ماجدة الجندي: من سيرة البدايات في «صباح الخير»

في عام 1974 وبمناسبة عيد ميلاد «صباح الخير» كتب فنان الكاريكاتير حجازي مقالا بعنوان “شباب صباح الخير”: “يا بخت الجيل الجديد، يا بختهم. فسوف يستمرون في الرسم والكتابة لصباح الخير بعد أن يكف جيلنا -بعد عمر طويل- مكتفيا بالجلوس على القهوة في الشمس ولعب الطاولة، منتظرا صباح الخير كل خميس”.

وكانت ماجدة الجندي من شباب هذا الجيل الذي كتب عنها حجازي مضيفا: “أحب حماسها للعمل ومنظرها وهي تتحرك أو تكتب أو ترد على التليفون أو تتحرك في المجلة. لكنني أشعر أنها تحمل قلقا أكبر من سنها وأنها تدرك أن مشوارها مرهقا وعسيرا وأن الصحافة تأكل العمر. ولكن يبدو أنها وقعت في غرام صباح الخير والحمدلله”. وكانت ماجدة الجندي قد التحقت بمجلة صباح الخير منذ عامين فقط لتنضم مع كتيبة الجيل الجديد في صباح الخير بصحبة كريمة كمال ومحسن جابر ومدحت السباعي ومنير مطاوع ورمسيس.

ماجدة وصباح الخير

في عام 1973 كانت الدولة تتجه إلى فكرة العمل الحر وترك مقولة “إن فاتك الميري أتمرغ في ترابه”. فكتبت ماجدة الجندي واحدا من أوائل تحقيقاتها في المجلة في فبراير 1973. وكان التحقيق بعنوان: “المغامرة غير مخيفة وهذه هي بعض النماذج”. كتبت فيه “منذ سنوات ليست بالقليلة كان العمل الميري هو حلم كل شاب مازال في أول طريقه. لم يكن الميري مجرد عمل بل كان بمثابة الضمانات الجاهزة التي لا تكلف الشاب أي قدر ولو بسيط من القلق أو المغامرة ويكفل على الأقل الحد الأدنى من الاستقرار والأمان. غير أن هناك لمسات تطور بدأت تزحف في هدوء على تلك الصورة. لم تعد الضمانات الجاهزة تشد الشباب المصري بقدر ما يشده أن يصنع هو بنفسه ضمانات من مستقبله”.

وبدأ الخوف من المغامرة يتلاشى. ثم بدأت ماجدة الجندي في عمل زيارات لشباب أقدموا على العمل الحر وتركوا الوظائف الميري. فهذا هاني الشرقاوي صاحب الشركة العربية للسوست والصناعة. قد حصل على ليسانس حقوق ولم يعتبر أن شهادته هي الطريق المباشر لعمله وسافر إلى فرنسا. وبعد عودته فكر في العمل التجاري الحر وبالصدفة عرضت عليه هذه الشركة وكانت تعاني من التدهور والموت وبدأ مغامرته في العمل الحر.

عمر مكرم

وتذهب ماجدة الجندي إلى الشاب عمر مكرم صاحب محطة البنزين في مصر الجديدة. وتسأله: هل خفت من المغامرة؟ وكانت الإجابة: لقد خططت لحياتي وبثمرة تخطيطي وعملي أخذت أنا وزميلي توكيلا لمحطة البنزين وبدأنا من الصفر. وتذهب لثالث ورابع من حملة الماجستير الذين فضلوا العمل الحر على الوظيفة الميري. وتذهب إلى نماذج من الجنس اللطيف وهن صوفي حكم وناريمان حجاج ومايسة إبراهيم. الأولى فنون جميلة والثانية بكالوريوس تجارة، ويعلقن في صوت واحد أنهن حطمن فكرة الميري أو الوظيفة ببريقها وقررن فتح بوتيك وسط صراخ الأهل واعتراض كل المحيطين بهن. وتتساءل ماجدة الجندي في نهاية التحقيق: شيء ما يحدث في تفكير هذا الجيل شيء ما. كان نتيجته الرغبة في تحقيق أي شيء يقتنع به ويرضى عنه شيء ما كسر أسوار الخوف وحطم عبودية الميري.

وفي مارس من عام 1973 تكتب ماجدة الجندي تحقيقا بعنوان “وظيفة ذات جاذبية.. المعيد. هل تتزوجين معيدا؟”. تناقش فيه الأعباء التي يتكبدها طلاب الدراسات العليا في مصر مع ضعف الإمكانات البحثية في الجامعات مما يزيد من أعباء المعيدين.

المولد في قرى مصر

وفي إبريل 1974 وبمناسبة ذكرى المولد النبوي تقوم ماجدة الجندي بعمل مغامرة في قرية دماص بمحافظة الدقهلية. لتنقل للقراء تفاصيل وطقوس احتفال القرية بالمولد النبوي في تحقيق بعنوان “عروسة وحصان”.

وتكتب: “مازالت زفة المولد والليلة الكبيرة في القرية المصرية لها نكهة خاصة وطقوس مميزة لم تتغير. ففي الأسبوع الأول لشهر ربيع أو شهر المولد كما يعرفونه في القرية تبدأ حياة جديدة في القرية الساكنة. أقراص الحلاوة والعرائس الصغيرة فوق الطاولات الخشبية تحملها العربات الكارو .في موكب بشائر المولد وترتفع زغاريد القرويات المترقبات للموكب”.

وتصف بدقة طقوس المولد في القرية والذي يستمر لأسبوعين ولا يقتصر على مسلمي القرية. بل أن مسيحيها أيضا لهم دورهم، فالمعلم رياض مينا لا يتنازل أبدا عن حقه في أن يقوم بعادة العشاء للشيح وبطانته. وكان الخواجة داوود صليب أحد أثرياء القرية يعرف تماما ما يجب أن يساهم به من تبرعات في هذه المناسبة دون أن يدعوه أحد لذلك.

الآثار الإسلامية للإيجار

أما أهم تحقيق في فترة بدايات ماجدة الجندي فكان في أغسطس 1974 بعنوان: “الآثار المصرية للإيجار”. وكانت هيئة الآثار قد أعلنت عن تأجير بعض البيوت الإسلامية الأثرية لاستغلالها ككافتيرات ومطاعم سياحية. وتحدد في الإعلان خمس بيوت يبدأ بها المشروع وبدأ تقديم الطلبات وارتفعت الأصوات بالدهشة وارتفعت أصوات أخرى بالتبرير والشرح.

ومن ضمن  هذه الأماكن كان بيت السحيمي وقصر المسافرخانة. وذهبت ماجدة الجندي لمدير مشروع الصوت والضوء لتأخذ رأيه في هذه القرارات وكانت وجهة نظره أن الآثار الإسلامية في مصر تفتقد العناية التي تشد الأنظار. ولذلك فكرنا في أنه من خلال تأجيرها فأن تلك الآثار سوف تلقى نهضة وعناية غير متوفرة حاليا في هيئة الآثار. ويؤكد أنه كرجل مسؤول قبل الفكرة.

وتلتقي بصاحبة مطعم “فلفة” الشهير، وقد اشتركت أيضا في المزايدات وقالت في التحقيق: “أنني مصرية وبالتالي أقدر على الحفاظ على هذه البيوت وأولى من الأجانب في تشغيلها. ثم أن لي تجارب واضحة في تشغيل المطاعم سياحيا ونتيجة عملي يراها المسؤولين في محلاتي الثلاثة”.

وتنتقل إلى وجهة نظر معارضة للمشروع وهو الأستاذ عبدالرحمن عبدالتواب، مدير عام الآثار الإسلامية، الذي يرفض تماما فكرة استغلال الآثار الإسلامية لتحقيق إيراد ويطالب بتحويلها إلى متاحف توعية أو متاحف شعبية. ويتساءل لماذا لا توجد اعتمادات للعناية بالآثار مثل الاعتمادات الموجه للسينما والمسرح؟

مع أبناء شهداء أكتوبر

وفي الذكرى الأولى لحرب أكتوبر تقوم ماجدة الجندي بعمل تحقيق مع أبناء شهداء الحرب، كتبت في مقدمته: “عندما ذهبت إليهم انتابني للحظات مزيج من التخوف والرهبة جعلني أتحسس مناطق الكلام دون أن أجرؤ على الخوض فيها. شملني إحساس بأن أعوادهم الطرية قد لا تتحمل عبء هذا الحديث. في هدوء شديد رحت أحوم حول المعاني بحثا عن نقطة بدء لكن كلماتهم الأولى حملت مفاجأة. فرغم أعمارهم التي تتراوح بين 8 سنوات و14 سنة، إلا أن تعبيراتهم عما حدث في أكتوبر جاءت قوية تعكس صلابة آبائهم. أنهم بعض أبناء شهداء حرب التحرير المصرية، ذلك الامتداد الأخضر الجديد لمن أعطوا مصر حياتهم في أكتوبر”.

وتتنقل بين أبناء وبنات الشهداء فهذه “منى إبراهيم عبدالتواب” ابنة الشهيد إبراهيم عبدالتواب قائد موقع كبريت. تقول منى: “عندما علمت باستشهاد بابا كان ذلك نصف مفاجأة لي لأنني أعلم أن أبي رجل عسكري والاستشهاد هو أحد الاحتمالات المطروحة أمامه”. وفي دفتر بسيط بلون السماء وضعت منى مشاعرها خطتها بأحرف وكلمات بسيطة، في الصفحة الأولى رسمت وجه أبيها البطل الشهيد وتحته كتبت شهيد.

أغنية حب للسويس

ومع احتفالات الذكرى الأولى لحرب أكتوبر تكتب ماجدة الجندي تحقيقا بعنوان” أغنية حب للسويس” تذهب إلى السويس لتلتقي مع أهالي المدينة الباسلة. وتكتب: “رغم كل ما قدموه إلا أن وجوههم مازالت تطرق خجلا عند أي كلمة إعجاب أو تحية، أنهم بعض أبناء السويس الذين عاشوا أيام المدينة المجيدة في أكتوبر وأعطوها كل ما يملكون دون صراخ. بسطاء لا يعرفون العبارات المتأنقة ولا يجيدون فن الجلوس إلى الكاميرات لكنهم ينسجون بصدق قصائد حب للبلد”.

وتتوالى التحقيقات وتكتب عن “البحث عن العريس الجاهز”. وأن الفتيات يبحثن عن الحياة بأقصر الطرق وهو طريق العريس الجاهز. فهي تريد العريس صاحب السيارة والمال ولا تريد العريس الذي تشق معه الطريق من بدايته.

وتكتب عن مدينة بورسعيد بعد قرار تحويلها لمنطقة حرة تحقيقا بعنوان: “إذا انتعشت بورسعيد ماتت المدن التجارية في العالم بالسكتة”.

وتكتب عن النصب باسم الانفتاح الاقتصادي قائلة :”أخر ما وصل إليه المحتالون في مصر هو النصب باسم الانفتاح الاقتصادي واستغلال فرصة فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية. وبدأ المحتالون يفكرون كيف يمكن الاستفادة من هذه الفرصة؟”.

وتحاور الدكتور أنور عبدالملك وتكتب تحقيقا عن حوارها معه بعنوان: “نظرة مفكر مصري في فرنسا” عام 1975. وتكتب عن ملابس الجامعة وعن الضجيج في الشوارع. وعن ثورة يوليو والثقافة وتعرض كتب لأهم المفكرين.

وتستمر ماجدة الجندي مع صباح الخير لينطبق عليها ما كتبه عنها حجازي. بأنها تحمل قلقا أكبر من سنها وأنها تدرك أن مشوارها مرهقا وعسيرا وأن الصحافة تأكل العمر.

اقرأ أيضا

ماجدة الجندي: سيدة السرد الصحفي الجميل

علاء خالد يكتب: كانت تمتلك نسخة حديثة من النوستالجيا

د.محمد أبوالغار يكتب: ذكريات مع ماجدة الجندي              

أحمد اللباد يكتب: في شرفة مكتب «الأستاذة»

عماد أنور يكتب: وش الخير وصاحبة البشرى

محمد الغيطاني يكتب: وردة كل يوم

ماجدة الغيطاني تكتب: «أن تُحِبُكَ ماجدة»

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر