“المجتمع”.. صحيفة محلية قديمة حاربت وباء الكوليرا

ساهمت جريدة “المجتمع” إحدى الصحف المحلية بالفيوم، في محاربة وباء الكوليرا الذي ضرب البلاد عام 1947، إذ شكلت من خلال أعدادها الوعي المجتمعي وكانت لسان حال المواطنين وتسجيل شكواهم ومطالبهم ومعاناتهم أيضا.

بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم  “باب مصر” يستعرض ما فعلته الجريدة آنذاك بالفيوم.

الكوليرا في الفيوم

نشر الدكتور السيد عبدالعال علام، في كتابه “وباء الكوليرا في مصرعام 1947 والجهود الدولية في مكافحته”، طبقا للإحصائيات التي تضمنتها وثائق الخارجية المصرية، ما يلي.

كانت الفيوم من المحافظات القلائل التي لم تدخلها الكوليرا بعد أن تفشى الوباء في العديد من مديريات القطر المصري، حتى الأسبوع الخامس، لكن بداية من الأسبوع السادس بدأ الوباء في الانتشار في المحافظة وبلغ عدد الجهات الموبوءة 32جهة، وسجلت عدد الإصابات 75 إصابة، وبلغ عدد حالات الوفاة 39حالة.

بينما في الأسبوع السابع، انفجر الوضع حيث بلغت الجهات الموبوءة 53جهة نتج عنها 281إصابة، و131حالة وفاة، بينما في الأسبوع الثامن انخفض عدد الجهات الموبوءة 44جهة، نتج عنها عدد 97 إصابة، 76حالة وفاة.

وفي الأسابيع التالية ومع تشديد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة آنذاك انخفضت بشكل ملحوظ عدد الجهات الموبوءة وحالات الإصابة والوفيات في كل المديريات تقريبًا.

وانتهت الإصابات والوفيات في نهاية شهر ديسمبر في مدن القناة وشرق الدلتا، لكن الوباء استمر في الصعيد وتركزت بؤرته في مديرية الفيوم، رغم أنه كان على وشك الزوال.

واعتبرت الفيوم المعقل الأخير لوباء الكوليرا، وأبلغت الخارجية المصرية مفوضيات الدول الأجنبية عن أخر إصابة ووفاة حدثت في مديريتي أسيوط والمنيا، ومنطقة السويس وبورسعيد.

وفي نهاية الأسبوع الذي انتهى في 18نوفمبر1947، وفي الأسبوع الحادي عشر من انتشار الوباء شهدت الفيوم تسع إصابات وخمس وفيات، وفي الفترة من 9 ديسمبر حتى24ديسمبر 1947، لم تسجل حالة إصابة واحدة أو حالة وفاة في كل القطر المصرى، لكن الوباء أراد أن تكون الفيوم محطته الأخيرة، فقد شهدت في الفترة من 24ديسمبر وحتى أوائل يناير عام 1948 إصابتان في الفيوم.

مقال منشور عن الكوليرا بجريدة المجتمع - الدكتور نبيل حنظل
مقال منشور عن الكوليرا بجريدة المجتمع – الدكتور نبيل حنظل

جريدة المجتمع

كان للصحافة المحلية في الفيوم دورًا حيويًا في إطلاع القراء بكل ما يدور بخصوص الوباء، من نشر أرقام الإصابات والمناطق الموبوءة وحالات الوفاة، فضلا عن قيامها بدور توعوي.

وقدمت العديد من المقالات الصحية التي تناقش طرق الوقاية ومواجهة وعدم انتشار العدوي، فضلاً عن قيامها بالدور النقدي الخاص بالإجراءات المتبعة لمواجهة الوباء، إضافة لنشر شكاوى المواطنين.

صدرت جريدة “المجتمع” في يناير عام 1947، بالتزامن مع ظهور وباء الكوليرا، عن دار ابن حنظل بالفيوم، برئاسة تحرير مؤسسها محمد كامل أمين، الشهير”بابن حنظل”، وكانت من أوائل الصحف التي تناولت خلال صفحاتها وباء الكوليرا، فقدمت تغطية عن استعدادات الفيوم لتلك الجائحة، كما أبرزت في العديد من أعدادها كيف تم التعامل مع الوباء.

يقول الدكتور نبيل حنظل الخبير السياحي ورائد الصحافة المحلية بالفيوم، الذي كان والده محمد كامل مؤسس ورئيس تحرير”ابن حنظل”، نشرت جريدة المجتمع مقالا بعنوان “محاولة جريئة لاكتشاف الكوليرا” للكاتب بهى الدين بركات تناول فيه كيف انتشر وباء الكوليرا في عام 1883؟

التطعيمات والعزل الصحي

تابعت جريدة “المجتمع” كافة الإجراءات التي كانت تتخذها السلطات في مواجهة الكوليرا في الفيوم، وقدمت الشكر لأطباء وممرضي الفرق الطبية التي قامت بمهمة تطعيم جميع أهالي بندر الفيوم.

لكن الجريدة نشرت أيضا شكوى أحد المواطنين من عدم سلامة إجراءات التطعيم صحيا، إذ كان يتم تطعيم عشرات المواطنين بحقنة واحدة وبدون تطهيرللحقنة، أو حتى مسح الزراع.

وحذرت الجريدة من مخاطر هذه الممارسة غير الصحية، وإمكانية نقل الأمراض عن طريقها من الإصابة بالزهري، وشبهت الصحيفة سوء إجراء عملية التطعيم بأنه ” كالمستجير من الرمضاء بالنار”.

وواصلت “المجتمع” متابعتها لأخبار الكوليرا، ففي عددها الصادر في 15 نوفمبر 1947م في العمود الثاني للصفحة الخامسة، أبرزت شكوى المواطنين من سوء المعاملة فى المعازل الصحية التي خصصتها وزارة الصحة، وسوء المعاملة عند دفن الموتى، كما ذكرت الجريدة أنها اتصلت بالمسؤولين، وقالت أنهم أكدوا على التحقق من تلك الشكاوى وإزالة أسبابها.

الكوليرا في صحيفة المجتمع - الدكتور نبيل حنظل
الكوليرا في صحيفة المجتمع – الدكتور نبيل حنظل

ضرورة الثقافة الصحية

نشر الأديب والشاعر محمد عبدالحليم أبو زيد، في عدد أول ديسمبر عام 1947، مقالا في باب خواطر مرسلة حمل عنوان “الثقافة الصحية” حكي فيه أن العسكري وشيخ البلد كانا يقفان في الطريق ويجمعان الناس للتطعيم باللقاح ضد الكوليرا، بينما كان الفلاحون يغيرون طريقهم هروبًا من التطعيم باللقاح.

وذكر أبو زيد في مقاله، أن منطقهم أنهم ميتون ميتون، وأن الأجل محتوم، ولا فائدة من عذاب التطعيم، وقال الكاتب إن ذلك يعكس قصورا في التوعية وتقصير في نشر الثقافة الصحية.

وأشار إلى أن دور توعية الناس بأهمية التطغيم هم رجال الدعوة الدينية، حتى لا ينتشر المرض ويفتح الباب أمام الجاهلين والدجالين، وقال إننا نريد أمة قوية البنية سليمة العضل قادرة علي الكفاح فكل نجد من ينهض من تحت هذه المواقف الرهيبة والتجارب المؤلمة.

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر