التراث بين الهوية والعولمة والإصلاح(2)

ليس الهدف من استنهاض التراث، في رأيي، الاحتفال بهوية منفردة أو التغني بأمجاد الأسلاف، بل إيجاد الوسائل التي تصنع حضارة مستدامة وتجعل جيلا جديدا على وعي بالقيم والممارسات التي شكلت عظمة الحضارة الإسلامية وما سبقها. إن بقايا المكتبات والأسبلة والكتاتيب والحمامات والمستشفيات والأسواق والمدن التاريخية عناصر من التراث تتداخل مع الحياة اليومية وتخلق روابط بين الناس والماضي. ونستشف من هذه العناصر عن قيم التعلم، والمعرفة والتسامح والتبادل الحضاري، والعقلانية، والتراحم، والرعاية الاجتماعية والتضامن والعمل والمساواة.

يلاحظ كيف يجري تعبئة “التراث” في الاتحاد الأوروبي والبلاد الأوروبية كوسيلة لتدعيم هوية أوروبية أو إحياء أفكار الهويات القومية. وفي تعليقه على روائع اليونسكو من التراث المعنوي والشفاهي يلاحظ ناس (Nas 2002) كيف أن هذا البرنامج يقدم فرصا واضحة لإحياء والحفاظ على التعبيرات الحضارية التقليدية البارزة. وأن المحافظة على مثل هذه التعبيرات يمكن أن يقوم بوظيفة “مستودع لتشكيل الهوية على نطاق دولي، قومي، إقليمي، واثني”. ويمكن أن يقوض التشبث بالـ”هوية” كملجأ من الطوفان الذي لا ينقطع من الأفكار والممارسات من مختلف الثقافات والذي يسري جريانه عبر الإنترنت ومقاومة ولعولمة اقتصاديات السوق فرص التعاون الدولي والوحدة الوطنية.

***

والحقيقة أن القضية الأساسية التي تعنينا، هي الحاجة إلى معالجة القضايا الأخلاقية المتعلقة بتأثير العولمة على الثقافات المحلية. على أن نتذكر أن الهويات في حالة تفاعل وسيولة دائمة لا يمكن إيقافها. ولذلك لن يمكننا التغلب على العولمة أو ترويضها لمصلحة المجتمعات المحلية بمجرد المحافظة على الأشكال التقليدية للموسيقى والغناء والرقص. بل باستخدام الشعر والأغاني والموسيقى التقليدية بطريقة إبداعية لمعالجة القضايا المعاصرة وربط الماضي بالحاضر. الذي يملك القدرة على إحياء وتجديد التراث وتغيير العالم. وكل عرض يقوم على بادرة – رحلة تجديدية ينأى به عن الشكل التقليدي الصارم.

إن التقاليد تظهر وأحيانا تختفي مهيئة الطريق أمام تقاليد جديدة مثلما يتضح في التقاليد الموسيقية للعالم العربي عبر قرن من الزمن. وبدلا من ذلك فهناك الحاجة إلى ضمان عدم فقدان المعرفة والمهارات الموروثة أو حبسها في أضابير. وأن الوثائق والأرشيفات ليست بديلا عن تدريب جيل جديد على ممارسة الأشكال التقليدية. وتزويده بالأدوات والفرص للإبداع، والتواصل مع التقاليد القديمة من أجل إثراء الحاضر.

يوفر التراث أرضية للاستكشاف الإبداعي لمجالات الإمكانيات التي تتيحها خبرات الماضي. بل إن هذه التعبئة الإبداعية للتراث هي التي لديها إمكانية تجنب المحاورات العقيمة حول التقليد والحداثة، أو صدام العولمة مع الهويات المحلية. لم تكن الثقافات أبدا جامدة. فالهويات غالبا ما تشكل ضمن أطر اجتماعية وسياسية الفنون. وبناءً عليه، يصبح من الحصافة أن نتعمق في استكشاف العلاقة بين التراث، العولمة والإبداع في نقاش مستنير حول القضايا الأخلاقية التي تكمن خلف تشكيلات اجتماعية وسياسية بعينها.

التاريخية
القاهرة التاريخية
***

ومن الحالات الدراسية الكاشفة تحليل معالجة وتناول الماضي السحيق في الكتب المدرسية في روسيا المعاصرة (Shirelman 2003). وقد أكدت النتائج استخدام الماضي كعنصر لصنع هويات إثنية. وخاصة في المناطق التي تفتقر أوضاعها السياسية إلى الاستقرار. ويستنتج شيرلمان أن عالم ما بعد الاتحاد السوفيتي. حيث لاتزال الإثنية مسيسة بشدة، فإن أساطير الماضي السحيق والأسلاف العظام غالبا ما يجري صنعها ونشرها كجوانب مهمة من الأيديولوجيات القومية العرقية – وهو ما يؤدي إلى نماذج جديدة من الانقسام الاجتماعي والتفسخ، والانفصالية، والتحكم والتمييز تكتسب شرعيتها لكونها “حضارة متميزة” و”جذور حضارية”.

ويلاحظ شيرلمان بحق أن الحضارة هي عملية مستمرة وليست منتجا تجاريا. وينبغي للمسؤولين عن إدارة التراث أن يتجنبوا مزالق رؤية الماضي أو الحاضر على أنها كيانات جامدة للحضارة. وبدلا من ذلك يجب أن يركزوا على إظهار المعاني والرموز، والسياسة للمجتمعات القديمة والتاريخية (Hassan 1998) كي يكون الجمهور على وعي ليس فقط بمسيرة الحضارة في الماضي، بل أيضا بالإمكانيات الممكنة لتغيير الحاضر.

ومن المهم التأكيد على أن الحضارات والأنشطة الحضارية البشرية لم تكن قاصرة في الماضي على الحدود السياسية الحالية. وأن التطورات الحضارية في مكان أو آخر قد أسهمت قليلا أو كثيرا في التطور الحضاري للبشرية ككل. وهو ما يجعل من الأهمية بمكان أن نبذل كل الجهد لضمان أن يكون التراث الحضاري متاحا لكل الزوار. وتحظى المواقع التي لها أهمية عالمية بتفسير مناسب وتقديم جيد. وفي نفس الوقت، يجب توسيع واجبات حماية وإنقاذ مواقع التراث العالمي لكي تتعدى الحدود القومية والدوائر الحكومية إلى التجمعات المدنية.

***

وليس مستبعدا أن يساهم التراث الحضاري إما في توحيد البشرية. ولهذا فمن الضروري توظيف التراث لبناء جسور تربط بين الشعوب وتزيل العوازل الحضارية بهدف تعزيز ثقافة السلام والتفاهم المتبادل والتعاون. وربما يصبح التراث بالفعل هو الوسيلة التي تحل بها المظالم القديمة وتنتهي بها النزاعات الحالية. وهذا يعنى أن يقل التركيز على “هويات” منفصلة لصالح المنبع التاريخي المشترك للهويات وأهمية فهم التفاعل بين الثقافات والاستمرارية بين وداخل المجتمعات سواءً كانت محلية أو عالمية.

التراث كإبداع ثقافي

مما سبق نخلص إلى أن التراث ما هو سوى مٌنشئ مجتمعي Social Construct (انظر، على سبيل المثال، صموئيل 2012) عن التراث والحاضر في الثقافة المعاصرة. وأن ما يسمى بالتراث المادي والمعنوي ليسا إلا تعبيران مُكملان للإبداع الثقافي (حسن Hassan 2005). ومن هنا فهذا هو التموضع النظري لمشروع تراث مصر الحي. ويمنحنا هذا الإطار النظري الأساس المنطقي لدمج الثقافة “الشعبية” والتي يشار إليها عادةَ باسم “الفلكلور” والثقافة المعاصرة “الراقية” مثل الفنون البصرية والموسيقى والمسرح والسينما والأدب والإنجازات الفكرية الأخرى التي تقتصر على “المثقفين”، والكتاب، والرسامين وغيرهم.

وهذا الجسر بين الناس (الشعب/ الأهالي) وتراثهم “الشعبي” وقطاع “المبدعين” المعترف به رسميا في المجتمع “الراقي” أمر ضروري وعاجل إذا ما أردنا التغلب على تشويه الثقافة الشعبية وإذا ما أردنا إعطاء القيمة لأعمال القلة المثقفة. وكذلك إذا أردنا التغلب على المفاهيم التقليدية للحداثة والغرب والتقدم التي لا تساهم في تماسك المجتمع. ولا تقتصر العلل من الصدع القائم بين الثقافة الشعبية (الماضوية) والثقافة المعاصرة على العواقب النفسية للتنافر المعرفي Cognitive Dissonance فحسب. ولكن تمتد أيضا إلى فقدان أصول التراث الشعبي التقليدي ومنها المعارف التقليدية النافعة و”تجارب الحياة” والحكمة والانتماء. كما أن التنافر قد يُودي إلى الرفض القاطع للمعارف الحديثة والتعصب والعداء والعنف.

منطقة السيدة زينب
منطقة السيدة زينب
تفسير وعرض التراث

علينا أن ندرك أن مفهوم التراث كما هو شائع في البلاد الأوروبية يمكن تتبع ماضيه إلى سنة 1792. حين بدأ الثوار في تدمير القلاع والقصور والأديرة والرموز الأخرى للعهد البائد. مما حث المجتمع الذي قاد الثورة، إلى اتخاذ قرار لحماية هذه “الآثار” على أساس أنها “ثروة” للبلد يجب وضعها في خدمة الثورة، لإضافة بعد تاريخي للعهد الجديد وبذلك تضفي عليه الشرعية (Zouain 2000).

وقد أدى هذا إلى ظهور الفكرة الحديثة عن “التراث الحضاري” (ميراث patrimoine) من الكلمة اليونانية التي تعنى الأرض أو الضيعة التي تنتج الحاجات الأساسية للعائلة والتي تورث من جيل إلى جيل لكنها لا تبدل أو تباع. وقد صاحب ظهور الدول القومية في أوروبا عملية التصنيع والاستعمار مما أعطى ليس فقط دفعة لفكرة التراث القومي كوسيلة لتوحيد الدول الصناعية التي كانت تتنافس فيما بينها. بل أيضا المنافسة في الحصول على “تحف أثرية – أنتيكات” وآثار من الحضارات القديمة كوسيلة لاستعراض سيطرتها الحضارية وإضفاء الشرعية على موقفها السياسي الخاص كقوى عالمية عن طريق إعطاء الدولة الاستعمارية عمقا تاريخيا وملكية الماضي الإنساني.

وقد أصبح نهب وشراء الآثار، وفيما بعد، التنقيبات المنظمة وسيلة نقلت عن طريقها الأمم الأوروبية آثار ونصب الحضارات القديمة إلى متاحفهم ومعاهد بحوثهم. كما يمكن لأي زائر أن يراه في متحف اللوفر والمتحف البريطاني. وقد أدى الاستيلاء على “الآثار” ليس فقط إلى انتزاعها من سياقها وتحويلها إلى “قطع فنية – تحف” أو “أنتيكات” نادرة. بل أيضا إلى تزويد العلماء الغربيين بالمادة التي مكنتهم من إنتاج المعرفة الأثرية التي خدمت أهداف وأغراض الأمم الأوروبية وأجندتها السياسية. وخلال هذا الوقت، كانت المجتمعات المحلية غالبا ما يتم تثبيطها عن المشاركة في “اكتشاف” ماضيهم الخاص، بل لم يكن يسمح لهم بإدارة أقسامهم الوطنية للآثار (Reid 2000).

***

وأثناء ذلك، كان التركيز على التراث كمقتنى قومي يقف على النقيض من تقديس تحف وأماكن بعينها بسبب أهميتها الروحية (مثلا شجرة مريم وجبل سيناء في مصر والكعبة في السعودية) أو قيمتها الاجتماعية (مثل الميراث العائلي). وكلمة “تراث” في اللغة العربية والتي تستخدم كترجمة لكلمة “heritage” مشتقة من جذر الفعل “ورث” بمعنى يرث ويورث. والذي يتصل بكلمة “ميراث” والتي تشير إلى الأموال، والضيع، وموارد أخرى تنتقل من شخص حال وفاته إلى ذريته طبقا لنظام محدد.

ويمكن تبديد هذا التراث أو استثماره. وعلى حين ترتبط كلمة “ميراث” بمدلول اقتصادي، فإن كلمة “تراث” تستخدم للإشارة إلى مجموع المعارف الموروثة والتي غالبا ما تنتقل عن طريق النصوص الشفوية والمكتوبة. والواقع أن الكلمة غالبا ما تستخدم في العالم العربي كما في “كتب التراث” للإشارة إلى الكتب التي تعود إلى القرون الأولى للإسلام والتي تشتمل على المبادئ التأسيسية للتقاليد الإسلامية.

والتراث بالإضافة إلى ما سبق، يجب ألا يقتصر على شكل أو آخر من قيم محيط عالمه الواسع. كما يجب ألا يعتبر هو “الحقيقة” ومستودع الحكمة الخالدة. وبدلا من أن يكون التراث نيرا أو عائقا. علينا أن ندرك أن التأمل في التراث يمكن أن يفتح لنا طريق الحرية والنمو.

***

ومن معايير التراث ربط الشخص بالمجتمع والمكان، وتزويده بمعارف التاريخ الاجتماعي، ودور الفرد في التغيير الاجتماعي. وربما يجب أن نؤكد أن هدف الاهتمام بالتراث ليس الاستغراق في الماضي ولكن تفعيله من أجل التنمية ومن أجل المستقبل. وأنه يمكن استثماره بشتى الطرق. وهو ليس وسيلة لإلهائنا عن الحاضر بالنظر في الماضي. بل كوسيلة للمضي قدما على معرفة بالظروف التي أدت بنا إلى وضعنا الحالي. مستفيدون من الحكمة التي تتولد من التأمل في عواقب ما حدث في الماضي.

وقد أوضح لونج (Long 2000) أن تصورات المجتمعات المحلية للماضي تتكون من هجين من رواسب التاريخ الاستعماري والدعاية السياسية. وتعد الأمثلة التي أشار إليها من إفريقيا وأستراليا مشابهة للعالم العربي. حيث كانت تصورات العثمانيين والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين تشكل عنصرا هاما في الكيفية التي يتم بها النظر إلى التراث وإدارته. ولذلك فهناك حاجة ماسة لأن نعيد النظر في التصورات القائمة في مواجهة الحاضر والسعي نحو مستقبل آمن للتراث لتقييم فاعليتها.

ويعتبر الأسلوب الذي يتم به تقديم التراث وتمثيله من صميم الأسلوب الذي يجري بمقتضاه تشكيل وتلقي التراث. وهو الوسيلة التي يكتسب بها التراث قيمته وقوته الدافعة. إن التقديم عمل من أعمال الاتصال ويحمل رسائل صريحة ومستترة (Uzzell and Ballantyne 1998). وبينما تجري تعبئة موارد التراث من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، يجدر بنا إعادة فحص الطريقة التي يتم بها تقديم وتفسير التراث في المتاحف والمواقع الأثرية.

***

ونشير بادئ ذي بدء، أن تقديم التراث يتم بأسلوب لا تتضح فيه إطلاقا الصلات مع الحاضر. وهو ما يساهم في غياب التقدير لإسهامات المجتمعات القديمة للحاضر والطريقة التي يتم بها تواصل السكان والأفراد المعاصرين مع ماضيهم. وهو بمثابة اقتلاع الشعب من ماضيه الخاص. ولذلك، فإن فهم الناس لتراثهم الخاص يقتصر عادة على المأثورات المحلية والقصص الشعبية، والآراء والروايات الدينية والعقائدية، السياسية، والقصص الإعلامية المثيرة.

وهكذا يتم تفعيل التراث دون قيام الأثريين بجهد منظم لتقديم تفنيد أثري للأباطيل والجهل والدعاية الكاذبة والتزوير والأكاذيب الفجة. ونادرا ما يتم إعلام الجمهور بالأسلوب الذي يعمل به الأثريون وكيف يفكرون ويتوصلون إلى النتائج. وبوصول التليفزيون، أصبح علم الآثار موضوعا مفضلا للتسلية. وكان من الممكن أن تكون هذه فرصة لإشراك الجمهور العام من خلال البرامج الجذابة كي يتعلم المزيد عن علم الآثار وعن تراثهم. وبدلا من ذلك توحى البرامج بأن الاكتشافات الأثرية تتم بمحض الصدفة، وتقديم البحث الأثري كمغامرات للبحث عن حل الألغاز واكتشاف الذهب أو الكنوز الدفينة.

أما معروضات المتحف فهي جامدة في أغلب الحالات مع قلة المحتوى التفسيري أو غيابه. حيث يترك الزائر ليتجول بمفرده خلال قاعات العرض والتي غالبا ما تكون مرتبة على أساس نظام تسلسل تاريخي للفئات والتحف، مثل السلال والفخار. ويتم توفير القليل فيما يتعلق بكيفية الربط بين قطع أثرية من عصر معين بطريقة تشرح كيفية قيام المجتمع بوظيفته. وكيف رأى الناس أنفسهم والعالم من حولهم، وكيف نظموا أنفسهم وكيف كانوا يفكرون.

خان الخليلي
خان الخليلي
***

وربما يتم التركيز على الأسلحة والأدوات أو مواد الحياة اليومية بدون تفسير للسياق الاجتماعي للحروب، والصلات بين الأدوات والممارسات التقنية وبين الاقتصاد. أو بين قطع الحياة اليومية وأعباء العمل، والتغذية والصحة والترفيه. وفي سنة 1994 نشر بيتر ستون “Peter Stone” كتاب “الماضي الحاضر”. والذي يقترح فيه أن طرق عرض الماضي ينبغي أن تتضمن مجموعة أكبر من الأدلة ونوعية أوسع من التفسير. وأن الماضي ينبغي ألا يقدم كشيء وقع وانتهى ويتم فهمه جيدا وأنه حقيقة مطلقة. ومن الأهمية بمكان أن نضع هذا في الاعتبار حين تقديم وتفسير التراث ليس فقط من أجل أن نضمن تمثيل آراء تحظى بنفس القدر من المعقولية. بل أيضا لضمان اشتراك الزائر في العملية التي تتم بها التفسيرات حتى يمكنه تطوير شعور بـ”الملكية” أو على الأقل بدور “المشاركة” في تفسير الماضي.

***

إن تفسير التراث في رأى الكاتب لا يتعلق بإعطاء نفس الدرجة من المصداقية لدعاوى أية مجموعة بالتساوي. لأن مثل هذه الآراء تفتح الباب للتفكير العدمي وهو ما يقوض الأساس الاجتماعي للمعرفة ودور دقة المشاهدات ومنطق التفسيرات.

وبما أن الأكاديميين والمفكرين قد قاموا باستبعاد المجتمعات المحلية من مناقشة آراءهم ونظرياتهم أو دعاوى المعرفة الأخرى. فهذا لا يعني أن الدعاوى الأخرى صالحة أو تتمتع بحصانة من الاستجواب بواسطة الأكاديميين والمفكرين. ومن أجل تجنب المهاترات، سيتعين على الأكاديميين والمفكرين والجمهور، تطوير وسائل لحوار مستنير، والاستماع لبعضهم البعض. مقدمين دعاوى معرفتهم ومتفقين على القواعد التي يمكن بمقتضاها فحص مثل هذه الدعاوى للمساهمة في رفعة المجتمع وأفراده وجماعاته وللتخلص من المفاهيم المغلوطة التي تعوق ركب التنمية والارتقاء.

ولذلك فهناك حاجة ملحة لإشراك وتنشيط المجتمعات المحلية، لترويج بناء القدرات. وإقامة شراكات استراتيجية مع قادة المجتمع والجمهور. ولضمان انخراط الأكاديميين مع الجمهور والمدارس المحلية في مجال تفسير وعرض التراث.

إن تفسير المواقع والآثار والمجموعات المتحفية والسجلات هي موضوع قابل للنقاش ويتطلب مزيدا من التفكير والاستكشاف. من أجل تقدير مزايا التوجهات المختلفة والأهداف المرغوبة (انظر مثلا المسائل التي آثارها بالانتين Ballantyne 1998).

الفصل الثاني من كتاب «تٌراث مِصر الحي: رُؤية مُغايرة» للدكتور فكري حسن.. والذي يصدر قريبا عن دار الثقافة الجديدة.

اقرأ أيضا:

مفاهيم التراث في عالم متغير(1)

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر