«الطواف»: رحلة مصطفى كامل في توثيق الحرف التراثية

قلقه الدائم وخوفه من اندثار الحرف التراثية شكل له دفعة قوية للاستمرار في البحث والتنقيب عن تلك الحرف داخل كافة أنحاء مصر. لذا قرر مصطفى كامل وشهرته «الطواف» السعي وراء الحرف التراثية منذ ما يقرب 7 سنوات. وخلال تلك الفترة قدم العديد من المبادرات التي تهدف لتوثيق التراث المادي وغير المادي على حد سواء. وبالتحديد من خلال الجمع والتوثيق أو من خلال توثيق التراث الشفاهي الذي يتناقله الحرفيون فيما بينهم.

مفردات تراثية

جذبت الحرف التراثية مصطفى كامل خلال فترات حياته المبكرة. إذ ساعدته نشأته بمنطقة الدرب الأحمر، وتحديدا في شارع سوق السلاح، في اكتساب الكثير من المفردات التراثية؛ ونتيجة ثراء هذه المنطقة بالآثار الإسلامية التي تعود لمختلف العصور. فقد شدته تلك الأمور حين كان طفلا صغيرًا.

كان مصطفى دائما ما يتأمل الزخارف النباتية والهندسية الموجودة على المباني الأثرية وخاصة النقوش الكتابية التي كان يشاهدها على مدرسة السلطان حسن. وكذلك جامع الرفاعي حيث جذبه الرخام والسجاد. وكذلك القبة الضريحية الموجودة داخله، والتي أنشأت بواسطة النجارة العربية والتطعيم بالصدف والعاج.

لم ينته شغف مصطفى بهذه المباني ومن دشنها، فجميع تلك الأشياء ساهمت في تكوينه. بالإضافة إلى تأثره بالعادات والمعتقدات الموجودة داخل المنطقة وكذلك الموالد المختلفة والتي حوت داخلها الكثير من الفنون والحكايات المختلفة.

بيت جدته

يقول مصطفى: “كان بيت جدتي لأمي يقع أمام مسجد أحمد بن طولون في قلعة الكبش. فكنت أسير على قدمي من سوق السلاح حتى أصل في النهاية لقلعة الكبش. وأثناء السّير على قدمي كنت أقابل الكثير من الحكايات التي أردت أن أوثقها يوما ما. وهذه الأمور تركت داخلي انطباعات مختلفة، ساهمت في تكوين صورة ذهنية داخلي ساعدتني أن أكون ثقافة بصرية لكثير من الأماكن الأثرية”.

ويتحدث الطواف عن الحارة التي نشأ فيها، والتي كانت تحوي ورش متعددة ومتنوعة لصناعة الخيامية والجلود وكذلك النجارة. ويقول: “صحيح أن معظم الحرفيين الذين امتهنوا الخيامية تواجدوا بمنطقة الخيامية، إلا أن هناك من يدعون بـ”الخيامة الجوالين” وهؤلاء كانوا يعملون داخل بيوتهم ويوزعوا ما ينتجونه على التجار فيما بعد”.

ويضيف، دائما ما كنت التقي بهم أثناء ممارستهم الخيامية داخل بيوتهم. ونتيجة لهذا القرب اكتسبت لغتهم ودأبهم على العمل. فقد رأيت معتقداتهم وتعرفت على حياتهم عن قرب. ومن هنا بدأت تتكون لدي صورة كاملة خلال معايشة الحرفيين.

انحصار الحرف التراثية

يذكر مصطفى أنه في عام 2015 بالتحديد قرر أن يوثق جميع تلك الأمور التي عايشها خلال حياته، بعد أن  أن شباب منطقته قد بدأوا ترك تلك الصناعات اليدوية. ويقول: “بدأت أدخل الورش وتعرفت على هؤلاء الصنايعية، وبدأت أنشر عن جميع تلك الفنون التي كان يزعم البعض أنها اندثرت، ففي الحقيقة هي لم تندثر لكن يمكن أن نقول أنها انحصرت. فالفن موجود ولم يختفي أبدا، لكني حين درست الأمر بتعمق وأثناء دراستي للحضارة المصرية القديمة”.

وتابع: وجدت أن كل شيء في الوجود له “أصل” يجب أن نرده إليه. فهذه الفنون لم تنشأ بتلقائية أو عن طريق الصدفة لكن كان لها مراحل تطور عديدة. وهنا بدأت بعملية تأصيل لهذه الحرف التراثية والشعبية. وبدأت أرى البعد الزماني والتاريخي لجميع تلك العناصر. إذ رصدت الحرف خلال العصور المتفاوتة. وكذلك طرق تطورها إلى أن وصلتنا في النهاية بتلك الصورة التي عليها اليوم. واطلعت على المدارس الفنية الخاصة بكل عصر، وهذه الأمور ساهمت بشكل كبير في إثراء معرفتي التراثية والفلكلورية.

مخزون ثقافي

بدأ مصطفى التعرف على الحرفيين من خلال معايشته الميدانية وكذلك التعرف على البعد الاجتماعي لكل حرفي. ويشير إلى أنه لكل حرفي مدرسة خاصة به، وهذا ما أراد تحديدا أن يعرفه. فقد أخذ يتتبع حياة الحرفيين لمعرفة الأشخاص الذين أخذوا عنهم صنعتهم تلك. وقد تتبع كذلك تطور الأدوات التي استخدمها الحرفيون وتعرف على الزى الخاص بكل حرفة، ومثل هذه الأمور ساعدته كثيرا.

ويقول: “توصلت في نهاية الأمر إلى أن لكل حرفة أداء حركي خاص بها يختلف عن غيرها. الحرفي الذي يعمل في النجارة يختلف عن الحرفي الذي يعمل في الخيامية. كلاهما يختلفا في الأداء الحركي فيما بينهم ويختلفا أيضا في انفعالاتهم. فالنجار حين يشكل قطعة خشب ما تجده ينفعل مع الأمر بصورة مختلفة. وهو الأمر الذي يختلف عند صانع الخيامية أو صانع القماش أو النحاس. فكل تشكيل من هذه التشكيلات يختلف صانعوها في الأداء الحركي تجاهها. وهذه الأمور تختلف من حرفي لآخر، لأن لكل حرفي مخزون ثقافي مختلف عن الآخر. فعندما نزلت للجمع الميداني بدأت أقترب من هؤلاء أكثر وتعرفت على طريقة عملهم، وتوثقت من المعلومات التي يقدمونها إليّ من خلال الرجوع للوثائق المختلفة”.

وتابع: كان همي الأول هو رصد “حالة” وذلك من خلال معرفة التطور التاريخي، والاجتماعي والنفسي أيضا. وكذلك تأثير البيئة على الحرفي نفسه. إذ وجدت أن الحرفي الذي يعمل بمنطقة الدرب الأحمر يختلف عن الحرفي الآخر الذي يعمل في الريف، وغيرها من المناطق الأخرى. لذلك قمت بتوثيق الحرف المختلفة ودراستها بشكل جيد. وقمت بدراسة حالة لكل حرفي على حدة. وكنا دائمًا ما أجهز دليل للعمل الميداني وذلك لجمع المواد المختلفة. وطرح أسئلة عليهم تكون مناسبة لكل فرد. فبدأت أتقرب من الحرفيين وعقدت معهم صداقات إلى أن اقتربت منهم أكثر. وهنا بدأت في جمع المواد المختلفة.

جولات الطواف

ويستطرد: نتيجة أن همي الأول وشاغلي الأكبر كان تعريف الناس بتراثهم. فقد أردت تقديم رحلات تراثية، واصطحبت الناس في جولات ميدانية كي يقتربوا أكثر وليتعرفوا على تلك الحرف التراثية. وهنا بدأ الناس يلتفون نحو تلك الحرف. وقد قدمت كذلك قصص للأطفال رغبة مني في دعم التراث والحرف اليدوية. وبالفعل نشرت 9 قصص للأطفال في مجلة “نور” حول هذه الجزئية.

يقول مصطفى: “أرى أن كل عصر يكون له “ذروة” للحرف التراثية. وهذا الأمر مرتبط بالحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية لكل عصر. فإذا ما أدرك المواطن أهمية الحرف والصناعات اليدوية ففي هذه الحالة ستزدهر هذه الصناعات بصورة كبيرة. فالأمر متقلب حسب كل عصر”.

مادة ثرية

ينوي “الطواف” خلال الفترة المقبلة أن يستكمل مبادرته للتعريف بالحرف التراثية الموجودة. وكذلك يعتزم استكمال توثيق حرف الصعيد الموجودة. فيقول: “أنا تعلمت من هؤلاء الفنانين الذين أتقابل معهم وهم بالنسبة إليّ كنوز. فقد عاصروا أشياء كان من الصعب توثيقها ومنهم من توفاهم الله لكني لازلت أحتفظ بصور وتسجيلات لي معهم. وهي ستصبح فيما بعد مادة ثرية ستمكن الباحثين من التعرف على إرث هؤلاء”.

اقرأ أيضا

أمين حداد في ندوة “البشر والحجر”: هكذا أثرت القاهرة على أشعار فؤاد حداد

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر