الذين يكرهون الضحك!

«هيئة المحطات النووية تطالب بإيقاف مسلسل «خالد نور وولده نور خالد» بسبب ما يتضمنه من أخطاء تخص المفاعل النووي قد تتسبب في تكوين صورة ذهنية وتوصيل معلومات خاطئة عن المفاعلات النووية».

هذا هو الخبر الذي خرج علينا منذ يومين، والذي علق عليه البعض بأنه مضحك أكثر من المسلسل نفسه. والتعليق مضحك أكثر من المسلسل والخبر.

يشعر المرء إزاء هذا النوع من الأخبار بأننا نعيش في كوميديا عبثية لا تنتهي. فقد شهدنا هذا الشهر ثلاثة أخبار على الأقل مماثلة لهذا العبث: أولها قيام أحد المحامين برفع دعوى تطالب بإيقاف مسلسل “نعمة الأفوكاتو” بسبب إساءته للمحامين. والثاني اعتراض مصلحة الطب الشرعي على مسلسل “أشغال شقة”. والثالث اعتراض بعض “المؤرخين” على الأخطاء “التاريخية” في مسلسل “الحشاشين“.

***

ولا يكاد يوجد هيئة أو نقابة أو شخص في مصر كلها لم يعترض على مسلسل أو فيلم أو أغنية خلال السنوات الماضية. ما يشعر المرء أن المسلسلات والأفلام والأغاني يجب تحريمها وإلغاءها من الوجود. أو بتكليف هيئة من موجهي المدارس الابتدائية الحكومية بمراجعة كل الأعمال الفنية. واستخدام العصا و”الفلكة” لتأديب أصحاب الأعمال غير الملتزمة (وأخشى أن يقوم المدرسون برفع دعوى تطالب بإلغاء هذه الفقرة من المقال لأنها تسخر منهم!).

إما أن الدراما والفنون رجس من عمل الشيطان، وإما أن الاحتمال الثاني الذي يفكر فيه المرء هو أننا مجتمع لم ينضج بعد. لا يمكنني حتى أن أقارنه بالأطفال، لأن أطفالنا أكثر عقلانية وامتلاكا لحس الدعابة.

لن أناقش هنا حقيقة أن أعمالنا الفنية هي الأقل تعبيرا عن الواقع من بين كل بلاد العالم، ولا أن الواقع يفوق بأضعاف مضاعفة ما يمكن أن نراه أو نسمعه في الدراما والأغاني، ولا أن “خروجة” قصيرة إلى أي الشارع، أو حتى شرفة بيتك، سوف تخبرك عن مآسي ومهازل الواقع أكثر من المسلسلات والأفلام.

***

ما أريد أن أناقشه هو ظاهرة “التيبس” الذي تتصف به المؤسسات والهيئات والنقابات وحتى الجمعيات الأهلية. وتركيزها المريب على ملاحقة الأعمال الفنية أكثر مما تهتم بما يحدث في الواقع نفسه. وهو ما يذكرني بنظرية الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون في كتابه “الضحك”، من أن الكوميديا تنشأ بالأساس من اصطدام حالة من “التيبس” أو “التصلب” بموقف أو شيء يتطلب التكيف أو المرونة.

نحن أمام أعمال فنية خيالية كوميدية، والفنون هي أكثر النشاطات البشرية إعمالا للمرونة والابتكار وتجاوز المألوف. ولعل ذلك سبب رعب وغضب “المتصلبين”، “المتيبسين” من هذه المرونة التي تستدعي منهم أن يكونوا أكثر رحابة وسعة أفق وتكيفا وفهما للواقع. وكلها صفات غائبة أو شحيحة للغاية في مجتمعنا.

المشاهدون البسطاء يجلسون أمام الشاشات يوميا (سواء كان مسلسلا كوميديا أو برنامج مقالب أو “كليب” على “التيك توك”) أملا في الحصول على ضحكة صافية تريح قلوبهم من عناء التصلب وعدم المرونة.

..ولكن بما أن معظم هذه الأعمال الكوميدية تخلو من الكوميديا (مثل “خالد نور..” الذي سرعان ما أصيب بالتيبس الكوميدي والدرامي بعد حلقة أو اثنتين). فإنني أنصح هؤلاء المشاهدين بقراءة أخبار الهيئات والنقابات المعترضة على الأعمال الفنية، لعلهم يجدون فيها ما يضحكهم أكثر!

اقرأ أيضا:

وودي آلن.. أكثر الرجال ضحالة

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر