الفنان التشكيلي وليد عبيد: دعم المرأة بالريشة والألوان

“نفرتاري مرة أخرى، خواطر حب جريئة، مولوتوف، لأعلى سعر، فلسطين العنيدة، بنات الليل المساكين، لحم حلال.. إلخ” لوحات عديدة للفنان وليد عبيد اشتركت جميعها في هدف واحد وهو التركيز على معاناة المرأة وقيودها المختلفة داخل المجتمعات العربية، فلم يترك عبيد أزمة أو علاقة أنثوية إلا وعبر عنها في لوحاته، التي أصدقت التعبير – وفقا لآراء متابعيه- وسردت الجانب المُظلم للمرأة بكل تفاصيله.

وليد عبيد والمرأة

النشأة في أحضان الطبيعة في اليمن كانت ذات تأثير على تذوق الجمال بالفطرة منذ الطفولة، ويقول الفنان التشكيلي وليد عبيد ذو الأصل الصعيدي لـ«باب مصر»، إنه انتقل إلى اليمن برفقة أسرته بعد ولادته بعامين في القاهرة بحكم عمل الأب وهناك كانت الفرصة للاستفادة من العمارة اليمنية ذات الزخارف المميزة، وعند عودته إلى القاهرة التحق بكلية الفنون الجميلة.

تخرج في عام 1992 ليدخل معترك الفن التشكيلي، مثقلا موهبته بالتنمية الثقافية، اطلع على الأدب الروسي والألماني والذي بدوره شكل عناصر في فنه، الذي تفرد في تقديمه بتكنيك خاص به، يرى الجمهور اللوحة وينسبونها له دون الانتظار إلى مشاهدة التوقيع، معتبرا هذا هو الأمر المرجو من الرسم متبعا اتجاهه الخاص الذي يجسد فيها الفنان جزءا من روحه.

أسلوب الأبيض

وليد عبيد ذو الأربعين عاما من الفنانين المجربين، طوال مسيرته التي دامت 28 عاما امتلك خلالها القدرة على التجربة، واكتساب خبرات جديدة، البداية كانت التأثر بـأعمال “جوستاف كليمت” المستوحاة من الفن المصري القديم، وكأن عبيد فضل إتباع تكنيك الفن المصري القديم من خلال الفنان الألماني، ليبتكر بعدها أسلوبه الخاص (الأبيض) وكان ناجحا جدا على حد وصفه، حيث بيعت كل اللوحات بهذا الأسلوب.

التعمق في الفلسفات والتحليل النفسي، جعله يتجه إلى الجمهور للتعبير عن مشاكلهم بطريقة رمزية – وما زال في هذه المرحلة – وبين حين والآخر يقدم لوحة فلسفية، تتناسب مع عمله الواقعي الرمزي والتعبيري، أكثر منه واقعي، ففي رأيه الواقعية الحرفية تصلح أكثر للدارسين أما الفنان تتضمن أعماله رمزية في العناصر المرسومة، كالميكروفون المقطوع والمنبه بدون عقارب، بشكل تعبيري يخدم الفكرة وليس سريالي.

لماذا المرأة؟

نالت قضايا المرأة النصيب الأكبر من أعمال عبيد، هي الأم والحبيبة والأخت ورمز الوطن والأمان التي حُرم المساس بها، الكثير من الأصدقاء لقبوه بـ«حائط المبكى» نظرا لاستقباله رسائل وزيارات دون سابق معرفة شخصية للحديث عن مشاكلهم الشخصية، وبدوره يستلهم من الحديث مشهد واحد للتعبير عنه في لوحة، ويعتبر أن هذا هو سر النجاح، لأن القضايا الذي يعبر عنها تكون مستوحاة من الجمهور.

تُصنَف لوحاته بالجرأة على الرغم من أن الواقع صادم بشكل أكبر من اللوحات، ويقول إن الفنان عندما يرى قضية فجة أو عنيفة يجب أن يعبر ولكن بطريقة فنية، ومنها قضايا جسدها عبيد لتغيير المفاهيم الدارجة المتداولة، كلوحة تحمل اسم “فعل فاضح”، وعند نطقها يتبادر إلى الذهن بأنها فعل خارج بين شاب وفتاة، ولكن عبيد جسدها في لوحة لفتاة ذات وجه متورم ينزف دماء في إشارة إلى أن العنف ضد المرأة سواء كانت أختا، ابنة أو زوجة يعد فعلا فاضحا أيضا ورسمها جالسة على السرير الذي يظهر كأنه قضبان تحبسها.

لوحات عبيد جسدت قضايا المرأة بكل مراحلها العمرية، من الطفولة للشباب والكهولة، دون الاعتماد على رسمهن بأجساد مثالية، وتمثل هذه اللوحات إعادة تشكيل للمفاهيم، ويكتفي بنشر كل عمل جديد مرفقا باسم له فقط، دون تفسير ما المقصود بها، تتعدد التفسيرات وتحليل الجمهور.

«كاتب مغرور يهاجم برنارد شو ويقول له: أنا أفضل منك.. أنت تكتب بحثا عن المال وأنا اكتب بحثا ع الشرف، فأجيبه برنارد على الفور: صدقت، كل منا يبحث عما ينقصه» هذه المقولة تجسدت في أعمال عبيد التي يفسرها كل شخص بحسب ما ينقصه، المتحرش يرى الفتاة في لوحاته عاهرة، والفقير يراها عاملة بسيطة، والمثقف يراها محبطة من الحياة.. إلخ، كما يحلل الجمهور الرموز في لوحات عبيد، هو بدوره يحلل طريقة تفكيرهم، وهذا تفسيرا للوحاته المصنفة بالجرأة، ففي رأيه الجرأة في الأعمال الفنية أمرا طبيعيا وصادقا لتوثيق المرحلة الزمنية بلوحات تسبق زمنه.

نفرتاري مرة أخرى -2017

بيت خلا من الروح، حوائط رمادية باهتة تؤكد انتفاء الشغف، هكذا جلست نفرتاري العصر الحديث (زوجة رمسيس الثاني أقوى ملوك الثاني) داخل غرفة مقيدة بسلسلة في إحدى قدميها تمنعها من الحركة وتحبط رغبتها المتأججة في النهوض فلا تجد حلا سوى الجلوس والانتظار، عصا الحكم بجوارها على الأريكة لكنها عاجزة عن إستخدامها، نافذة الحرية تبدو مفتوحة بجوارها لكن يغلقها قضبان سجن عصيب لذا فهي لا تنظر إليها بل تنظر إلى الأمام في تحد ممزوج بحالة من اللامبالاة بقيدها وكأنها قادرة على التحرر والخروج في أي وقت.

خواطر حب جريئة -2015

نفس قالب “نفرتاري مرة أخرى” تقريبا والذي يستخدمه عبيد في أغلب لوحاته، لكن هذه المرة ظهرت الفتاة وعلى وجهها وجسدها ملامح الإجهاد و”الشقى” ولولا ثيابها وشعرها الطويل لكنت تحسبها رجلا، على الرغم من عدم وجود قيود في قدمها، إلا أن القيد كان داخليا لكن ذلك لم يمنعها من التفكير في الحب وهو ما ظهر في حالة الهيام التي تعيشها وهي مستلقية على الأريكة بعد رحلة من الإنهاك، أبدع الفنان في وصف المعاناة بجانب سرد جميع التفاصيل باللوحة ومن ضمنها القطة المستلقية بجوار الفتاة على الأريكة وكأنها صورة واقعية حية.

قابل للاشتعال ومولوتوف – 2018

في لوحتي “مولوتوف” و”قابل للاشتعال”، أظهر الفنان وليد عبيد المرأة في حالة من الثورة والقوة تجعلها قادرة على إشعال قطبي الأرض جحيما في جزء من اللحظة، سواء بواسطة زجاجات المولوتوف الموجودة أمامها في اللوحة الأولى أو عن طريق محطة البنزين المصغرة خلفها في اللوحة الثانية، وفي كلتا اللوحتين تحمل المرأة -التي ارتسم على وجهها ملامح القوة والتحدي- سيجارة مشتعلة، في رسالة على أنها قابلة للاشتعال وحرق من حولها في أي لحظة، كما أتاح لها الفنان مخرج للهروب والنجاة بحياتها سواء عن طريق إشعال زجاجات المولتوف وإلقائها بعيدا في اللوحة الأولى أو النزول -بعد إلقاء السيجارة على البنزين- في بالوعة المياه المفتوحة في اللوحة الثانية.

فلسطين العنيدة – 2018

نفس حالة القوة رسمها عبيد في لوحة أخرى، لكن هذه المرة لمرأة فلسطينية مُسنة لكن لا يظهر عليها أي أعراض عجز أو شيخوخة، بل -على العكس- كانت مرتكزة على ركبتيها في وضعية أسطورية تشبه تماثيل الفراعنة القديمة، يدها في وسطها والأخرى مغروسة في صخرة، رافعة رأسها في حالة من العزة والشموخ.

لأعلى سعر – 2017

مشهدا طالما تكرر في الواقع، لذلك لن تحتاج إلى مجهود كبير لتفسير هذه اللوحة، التي تُظهر رجل مُسن يبدو عليه ملامح الثراء، جالس على كرسي وأمامه مرآة كبيرة؛ إذا نظرت إليها ستجد الرجل يضع قدما على قدم وينظر إلى فتاة من ظهرها وهي واقفة على خشبة، في مشهد يذكرك بالمزاد أو سوق الرقيق الذي يعاين فيه البائع السلعة أو البضاعة قبل شرائها بأعلى ثمن.

بنات الليل المساكين – 2014

لوحة أخرى تُظهر معاناة فتاة الليل، التي تضطرها ظروف الفقر والحاجة إلى بيع شرفها مقابل المال، لكن الفتاة لم تكن سعيدة بهذه الأموال الكثيرة الموجودة في قبضة يدها بل نظرت لها في حسرة وألم وحال لسانها يقول: ماذا أضعت من أجل هذه الأوراق!

لحم حلال – 2017

في تشبيه قوي وقريب من أرض الواقع، شبه عبيد المرأة في لوحته بقطعة اللحم الحلال المذبوح والتي تتزين به محلات الجزارة ويشتريه الإنسان لإشباع شهوة الجوع لديه، وضع الفنان المرأة في هذه المفارقة برسمها داخل محل جزارة، تدخن سيجارة وحولها قطع اللحم المعلقة وكأنها تنتظر من يشتريها أو بمعنى آخر؛ من يتزوجها ليشبع شهوته من هذا اللحم الحلال.

علاقة خاصة – 2016

في علاقة خاصة بين النقص والكمال، تجلس الفتاة على سجادة الصلاة وفيه يدها مسبحة، تناجي ربها وتنظر إلى جميع الأشياء الناقصة حولها بالغرفة، دهان الحائط الذي لم يكتمل، الأرضية الملطعة، الحذاء، حتى حجابها لم يكن كاملا ويُظهر شعرها، كل الأشياء في اللوحة كانت ناقصة عدا سجادة الصلاة التي تجلس عليها.

اقرأ أيضا

نهى المفتي.. رائدة الرسم برمال البحبيح في مصر

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر