في ندوة «التشكيل وفنون أخرى»: كيف يُقدّم الفن التشكيلي حاليًا؟

أقيمت ضمن فعاليات معرض «الرحلة» الذي ينظمه موقع «باب مصر» التابع لشركة «ولاد البلد للخدمات الإعلامية» بمتحف الفن الجميل بالإسكندرية، حلقة نقاشية بعنوان “التشكيل وفنون أخرى”. تحدث فيها عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، عن الإعلام والفن التشكيلي،و الناقد السينمائي عصام زكريا عن السينما والفن التشكيلي، و الكاتب والروائي علاء خالد عن الأدب.

السينما والفن التشكيلي

بدأ الناقد السينمائي عصام زكريا حديثه مؤكدا أن السينما خرجت من رحم فن التصوير في الأساس، ومن خلال الصور المتتابعة التي قدمتها السينما، فالأمر ليس بجديد إذ أن الفن في الأساس؛ وخاصة فن التصوير ظهر على المعابد الفرعونية، وهو تاريخ طويل ممتد وكتب عنه كثيرًا خلال فترات التاريخ، لكن الوضع قد اختلف مع ميلاد الفيلم الروائي والمسرحي. حيث بدأت تظهر مظاهر أدبية للسينما. ونشأت صراعات بينهما وأصبح لدينا مصدران هامان لتقديم السينما. ونشأت حالة من التمرد أحيانا من جانب المخرجين والسينمائيين. ففي فرنسا تحديدا ظهرت صراعات وأجيال اهتمت بالفن التشكيلي أكثر من الاهتمام بالجانب الأدبي. وقد ظهر العكس أيضا، ولا يزال الصراع مستمرا بين الصورة وبين الكلمة لكن في النهاية الفيلم العظيم هو الذي يستطيع الجمع بين كلا الفنين وكأنهما نسيج عضوي واحد.

ندوة التشكيل والفنون بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية على هامش افتتاح معرض الرحلة
ندوة التشكيل والفنون بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية على هامش افتتاح معرض الرحلة
تغيير جذري

وضرب عصام مثالا بالفنان التشكيلي الإسباني سلفادور دالي ولويس بونويل، والذي يعد أحد المخرجين الكبار وأحد المؤسسين للسوريالية في تاريخ السينما. فكلاهما قاما بتنفيذ فيلم سنة 1920. وقد خرج الفيلم بثورة حقيقية في فن السينما، فخلال تلك الفترة كان الاعتماد أكثر على المسرح. حتى الأفلام الروائية الأولى كانت لتوثيق بعض الفنانين المسرحيين، لكن هنا حدث تغيير جذري، إذ تم الاعتماد على الفن التشكيلي بشكل كبير.

وتابع: الفن التشكيلي في حد ذاته يدخل في جميع عناصر الفنون، كالتصوير، والديكور، والملابس، والإضاءة. إذ أن جميع تلك العناصر يشرف عليها فنانون تشكيليون. فيجب على المخرج -من وجهة نظري- أن يصبح فنانا تشكيليا كي يفكر بالصورة دائما وليس بالكلمة، وهذا الأمر هو ما يقوم به المخرجين الكبار، وعلى رأسهم شادي عبدالسلام، ويوسف شاهين، وغيرهم الكثيرين فدائما ما كانوا متأثرين بالصورة في أعمالهم.

المناخ العام

واشار زكريا إلى تغيير تغير المناخ العام في الوقت الحالي. وقال: “أنا ابن مجلة صباح الخير وقررت أن أصبح صحفيا، وعندما دخلت المجلة كنت سعيد الحظ إذ قابلت الأجيال القديمة من الفنانين التشكيليين، لكن حاليا لم يعد هذا الوضع موجودا، فالصحافة نفسها باتت مهددة بالانقراض. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد بدائل، فهناك دائما بدائل، فخلال الفترة الحالية أصبح هناك نوع من المرونة بسبب السوشيال ميديا، والمعارض الافتراضية والمحاضرات، وكذلك التعليم. فهذه الأمور قدمت الكثير من التسهيلات للكثيريين. وهذه الأشياء لم تكن موجودة في وقتنا. إذ أصبح اليوم تعلم الفن التشكيلي أكثر سهولة فنحن في السابق كنا نضطر للذهاب لأحد الأشخاص كي يعلمنا الفن التشكيلي والسينما لكن اليوم لم تعد الأمور كذلك. إذ أصبح الوصول للمعلومة أكثر سهولة”.

حضور ندوة التشكيل والفنون بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية على هامش افتتاح معرض الرحلة
حضور ندوة التشكيل والفنون بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية على هامش افتتاح معرض الرحلة
مجتمعات ناضجة

عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق وعضو مجلس الشيوخ أشار إلى قوة العلاقة بين الصحافة والفن التشكيلي:  “ظلت هناك علاقة قوية بين الفن التشكيلي والصحافة في فترات كثيرة، لكن حدث الآن للمجتمع تراجع كبير في الكثير من الأمور وجزء من هذا التراجع انعكس على النظرة في الفن التشكيلي، لأنه غير تجاري وغير مربح للأسف الشديد ومثل هذه الأمور لم تعد تجدي فثقافة “التكاتك” هي السائدة خلال الوقت الحالي، وأسهل شيء يقوم به الناس هو إلقاء اللوم على الإعلام. لكن الإعلام ليس هو المشكلة – من وجهة نظري – فالإعلام هو انعكاس للوضع الموجود في المجتمع.

فنحن نحتاج لنموذج محمد أبوالغار في حياتنا، ونحتاج للكثير من النماذج مثله؛ المتذوقة للفن. لذلك يجب زرع حب الفن من خلال المراحل الدراسية المختلفة، ليكون جزء من الدراسة. وكذلك فهناك دور يقع على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى. وأخيرا الإعلام؛ والذي وهو الحلقة الأخيرة. فهناك مجتمعات ناضجة ومتحركة والإعلام هناك بدوره يعكس تلك الأمور. وهذا الأمر ليس دور الحكومة أيضًا فهي من الممكن أن تبني متحفًا، لكنها لا يمكن أن تجبر مواطنًا كي يأتي لزيارة متحف. فأنا حين سافرت إلى مدينة كيوتو اليابانية رأيت طوابير من الناس تمتد لمسافة كيلو متر للدخول للمتحف، فهذه “حالة” شعب كامل يغرس بداخله حب الفن”.

السخرية المجتمعية

وأشار حسين أن هناك حالة من السخرية المجتمعية دائمًا ما يتم توجيهها للفنانين التشكيليين مضيفا: “الصحافة في مصر تتحمل جزء من هذا الأمر. فلابد أن يتم تدريب المحرريين على تذوق الفن التشكيلي لأنه لا يوجد الكثير من المحررين الثقافيين التشكيليين. فعندما بدأنا تجربتنا في جريدة الشروق كنا نملك حوالي 4 صحفيين يعملون في الفن التشكيلي، لكن خلال الوقت الحالي لم يعد عندنا أي صحفي يستطيع أن يقيم الأعمال الفنية. لذلك يكون دور الصحفي فقط هو تغطية المعارض ليس أكثر. فهذه مشكلة تعاني منها أغلب الصحف على حد سواء، لذلك على نقابة الصحفيين أن تدرب الصحفيين على تذوق الفن التشكيلي، كي نؤهل الصحفيين على تقديم نظرة نقدية لمثل تلك الأمور”.

رواج وسائل التواصل

فيما تحدث الكاتب والروائي علاء خالد، وقال: “لا يمكنني الربط بين الفن التشكيلي والرواية بشكل مباشر. ففكرة الرواية لا يمكن مقارنتها بالفن التشكيلي، فهناك مفاهيم تناقش داخل الروايات منها مشاكل الفن التشكيلي. وكذلك عزلة الفنان التشكيلي عن العالم المحيط به، فهذه المفاهيم هي التي تناقش داخل الأعمال الروائية. إذ يتم غالبًا تقديمه من خلال صورة نمطية توحي بانعزاله الدائم عن مجتمعه، وأنه إنسان غير قادر على أن يتصالح مع مجتمعه. فروايتي الأخيرة على سبيل المثال تحدثت عن علاقات الفنانيين التشكيلين ببعضهم البعض، وعن القضايا التي تهمهم، فنظرًا لقربي من الفنانين التشكيلين أردت تحويلهم لمعنى أو لحكاية. لذلك أنا دائما ما أشعر بأن هناك شيء غائب في مصر طوال الوقت وهو يخص؛ كيفية تفسير الفن في مصر”.

وأضاف: الفن لم يعد مجرد “لوحة” فأغلب جيل ما بعد فترة التسعينيات أدركوا هذا الأمر. فجمهور الفن أيضا اختلف الآن، فأصبح الفنان بدوره لا يلتفت لجمهوره بل يلتفت دائما للأفكار العالمية. لكن السوشيال ميديا بدورها عملت نوع من الرواج لإظهار فنانين ظلموا كثيرا لسنوات. وقد تم إظهارهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضا

افتتاح معرض «الرحلة» بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية

في اليوم الثاني لـ«الرحلة»: ورشة فنية عن التذوق الفني

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر