ الفيوم لأبي عثمان النابلسي الصفدي الشافعي“، الذي صدر عام 1898م، حيث يصف الصفدي بساتين الفيوم بأنها تمتلأ بالعنب والورود الزاهية والنخيل، كما تباهت الملكة كليوباترا بعنب الفيوم وهي تخاطب حبيبها أنطونيو وجنوده الرومان حيث قالت على لسان أمير الشعراء أحمد شوقي في مسرحيته الشهيرة كليوباترا:

قيصر ذي سلافة الفيوم

تنمي إلى عقائل الكروم

مخبوءة من عهد مصرائيم

قد عمرت كعمر النجوم

دنان مصر لا دنان الروم

فهي بذلك تقول أن الأواني المصرية التي يوجد بها عصير العنب الفيومي أجود من الدنان القادمة من العاصمة الرومانية روما، وتوجد إلى الآن بعض الرسومات لعناقيد وأوراق العنب على قبو أحد الحمامات الرومانية في مدينة كرانيس الأثرية بمنطقة كوم أوشيم بالفيوم، بالإضافة لعدد من المعاصر التي كانت تستخدم في عصر العنب وتحويله إلى نبيذ.

إحصائيات هامة

ذكرت بيانات صادرة عن وزارة الزراعة، أن المساحة المزروعة بالعنب فى مصر تبلغ نحو 200 ألف فدان، المثمر منها نحو 185 ألف فدانا، تتركز في محافظات الفيوم، والبحيرة، والمنوفية، والإسكندرية وأسيوط، وبني سويف، بجانب الأراضي الجديدة في مطروح وشمال سيناء والنوبارية، ويبلغ إجمالى إنتاج مصر نحو 1.7 مليون طن سنويا، ويستهلك جزء كبير من هذا المحصول طازجا، وهناك صناعات أخرى مثل صناعة المربيات وصنع العصير والتعليب مع بعض الفواكه الأخرى، كما يتم الحصول على الزبيب بعد تجفيفه، وبحسب الخريطة الزراعية لمحافظات مصر تنتشر في الفيوم زراعة أصناف معينة من العنب هي سوبر يور، فليم سيدلس، بناتي، روبي، كريمسون.

أغاني العنب

على سيرة العنب تغنى العديد من المطربين للعنب الفيومي وهذا لشهرته، فقد غنى المطرب شفيق جلال أغنية ” أنا من الفيوم يا ولا” تأليف الشاعر صالح جودت، وتلحين الموسيقار أحمد صدقي، والتي تقول كلماتها “أنا م الفيوم يا ولا ولا فيش في الدنيا بلد زي الفيوم، عنب الفيوم يا عنب شربات، العنب عنبي والجنب جنبي أزرعه بأيدي وأجمعه بأيدي محلى عنقوده زاهي فوق عوده عنب الفيوم يا ولا”.

كما غنى ماهر العطار أغنيته الشهيرة “على بياعين العنب عناقيد فضة وعناقيد دهب”، وتغنت شادية من كلمات عبدالرحمن الأبنودي، وألحان بليغ حمدي ” والله أن ما اسمريت يا عنب بلدنا لأجرى واندهلك عيال بلدنا”، بجانب العديد من الأفلام السينمائية التي صورت في كروم ومزارع العنب وأثناء جمع محصوله.

من مايو إلى يوليو 

تطورت زراعة العنب في الأعوام الماضية، حيث لجأ العديد من المزارعين إلي زراعته في الأراضي الصحراوية الجديدة وبمساحات كبيرة وتحديدًا في منطق البسيونية ودمو.

يقول فرج محمد فرج، مزارع عنب بمنطقة البسيونية في مزرعة تبلغ مساحتها 32 فدانا، إن جميع الأراضي تصلح لزراعة العنب عدا الأرض التي تحتوي على نسبة عالية من الملوحة، ومن أشهر الأصناف التي يتم زراعتها في الفيوم الفليم الأحمر، والبناتي، والأسبريو، بالإضافة للعنب البلدي ولكنه قليل الآن، وتثمر أشجار العنب بعد 3 سنوات من زراعتها، وبعد سبع سنوات يبدأ العنب في إنتاج محصول وفير نسميه المحصول التجارى، ويتم تصدير العنب بداية من شهر مايو حتى بداية شهر يوليو.

فرج محمد فرج، مزارع بمزرعة عنب بالفيوم - تصوير: منال محمود
فرج محمد فرج، مزارع بمزرعة عنب بالفيوم – تصوير: منال محمود
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر