«شريف سنبل».. من سيرة المؤرخ الفوتوغرافي الذي غيّر نظرتنا للتاريخ

«يحمل في يده عصا سحرية وليست أداة للتصوير.. ينتج لنا بها مشاهد لما نراها من قبل» بهذه الكلمات نعى محبو الفنان والمصور الراحل شريف سنبل، الذي توفي قبل أيام عن عمر يناهز 67 عاما، ليترك خلفه إرثًا فنيًا لا يُنسى في عالم التصوير الفوتوغرافي.

في محبة شريف سنبل

كان شريف سنبل (1956 – 2023) مصدر إلهام للعديد من الفنانين وعشاق التصوير حول العالم. حيث استطاع بتفرده وابتكاره أن يجسد لحظات فريدة ويروي قصصًا مميزة من خلال عدسته الساحرة ويوثق مشاهد مختلفة لمباني تاريخية وأثرية.

عبّر سنبل عن رؤيته الفنية الفريدة من خلال تجسيد العواطف والمشاعر في صوره. وكانت لديه قدرة استثنائية على إيصال رسالة فنية قوية من خلال الألوان والظلال والإضاءة.

استخدم العدسة كوسيلة للتواصل، حيث كانت كل صورة تحمل قصة وتعبيرًا عن فكرة أو رؤية محددة. ولم يقتصر نعيه على محبيه في مصر فقط، بل نعت سفارة بولندا في القاهرة، المصور شريف سنبل في بيان صحفي، جاء فيه: “دفء شريف وذكائه وشغفه بمهنته جعله محبوبًا لدى كل من كان له شرف أن يطلق عليه زميلًا أو رفيقًا”.

ويستكمل النعي: “لم يكن شريف سنبل صديقًا لنا فحسب، بل كان أيضًا صديقًا حقيقيًا لبولندا. لقد نجح عمله في بناء الجسور بين الثقافات، آسرا مجسدًا جوهر الجمال الذي تجاوز الحدود. ويعد تعاونه مع سفارة بولندا في القاهرة بمثابة شهادة على تفانيه في تعزيز التفاهم وحسن النية الدوليين”.

معرض فنون الباليه لشريف سنبل – أرشيف حسام علوان
معرض فنون الباليه لشريف سنبل – أرشيف حسام علوان
الجمع بين الثقافات

تخصص المصور الفوتوغرافي الراحل شريف سنبل، في الهندسة المعمارية والفنون الجميلة والتصوير الصحفي. وبعد بضعة أشهر فقط من العمل كمصور مستقل في جريدة الأهرام، أصبح سنبل مصورًا متفرغًا، حقق نجاحًا مهنيًا وشعبيًا في الصحيفة.

لكنه في وقت لاحق قرر تركها، ثم عمل مصورا رسميا في السفارة الأمريكية، وعلى الرغم من أن هذا المنصب لم يتحقق في النهاية. إلا أنه عمل في السفارة كمصمم جرافيك ومدرب كمبيوتر للوافدين الجدد.

تمكن سنبل من الجمع بين عشقه للتصوير وعمله في دار الأوبرا بالقاهرة الجديدة. حيث كان يلتقط الصور منذ افتتاحها في عام 1988. لكنه في وقت لاحق استقال من منصبه في السفارة الأمريكية وعاد للعمل في جريدة الأهرام ويكلي.

قضى ست سنوات مهمته الرئيسية كمصور في مجلة “كلام الناس”. وخلال العام الأخير هناك، شارك في إطلاق مجلة جديدة تحت اسم “مرايا الناس”، وهي مجلة تصميم داخلي تابعة لنفس المجموعة التي تصدر “كلام الناس”.

معارض دولية

استمر الراحل في مهامه كمصور رئيسي في جريدة الأهرام ويكلي ودار الأوبرا المصرية، بالإضافة إلى مشاريعه الأخرى. كما شارك أحيانًا في مهام أخرى، وتعاون أيضًا مع مراكز ثقافية مهمة مثل مكتبة الإسكندرية. تم عرض أعماله في معارض دولية مختلفة، وقد كان موضوعًا لأطروحة دكتوراه.

تميز شريف سنبل بأسلوبه الفني الفريد وقدرته على جمع التجمع بين الثقافات المختلفة في أعماله. مستخدما الإضاءة والظلال بشكل مبدع لإبراز التفاصيل وإيصال رسالة فنية.

صدرت الكثير من الكتب من تصوير شريف سنل، لكن أبرزها 11 عملا متميزا. في عام 2005 صدر كتابه الأول كمصور، وهو كتاب “أربعون هرما من مصر وما يجاورهم” ترجمة بهاء جاهين وتصوير شريف سنبل. وفي العام التالي تم نشر كتاب “القصور والفلل المصرية: الباشاوات والخديوي”، لشيرلي جونستون وتصوير شريف سنبل، وفي عام 2007 صدر كتابه الثالث ” كنائس مصر: من رحلة العائلة المقدسة إلى يومنا”.

بالإضافة إلى كتاب “عجائب معبد حورس: صوت ونور”، الصادر عام 2011، وكتاب “الرحلة النيلية”، وكتاب “التاريخ والتراث الديني للقاهرة القديمة: حصنها وكنائسها”، وكتاب “الفن المملوكي.. روعة وسحر”.

كنيسة من تصوير شريف سنبل
كنيسة من تصوير شريف سنبل
سر عبقرية صور شريف سنبل

“ما سر عبقرية صور شريف سنبل؟”، تعرض المصور الراحل لهذا السؤال خلال ندوة عقدتها الجامعة الأمريكية في عام 2014. وكانت إجابته أن السر هو: “الكثير من الصبر”.

وتطرق المصور الراحل حينها إلى شرح سبب تميز صوره، قائلا: “الصبر يمنحك في النهاية صورة لم يراها أحد من قبل. وعلى سبيل المثال عند تصوير الكنائس، لا أعتمد تصويرها من خلال الطرق التقليدية والزوايا البعيدة. لكن يكون هدفي في كل صورة هو إظهار الجمال المعماري للمبنى القديم سواء أثر أو كنيسة أو مسجد”.

وأضاف في اللقاء القديم: “بالتركيز على الجانب المعماري، أقدم صورا لم يراها الكثير من قبل للكنيسة أو الأثر نفسه. ونكتشف كل الأشياء المنسية مثل الأرض والسجاد والأبواب القديمة والحجارة وليس شكل المبنى فقط”.

واحدة من المواقف المثيرة التي تعرض لها خلال تصوير الكنائس في مصر، كانت كنيسة احترقت قبل 60 عاما. لكنه أصر على تصويرها لضمها في الكتاب. وتفاجأ بعد دخولها بأنه رغم احتراق كل شيئ في الكنيسة لكن السقف ما زال بنفس حالته يشوبه رماد أسود فقط.

المصور الراحل شريف سنبل من أرشيف وليد عوني
المصور الراحل شريف سنبل من أرشيف وليد عوني
 سفير ثقافي

لم توثق عدسة شريف سنبل الجمال المصري فقط، بل كانت عينا على الحضارات القديمة حول العالم، خلال زياراته المتكررة لأكثر من بلد، وكان يحرص على العودة بأكبر كم من الصور. مجموعة يوثقها في كتاب وأخرى يدشن بها معرض، وفي الحالتين اعتبرته الدول التي وثق جمالها وتاريخها، سفيرا ثقافيا لها.

وفي عام 2019 افتتح معرض “شريف في الصين” وهو الاسم المختصر الذي اختاره بدلا من الاسم الحقيقي الأكثر تعقيدا باللغة الصينية. وافتتحه حينها “شي يي وين” المستشار الثقافي والسياحي الصيني، والدكتور النجار، الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون الصين، والدكتور الفنان عبدالمنعم معوض.

في مقال قديم نشره بجريدة الأهرام، عام 2019، يحمل عنوان: “صعيد مصر على طريق الحرير، ألقى الضوء على تجربته الموسيقية الفريدة خلال رحلته إلى طريق الحرير. في هذه الرحلة، قام سنبل بتلقي إعادة تعليم موسيقي، وكان لمبادرة الحزام والطريق الصينية دورًا في ذلك.

مصطلح المقام

خلال زيارته لـ”شينجيانغ” في الصين، وهي إقليم يضم جميع العرقيات الـ56 في البلاد، شاهد سنبل عرضًا للأويغور في مدينة كاشغر. وفي هذا العرض، تعرف على مصطلح المقام، والذي اعتقد أنه يشير إلى شكل صيني من الموسيقى. ولكنه تفاجأ عندما استمع إلى موسيقى صعيد مصر، وهو نمط موسيقي مألوف بالنسبة له.

لفهم المزيد عن هذا المفهوم، تواصل سنبل مع جورج بشرى، قائد أوركسترا لندن الفيلهارموني ومؤسس فرقة الموسيقى العربية في دار الأوبرا بالإسكندرية. وأوضح بشرى أن المقام في الصوفية يشير إلى “المستوى” أو “المكانة” ويعكس الحالة النفسية أو الروحية للطالب. وفي الموسيقى، يتم تحديد حالة اللحن بالسلم الموسيقي الذي يتم تأليفه عليه.

أكد بشرى أن المقامات المستخدمة في الموسيقى الصينية تتشابه مع تلك المستخدمة في مصر وبقية العالم العربي. بالإضافة إلى تركيا وإيران وآسيا الوسطى. وذكر أمثلة على استخدام المقامات الشرقية في الموسيقى العالمية، مثل استخدام المقام الشرقي في موسيقى رخمانينوف. واكتشاف عازف الناي المصري محمود عفت لإعادة إنتاج آلة الناي المصرية القديمة.

وكشف بشرى عن المقام الأويغوري، الذي يتألف من 12 مقامة ويُعرف باسم “أم الموسيقى الأويغورية”. تعود هذه الموسيقى إلى قرون عديدة وترتبط بالموسيقى الأوزبكية والطاجيكية.

اقرأ أيضا:

«ليكن نور».. 25 قطعة نادرة تسرد تاريخ الفن القبطي احتفالا بميلاد السيد المسيح

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر