عصام زكريا يكتب: دور العرض السينمائي بين الجن والروبوت وأسماك القرش!

بعد فترة ركود لم يسبق لها مثيل بسبب جائحة “كورونا” عادت دور العرض السينمائي في العالم ومصر للانتعاش مجددا. عالميا استطاع فيلم “شانج شين”، أحدث انتاجات “مارفل” أن يتجاوز رقم المئة مليون دولار خلال أيام قليلة من عرضه. وهو أول فيلم من انتاج الاستديوهات الكبيرة، منذ الجائحة، يتقرر توزيعه في دور العرض فقط لمدة شهر ونصف الشهر، قبل أن ينتقل إلى البث عبر الانترنت والقنوات الخاصة. على المستوى المحلي يمكنك أخيرا أن ترى ابتسامة على وجوه مشغلي دور العرض، لإن الجمهور بدأ يعود للتردد على دور العرض، كما أن القواعد الخاصة بمساحة الإشغال ارتفعت من 50 بالمئة إلى 75 بالمئة..ومن المتوقع أن تصل إلى مئة بالمئة مع انتهاء أزمة كوفيد قريبا.

الدرس المؤلم

لكن السؤال: هل استعدت صناعة السينما في مصر لانتهاء الأزمة؟ وهل فكر أحد في الاستفادة من الدرس المؤلم الذي هدد باختفاء شكل السينما كما عرفها الناس طوال القرن الماضي؟

بالنسبة لهوليوود فقد لجأت إلى بعض الأفكار لجذب الجمهور مجددا، وعلى رأسها توفير تجربة مشاهدة مميزة، لا توجد على الشاشات الصغيرة في البيت، سواء من خلال الانتاج الضخم أو قاعات الآيماكس العملاقة، بجانب توفير عوامل جذب أخرى لدفع الناس إلى مغادرة بيوتهم والذهاب لدور العرض. ومن ناحية ثانية تم إقرار اعفاءات وتسهيلات للشركات المتضررة، وتشجيعها على الاستمرار في الانتاج، وتشغيل دور العرض.

وما الذي يحدث في مصر؟

بمجرد أن بدأت دور العرض في استعادة عافيتها هبط على رأس العاملين في صناعة السينما خبطة مطرقة من قبل محافظ القاهرة الذي قرر رفع قيمة رسوم التصوير في شوارع القاهرة والأماكن المملوكة للدولة. وبغض النظر عن ارتفاع هذه الرسوم بشكل معجز، لا يستطيع سداده كثير من صناع السينما في مصر، خاصة الشركات الصغيرة والمستقلين، فإن فكرة فرض رسوم وقيود إضافية على صناعة الأفلام في هذا التوقيت تحديدا تبدو كما لو أنها رسالة للعاملين في صناعة السينما بأن الدولة لا تهتم، ولا ترغب أصلا، فيما تقدمونه. والمدهش أن يأتي هذا القرار في الوقت الذي أعلن فيه السيد رئيس الدولة عن أهمية السينما والدراما وضرورة دعمهما!

فهل تعمل المحافظة وبقية المسئولين عن صناعة السينما في مصر في واد آخر؟ أم أن مفهومهم عن رعاية السينما هو تقييدها إلى الجدار وحلب ضروعها الجافة حتى الموت؟!

وهل هناك أمل في إصدار قانون أو مجموعة قرارات خاصة بانقاذ ودعم صناعة السينما في مصر، بدلا من تركها “ملطشة” لكل عابر سبيل؟!

من ناحية ثانية ماذا فعلت الصناعة نفسها لمواجهة الأزمة أو لاعادة عجلة الانتاج بعد انتهاء الأزمة؟ والسؤال: وهل هناك جهة في مصر معنية بالتفكير في مواجهة الأزمة أو مصير الصناعة بشكل عام، أم أن كل ما لدينا هم مجرد أفراد أو كيانات قزمة، تدعي أنها عملاقة، لا تفكر إلا في نفسها؟

دور العرض ضاعفت أسعار التذاكر خلال فترة الأزمة، وليس هناك الكثير مما يشجع الناس على مغادرة بيوتها وانفاق بضعة مئات من الجنيهات لمشاهدة فيلم يمكنهم مشاهدة مثله في البيت. ولكن على الأقل هناك بعض المحاولات الفردية واهتمام باعلانات الشوارع والسوشيال ميديا. ولنلقي نظرة على بعض الأفلام الأكثر نجاحا التي تعرض الآن.

النمس والإنس

نزل محمد هنيدي بفيلم جديد ( النمس والإنس) من إخراج شريف عرفة يحاولان فيه استعادة نجاحات وشعبية قديمة، ويلعب على محتوى وكوميديا تقليديين ( عن علاقات الغرام التي تقع بين الإنس والجن) مع إضافة بعض التقنيات الحديثة من مؤثرات بصرية وصوتية. وبالفعل يحقق الفيلم نجاحا معقولا مع جمهور العائلات والمشاهدين الأكبر سنا.

ونزل المؤلف والمخرج بيتر ميمي، صاحب سلاسل مسلسلات “الاختيار” و”كلبش”، وأفلام أكشن “حرب كرموز” و”كازابلانكا” بفيلم خيال علمي اسمه “موسى” يستغل فيه مهاراته المميزة كمخرج حركة، على أمل جذب الجمهور بشئ مبتكر، ولكن يبدو أن جمهور “الأكشن” في مصر الذي تستهويه قصص البلطجية والمجرمين لا يبالي بالخيال العلمي ولا قصص الروبوتات التي تشبه البشر، كما يبدو أن جمهور الخيال العلمي يفضل الأصل الأجنبي، ولذلك جاء نجاح “موسى” محدودا ولا يتفق مع طموحه الانتاجي واسم صانعه. وعلى عكس “النمس والإنس” الذي جاءت حملة دعايته موفقة، جاءت دعاية فيلم “موسى” باهتة التأثير، وحتى أفيش الفيلم جاء باهتا تجرديا لا يناسب ذوق الجمهور المصري.

مفاجآت فردية

المفاجأة، ودائما ما تأتي صناعة السينما المصرية بمفاجآت غير متوقعة في أوقات الأزمة، هي فيلم “ماكاو” الذي كتبه وأخرجه وأنتجه عدد من الأسماء الجديدة في الصناعة، وقام ببطولته عدد من الممثلين غير المصنفين كنجوم شباك، منهم بسمة واللبناني نيكولا معوض، وهو فيلم مغامرات وتشويق تحت البحر على طريقة فيلم “جحيم تحت الماء”، تلعب فيه أسماك القرش دورا رئيسيا في الأحداث! وقد ساهمت دعاية أصحابه بأنه يصور أحداثا حقيقية في زيادة مصداقيته واهتمام المشاهدين به، ودون سابق إنذار تصدر الفيلم شباك التذاكر متفوقا على هنيدي وشريف عرفة وبيتر ميمي!\

..ولكن الصناعات الكبرى لا تقوم على مثل هذه المفاجآت الفردية!

اقرأ أيضا:

«نقطة التحول»..الوثائقي الأفضل عن الحادي عشر من سبتمبر

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر