تاريخ مهد المسيحية في أسيوط المدينة الحارسة

تصوير: أحمد دريم

هنا على جانب الطريق بعد أن تمشي مسافة ربع ساعة بالسيارة، ترى هذا الكيان الشامخ في أحضان جبل درنكة بمدينة أسيوط، وعلى ارتفاع مائة متر تقريبًا من سطح الأرض، فهو ليس بمبني سكني ولا عسكري، بل هو صرح ديني تمتد جذوره التاريخية لتشهد على ظهور المسيحية في أسيوط ، بعد أن لجأت السيدة مريم العذراء حاملة ابنها “المسيح” إلى مصر في أرضيها، لتمر بعدد من المحافظات ومنها أسيوط.

“قم وخذ الصبي وأمه وأهرب لأرض مصر، لأن هيرودس مزمع أن يقتل الصبي”..

كانت هذه رسالة الملاك الذي ظهر في منام يوسف النجار خطيب السيدة العذراء، وكانت الدافع في هروبه من الأراضي الفلسطينية، خشية على الصبي من حكم “هيردوس” متخذَا مصر بلدًا ليحتمي ويأمن بها من الشر الذي لحق به”

المسيحية في أسيوط

هنا يذكر كتاب أسيوط المدينة الحارسة أن العائلة المقدسة قد زارت أسيوط، حين فرت من بيت لحم بعدما هدد حياتها هيردوس الأول، ملك يهود الذي عينه الرومان.

وقد احتمت العائلة المقدسة في كهف أعلى التل يطل على النيل في درنكة، وهى محطتهم الأخيرة في مصر قبل عودتهم لفلسطين، ويظل الدير الذي أنشئ لاحقا في درنكة مقصدًا هامًا للحجاج المسيحيين.

يظل الدير الذي أنشئ في درنكة مقصدًا هامًا للحجاج المسيحيين

رحلة العائلة المقدسة 

وبالفعل بعد أن استقرت العائلة المقدسة في جبل أسيوط في شهر أغسطس، أصبح هناك احتفال ديني كبير يسمى “مولد العدرا” يسبقه صوم من الأقباط.

وينظم المولد سنويًا بداية من 7 حتى 21 أغسطس من كل عام، يأتي إليه المواطنين من كل حدب وصواب، ليشارك في الاحتفال بالمولد، والذي يتضمن زيارة المغارة كطقس أساسي في الاحتفال، فهي تلك الغرفة التي يخرج منها رائحة عطرة، ويشع منها نور أزرق، ذات شباك مصنوع من سياج حديدي يمكنك منه النظر بداخلها، ولكنك لا تجد سوى فراغ، يتوسطها قطعة من القماش، لوضع النقود الملقاة من الزائرين.

«مدد يا أم النور».. رحلة العائلة المقدسة إلى مصر

يزور الناس المغارة بهدف التبرك منهم من يقرأ بعض الآيات، ومنهم من يدعي، ومنهم من ينظر إليها باكيا نادما وأخر متأملًا راجيا.

يزور الناس المغارة بهدف التبرك

مولد العدرا 

يوضح كتاب “أسيوط المدينة الحارسة” كيف اتخذ المسيحيون في بداية ظهور المسيحية، مقابر الجبانة كملذات آمنة وأماكن للعبادة.

ويشير الكتاب إلى نشأة المتجمعات في أقسام من الجبال، حيث كانت الأحجار تقتلع لأغراض البناء، وشكلت التجاويف الغائرة في جانب الجبل خلفية في وادي سرجة، وهو مجتمع مسيحي يبعد 25 كيلو مترا عن جنوب أسيوط، وكان وادي سرجة أحد المتجمعات التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي والتى استوطنت الأقسام التى اقتلعت حجارتها من الجبال الممتدة إلى غرب النيل.

“العدرا حبايبها كتير”.. الليلة الختامية لـ”عيد العذراء” بـ”درنكة”

يضم الدير مجموعة من الكنائس أقدمها كنيسة المغارة، وطول واجهتها 160 مترا وعمقها 60 مترا وهي منذ نهاية القرن الأول المسيحي، وتعود مغارة الدير إلى حوالي 2500 سنة قبل الميلاد.

احتفظت مصر بتعداد مسيحي كبير يتركز الكثير منه فى أسيوط ووسط البلاد.

بداية المسيحية في أسيوط

فيما يوضح الكتاب أنه حين شرع الإمبراطور قسطنطين اعتناق المسحية في بدايات القرن الرابع الميلادي. وقد اعتنق عدد أكبر من المصريين الديانة الجديدة التى وعدت المستضعفين والمظلومين أجر أبدي. فمنذ ذلك الوقت واحتفظت مصر بتعداد مسيحي كبير يتركز الكثير منه فى أسيوط.

لتبدأ الرهبنة في مصر بنهاية القرن الثالث الميلادي إذ لاذ المسيحيون بالصحراء هربًا من الاضطهاد وسعيا للاستنارة الروحية. ولكن بعد أن تحول الإمبراطور قسطنطين إلى الديانة المسيحية عام 312 صار التعبير عن العقيدة آمنا من خلال بناء الكنائس والأديرة.

لذلك بدأ مسيحيو أسيوط في بنية المتجمع منشئين الأديرة للرهبان وأخرى للراهبات.

وكانت تلك المجتمعات الدينية المكتفية ذاتيًا تقايض السلع مع القرى المجاورة في مقابل العون الطبي والروحي وأوقات الاضطرابات.

وفي منتصف القرن الخامس حين تعرضت أسيوط لهجوم “البليمين” من النوبة وجد الناس الملجأ الآمن في الدير الأبيض بسوهاج.

الدير الأبيض بسوهاج

الحياة في الجبانة

أما في أسيوط في سنة المسيحية الأولي، التجأ أفراد الدين الجديد إلى جبانة الجبل الغربي بأسيوط وإلى جبانة دير ريفا متخذين من المقابر أماكن للخلوة أو مساكن بسيطة، وقد ألصقوا طبقة خشنة من الجص الطيني بالجدران التى كانت مزينة بالصور والنقوش الفرعونية، محاولة لإلغاء ماراه المسيحيون قديمًا وثنيًا، وتركوا بدلًا عن ذلك رسومًا وصلبانًا لتخليد ذكري صلب المسيح بالحبر الأحمر على طوي الجبانة.

بني مسيحيو أسيوط ديرين على الأقل في جبانة الجبل الغربي دير الميتين ودير العظام واللذان لم يتبقي منهم سوى أطلال من الطوب الطيني.

مقابر جبل دير ريفا بالجبل الغربى بمحافظة أسيوط

المسيحية الأرثوذوكسية

كما كان لمصر مكانة رائدة في تطوير المسيحية الأرثوذوكسية وكان لأسيوط كتابها ومفكروها الدينيون المهمون.

وفي القرون الأولي للمسيحية كان الموضوع الأكثر جدلًا هو كيفية فهم المسيح كإله وبشر في ذات الوقت. وكان رأي ديوسقورس، بطريرك الإسكندرية هو نفس الرأي الذي اقترحه أوطاخي حوالي 448م. وهو راهب رفيع المقام من القسطنطينية، والذي قال بأن المسيح لم تكن له سوى “طبيعة واحدة” تجمع بين البشرى والإلهي.,

ولعقود طويلة واصل بطريركات الإسكندرية تحديهم، وقاموا بخلع الأساقفة الرافضين للفكرة. فاتخذ مسؤولو الكنيسة المحليون خطوة غير مسبوقة بتعين بطريرك جديد كان يدعي بطرس.

أصبح لمصر بطرير كان أحدهما مؤيد للموقف الإمبراطوري والآخر معارض. وبدأ بطرس في تعيين أساقفة جدد من الأديرة المحلية بعيدة عند المدن الكبري. وكانت أسيوط ومحيطها بما فيها شاشوتب، أحد أهم ثلاثة مراكز لهذه التطورات إلى جانب إسكندرية.

وفي عهد داميان خليفة بطرس، بدأ جيل جديد من الأساقفة يؤلفون الأطروحات الدينية والمواعظ وسير القديسين. وكان أسقف أسيوط قسطنطين مساهمًا بشكل كبير في هذا الكتابات. مركزًا علي حيوات القديسين الذين يتم الاحتفاء بهم فى المقامات الريفية عبر إقليم أسيوط.

معنى قبط

تأتي كلمة “ٌقبط” من “جبت” وهي معالجة عربية من القرن الثامن لكلمة “أيجيبتوس”. وهي كلمة يونانية مشتقة من كلمة “هيكابتا” الاسم القديم لمنف، موطن إله مصر الراعي الرئيس “بتاح”. واللغة القبطية مرتبطة من منظور فقه اللغة التاريخي بلغة عصر الأمر الفرعونية.

تاريخ مهد المسيحية فى أسيوط المدينة الحارسة
مشاركة

‫5 تعليقات

  1. تنبيه: superkaya88
  2. تنبيه: Ks Quik 5000
  3. تنبيه: saci filtranti

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر