غرق جامع «شرف الدين» الأثري في المياه الجوفية.. هذه مكانته النادرة

يواجه جامع «شرف الدين»، المسجد الأثري في شارع الأزهر، خطر المياه الجوفية، حيث تحولت الأرضية والمدخل إلى بركة مياه متجمعة. تظهر الصور الحديثة حالة سيئة لأرضية المسجد نتيجة تجمع كميات كبيرة من المياه، مما أدى إلى ظهور بقع مائية على الجدران.

المياه الجوفية.. أزمة متكررة

مشكلة المياه الجوفية واحدة من المشاكل المتكررة في القاهرة التاريخية. تم اكتشاف وجود المياه الجوفية في شارع المعز لدين الله الفاطمي في السابق، وتم اتخاذ إجراءات للتخلص منها. ومع ذلك، فإن المشكلة عادت من جديد لتؤثر على جامع “شرف الدين” والمنطقة المحيطة به.

أعرب الدكتور محمد حمزة الحداد، أستاذ الفن الإسلامي والآثار الإسلامية والعميد السابق لكلية الآثار ومساعد رئيس جامعة القاهرة، عن قلقه إزاء هذا الوضع. إذ يقول لـ«باب مصر»: “من الضروري التعامل مع هذه المشكلة في جامع شرف الدين والمنطقة المحيطة به، حتى لا نفقد هذا التراث الفريد والنادر للعمارة الإسلامية”. يعد جامع “شرف الدين” من المساجد المسجلة كآثار، حيث يحمل رقم 176.

ويضيف: “من المهم أن يتم اتخاذ إجراءات فورية لحل هذه المشكلة ومنع تفاقمها. ويتطلب الأمر التعاون بين الجهات الحكومية والخبراء في مجال الآثار والهندسة المعمارية لإيجاد حلول فعالة ومستدامة لمشكلة المياه الجوفية في هذا الموقع الأثري”.

جامع شرف الدين

أنشأ المسجد شرف الدين موسى بن عبدالغفار المالكي الصغير، خلال العصر المملوكي البحري. ويعتبر طراز فريد من الجوامع المصرية التي ترجع إلى العصر المملوكي. وكان هذا الجامع في الأصل قاعة سكنية جزءا من قصر لـ أل فضل العُمري من زمن السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 717 هجريا – 1317 ميلاديا.

وعن تاريخ تحول القاعات السكنية إلى جوامع أو مدارس، يقول الحداد: “هذه ظاهرة حدثت في العصر المملوكي لكثير من القاعات السكنية. وتحولت إلى مساجد أو إلى مدارس وبعضها لازال باق لكنه قليل جدا”. ومن بينها قاعة شاكر بن الغنام داخل حرم الأزهر الشريف في حي الأزهر، والتي تحولت إلى جامع. وقاعة طشتمر بدرب الحصر التي أصبحت جامع أحمد بك كوهيه وقاعة أل فضل الله الذي حوله السلطان الغوري وأخوه شرف للجامع الذي لا يزال موجودا حتى الآن.

تحوّل سكن تاريخي إلى جامع

في منطقة مهمة جدًا من تاريخ القاهرة، تقع قاعة شرف الدين كتحفة معمارية نادرة. تعتبر القاعة مثالًا قليلًا من القاعات السكنية التي تم تحويلها إلى مساجد واستمرت في البقاء حتى يومنا هذا. تقع القاعة في منطقة سويقة الصاحب، التي كانت تعد واحدة من المناطق التاريخية الهامة خلال عصر المماليك.

وقد وصف المؤرخ المقريزي هذه المنطقة بعدد من العمائر الفخمة الرائعة. تعتبر قاعة شرف الدين واحدة من هذه العمائر التي تحولت فيما بعد إلى مسجد. وفي حالة تحويلها إلى مدرسة، يتم وضع محراب في الاتجاه القبلي. بينما عند تحويلها إلى جامع يتم إضافة منبر لإقامة صلاة الجمعة.

ويستكمل د. محمد حمزة الحداد، أن منطقة قاعة شرف الدين جزءًا من منطقة التربيعة والحمزاوي في حي الأزهر والموسكي، والتي تعد واحدة من أهم المناطق التجارية والاقتصادية في مصر الحديثة. تحتفظ القاعة بسحرها التاريخي وتذكرنا بالزمن الذي كانت فيه قاعات السكن تتحول إلى أماكن دينية وتعبّر عن التطورات والتغيرات التي شهدتها المدينة على مر العصور.

ويقول: “يعتبر جامع شرف الدين شاهدًا على الثقافة والتاريخ الغني للقاهرة. ويعكس تحويل الأماكن السكنية التاريخية إلى مساجد. ويجب الحفاظ والاحتفاظ بها كجزء من التراث الثقافي والأثري للمدينة”.

من المسؤول عن المساجد الأثرية؟

تطرق د. محمد حمزة إلى مسؤولية حماية وترميم جامع شرف الدين، ويقول لـ «باب مصر»: “يعتبر مسجد شرف الدين، الذي يحمل تصنيفًا تاريخيًا، جزءًا من التراث الثقافي في مصر. وفقًا للقانون رقم 117 لعام 1983، يتولى المجلس الأعلى للآثار مسؤولية حماية وصيانة المسجد. وتشارك في ذلك القطاع الإسلامي بالآثار واللجنة الدائمة”.

لكن هناك تحديات فيما يتعلق بالحفاظ على المساجد الأثرية المنتشرة في مصر. حيث تنقسم المسؤولية بين وزارتي الآثار والأوقاف. وفي هذا الصدد، يوضح: “هذه مشكلة كبيرة تم طرحها سابقًا من خلال مطالب ونداءات إلى رئاسة الجمهورية لوضع قانون موحد للآثار والتراث. حيث إن اختصاص الآثار الإسلامية منقسم بين وزارتي الآثار والأوقاف والداخلية والثقافة في الماضي”.

ويشير إلى أهمية توحيد القوانين الأربعة المتعلقة بالمساجد الأثرية، وهي قانون رقم 117 الخاص بالآثار، وقانون رقم 14 لعام 2006 الخاص بالتنسيق الحضاري. ويذكر أنه قد حدث في منطقة القاهرة التاريخية تدمير للعديد من القطع التراثية؛ والسبب وراء ذلك هو أنه لم يكن قد مر على وجودها 100 عام.

كتابات تاريخية

يقع هذا الأثر في شارع سوق السمك القديم بحمزاوي في حارة السبع قاعات القبلية. وقد تم إنشاؤه بواسطة شرف الدين عبدالوهاب بن الصاحب جمال الدين بن النافر فضل الله بن الأمير عز الدين الحلى بن دعجان العمرى. الذي كان يشغل منصب كاتب السر للملك الناصر محمد بن قلاوون. وبعدها تم نقله عن هذا المنصب وتولى منصب كاتب السر في دمشق. حيث بقي فيه حتى وفاته في ثالث رمضان من عام 717 هـ/ 1317 م. وقد عاش لمدة تزيد على 94 عامًا، وترك ثروة كبيرة. وكان شخصًا فاضلاً وبارعًا وعاقلًا وموثوقًا به، وكان خطه جميلًا وأدبه جيدًا.

وبحسب وصف علي باشا مبارك لجامع شرف الدين في كتابه “الخطط التوفيقية”: “جامع القاضي شرف الدين، وهو بخط الحمزاوي بحارة السبع قاعا. بناه جركسي وبه إيوانا ومنبر صغير وصحنه مفروض بالرخام. وبه صهريج وله أوقاف تقام شعائر من ريعها باسم بانيه القاضي شرف الدين الصغير. وأوقاف باسم ابنه محمد شمس الدين وباسم أخيه عبدالجواد الفخري”.

ومن حيث التصميم العام وعناصره، يتبع هذا المسجد تخطيطًا مشابهًا للمدارس التي تتكون من دركة وسطى مغطاة بسقف خشبي ثماني الأضلاع. يطل على هذه الدركة إيوانان، وهما الإيوان الجنوبي الغربي والإيوان الشمالي الشرقي، وكلاهما بنية مدببة. ولهذا الأثر واجهة رئيسية، يقع في طرفها الغربي المدخل الرئيسي. وأمامه مساحة مستطيلة يستخدمها المصلون كساحة صلاة.

اقرأ أيضا:

معرض «السكندري».. تأملات محايدة في شكل الإسكندرية للفنان محمد جوهر

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر