“القهوة”.. كيف حرّمها العلماء ثم اقترن شربها بالعزاء؟

قنا- هاجر جمال

فنجان القهوة هو جليس أصحاب المزاج العالي، إذا كنت واحد من عشاقها، هل تعرف قصتها، وكيف صمدت لتكون معنا حتى ذلك الوقت بمذاقها الذي لا يقاوم، ورائحتها.

يُحكى أنه في العام 1511 كان هناك مشروب اعتاد الخلق على مذاقه، كانت حباته تؤكل كحبات البندق أو الجوز، إلى أن طبخ وصار شراب يصنع من قشر حبوب تأتي من بلاد اليمن، يقال لها البُن.

انتشر هذا المشروب بين أهالي الحجاز، لكن الطريقة التي كان يتناولونها بها أدت إلى ارتياب خاير بك، ناظر الحسبة في مكة “أي الوصي علي أخلاق المجتمع آنذاك”، وبينما كان عائدًا من الحرم المكي في طريقه إلى منزله، وجد عددًا من الرجال بعد الاحتفال بالمولد النبوي، يتداولونها بينهم في كؤوس تدار، ويجعلونها محل رهان، كان الأمر أشبه بما يفعله شاربي الخمر.

خاير بك شك في الأمر، ورأى أنه يتعارض مع أخلاق السنة النبوية، ما جعله يرفع محضرًا إلى الباب العالي بالقاهرة، للنظر في أمر هذا المشروب الجديد.

أقلقت  السلوكيات الجديدة والشراب غير المعهود خاير بك، بحسب ما جاء في كتاب “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي”، للكتاب محمد م. أرناؤط، ليجتمع قضاة الإسلام وعلماء الدين، صباح اليوم الذي يليه لمناقشة أمر القهوة.

يبدو من هذا المحضر كما ذكر في الوثائق أن الشيخ نور الدين بن ناصر الشافعي، مفتي مكة آنذاك، كان من المدافعين عن القهوة خلال الاجتماع، ما عرضه إلى مصاعب كثيرة بعد أن كفره بعض الحاضرين، ووصل الأمر لاستصدار فتوى بشأن القهوة.

و يبرز شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، 1420-1520، الذي أصدر فتوى بمنع الناس من شربها، إلا أن المولعين بشربها راجعوه للعدول عن هذه الفتوي، ما دعاه إلى اختبار شاربي القهوة، إذ لم ير منهم من الكلام ما هو فاحش بل وجد منهم ميولا قليلا، لذلك صنف في الأمر كتابًا.

بينما وجد في محيط الأنصاري من عارض القهوة، أمثال الشيخ ابن عبد الحق السنباطي، الذي أخذ يقود حملة في مجالسه بالأزهر ضد القهوة وبيوتاتها، التي عرفت وقتها بيبت المقهى من خلال الدعوة لحرقها، فنتج عن ذلك فتنة كبيرة وجدل بين العلماء والأهالي.

ولتجنب هذه الفتنة أحيل الأمر إلى قاضي القضاة محمد بن إلياس الحنفي، الذي أحضر جماعة ممن يشربون القهوة فأمر بطبخها وشرب منها بحضرته وجلس يتحدث معهم معظم النهار فلم ير منهم شيئا منكرا فأقرها في حينها.

ولكن الشيخ السنباطي لم يعترف بها أبدا وجمع المناصرين له لتنظيم حملة ضد القهوة، دعا فيها إلى حرق بيوت المقهى، فتصنت عليه أحد الجواسيس المناصرين للقهوة وبلّغ بقية التابعين المدافعين، وهو ما أدى إلى اندلاع ثورة للدفاع عن وجود القهوة.

احتشد مناصرو القهوة حول الجامع الذي كان فيه الشيخ السنباطي هو وأعوانه، ونصبوا صوانا وزعوا فيه القهوة علنا في الميادين المجاورة، لمدة ثلاث أيام باعتباره ميت، ومن هنا توارثت العادات والتقاليد، وأصبحت القهوة توزع في المأتم كمشروب رسمي، كما أنها تعتبر تشريفة لشاربها ولقدومه المكان الذي يشربها فيه.

وإلى إسطنببول يرجع إنشاء أول مقهى في العالم، وانتقلت القهوة عبر اليمن إلى أوروبا والعالم الغربي، إذ عرفت بـ نبيذ العرب، ومن ثم انتشر البن في كافة أنحاء العالم عن طريق ميناء عدن في اليمن.

وللحصول علي أفضل فنجان قهوة لابد من أن تنتقي نوع بن جيد ومحمص بعناية فائقة، ضع ملعقتين من البن المطحون، مع سكر حسب الرغبة، ومعيار من الماء إذا كنت من أصحاب المذاق الرفيع، أو لبن لمحبي المذاق المحلى.

قلب ذلك جيدًا وضعها علي نار يكاد لهبها يشبه الشمعة المشتعلة، وتقلب من حين إلى آخر حتى إلى أن يصبح لها وجه سميك يسمي في مقاهى مصر بـ “وش القهوة”، واستمتع بمذاقها.

 

مصادر:

محمد الأرناؤوط، من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، 2012، نسخة pdf

مصدر الصورة: cairo 969-1969، مطبوعة أصدرتها وزارة الثقافة المصرية 1969 باللغة الإسبانية بمناسبة مرور ألف عام على إنشاء القاهرة

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر