عرض لكتاب| باولو كويلهو.. اعترافات مسافر حاج

كتب – مارك أمجد

باولو كويلهو واحدا من أفضل عشر كتّاب رواجا في العالم، بمبيعات بلغت أكثر من 22 مليون نسخة حتى عام 1998، كل ذلك رغم أن إنتاجه الأدبي لم يتجاوز الاثني عشر كتابا. وفي هذه السنوات المعدودة باع كويلهو من الكتب أكثر مما باع جورج أمادو طيلة حياته كلها.
الكتاب عبارة عن مجموعة من الحوارات الصحفية التي أجراها وأخرجها الصحافي جان إيرياس مع الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلهو في منزله. حوارات تمت بمنتهى الأريحية والبساطة، تماما مثل أسلوب كويلهو في رواياته الشهيرة ومنها: “الخيميائي”، و”على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت”، و”فيرونيكا تقرر الموت”، و”حاج كومبوستيلا”. يقرر كويلهو مع جان إيرياس أن يتعرى تماما كي يكشف للقرّاء الماضي الأسود الذي يحمله الأديب العالمي في خزانته من تعاطيه للمخدرات وبالأخص الكوكايين، وإيداعه المصحة العقلية ثلاث مرات بسبب أهله، وممارسته للسحر الأسود، وزواجه أكثر من مرة، وانضمامه لفرق الهيبيين، واعتقاله من قبل القوات العسكرية بتهمة اضطلاعه في إحدى فرق العصابات الهمجية.

الجانب الديني في شخصية باولو كويلهو

لن يستغرب قراء باولو كويلهو إذا عرفوا أن مؤلف “الخيميائي” شخص كاثوليكي متدين جدا، لكن ما لا يعلمونه أنه مرّ بعدة تصدعات قبل أن يستقر في تلك البقعة من الهدوء والتآلف مع الكون والله والناس. فالحقيقة أن باولو مثله مثل معظم البرازيليين نشأ وسط عائلة كاثوليكية شديدة التدين، لكن كويلهو في مرحلة من شبابه، وفي غمرة طيشه وسيل تمرده على كل ما يمثل عائلته، انسلخ تماما عن الإطار الديني ووجد وقته في الفرق الهيبية ضالته، واستبدل كتب الصلوات بكتب ماركز وإنجلز. ولم يعد كويلهو لحظيرة أهله إلا بعد سنوات طويلة من التجوال هنا وهناك وخاصة بعد تجربة الاعتقال المريرة وتعذيبه. فلجأ لكنف الكاثوليكية مرة أخرى.

كويلهو والنساء

في شبابه لم تكن حياته مترعة بالهدوء والرزانة كما يخيل لنا من موضوعات كتبه وأسلوبه الأدبي فيها، بل يمكننا القول أنه جرب كل أنواع النساء وجرب كل شيء مع النساء. تزوج من فتاة كانت تشاركه تعاطي الكوكايين، وأخرى اُعتقلت معه مرة ووضعوها في زنزانة مجاورة له، وكان بمقدوره أن يسمع صوتها إبان تعذيبه، لكنه لم يقو على تلبية ندائها، وظل من يومها يناديها بــــ”زوجتي التي بلا اسم”، أما الآن فهو متزوج من رسامة تشاركه منزله، إذ يجلس هو في غرفته يكتب، وتجلس هي في المرسم بجواره تنجز لوحاتها، ويتشاركا بعض أوقات النهار سويا للحديث والرد على المراسلات واستقبال الصحفيين.
يعتقد كويلهو أن كل شخص منا يحمل جانبا أنثويا من شخصيته وبالأخص الفنانين والكتّاب. ويرى مهمته الحياتية في السماح لذلك الصوت الأنثوي أن ينطلق من مكمنه لأنه كفيل بتوصيف أشياء لا يدركها الجانب الذكوري أو يستشعرها. وذكر أن في بداية مسيرته الكتابية كان جمهوره أغلبه من النساء ثم أصبح الآن 60 % من النساء و40% من الرجال ويعتبر الكاتب تلك النسبة انتصارا شخصيا له، لأنه يعني أن الرجال صاروا شجعانا كفاية أن يعبروا عن مشاعرهم واحتياجاتهم وألا يعتبروا النساء تافهين كفاية لقراءة كتب بهذه البساطة والحنو.

لماذا يرى بعض النقاد أن كتب باولو كويلهو بسيطة لدرجة التفاهة؟

هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا كلما أتت سيرة باولو كويلهو وسيرة مبيعات كتبه التي ترأست الأعلى مبيعا في شتى أنحاء العالم. وحينما وجه الصحفي ذلك السؤال للكاتب نفسه أثناء الحوار أجاب بأنه يتعمد تلك البساطة لأنه يريد أن يقرأه الجميع ويفهمونه، مؤكدا أن كل كاتب له أساليبه الخاصة التي لا بد أن يكون عالما بأهدافها، وكويلهو لا يمتعض البتة حينما يقرأ لبعض النقاد الذين يتهمونه بالسطحية والسذاجة لأنه يعرف القصد من طريقة كتابته وجمهوره المستهدف.

السحر والمخدرات والسياسة

لم يبتعد باولو كويلهو في شبابه عن الحياة السياسية، وأذاه أن البلاد وقتها كانت مقدمة على أشرس عهود الديكتاتورية، كما عُرف في مرحلة من حياته كساحر يمارس السحر الأسود وكان له مريدون ومعجبون كثيرون، هذا قبل أن يتحول لأديب صاحب جماهيرية واسعة بهذا الشكل، ومع ذلك لم يفقد سحره وجاذبيته وانقياد الناس خلفه وتأثرهم بكل جُملة يكتبها إليهم. وتعاطى المخدرات (الكوكايين) وكان مدمنا حتى أفاق لنفسه في يوم من الأيام وقرر أن يتوقف تماما عن تعاطيها.
وُلد باولو عام 1947 في ضاحية بوتا فوكو قرب ريو دي جانيرو في الرابع والعشرين من شهر أغسطس تحت اسم “فيركو” وهو نفس يوم مولد مَثله الأعلى في الأدب الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، وستدور الأيام ويلتقيان.
الكتاب صادر باللغة العربية عن دار ورد من ترجمة عز الدين محمود طبعة أولى عام 2007 في 219 صفحة من القطع المتوسط.
تنقسم الحوارات الصحفية إلى فصول، كل منها يدور حول جزء من حياة الكاتب كالسياسة والنسوية والسحر والمخدرات.

مقالات متعلقة

عرض لكتاب| «حرائق السؤال».. لقاءات صحفية لكُتاب عالميين
عرض لكتاب| «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه».. قراءة في أحد روائع «ماركيز»
عرض لكتاب| الفلاحون.. لأنطون تشيخوف

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر