عرض كتاب “فن كتابة السيناريو ” ل فرانك هارو  

كتب- مارك أمجد

فرانك هارو – رغم أن معظم الكتابات التنظيرية التي تُوضع في ميادين الفنون بشتى أنواعها، تتسم بنبرة أكاديمية متعالية لا تقدم أو تؤخر في شيء، أو بكلمات أخرى لا تصنع بين ليلة وضحاها فنانا حقيقيا، إلا أن البعض أحيانا يكون مجديا ولو من باب الاطلاع عليه وعلى الأسرار التي يقدمها من كواليس الصناعة، وبعض الكتب تتخطى تلك المرحلة لتصبح بما تقدمه مادة ممتعة، سواء للشخص المهني أو لمجرد المهتم بذلك الفن من بعيد، وفن كتابة السيناريو لمؤلفه فرانك هارو يعد مثالا قويا على ذلك النموذج.

من صفحاته الأولى يتعامل الكتاب مع قارئه على أنه ينتوي كتابة سيناريو احترافي يتقدم به لأعلى استوديوهات السوق وأشهر المنتجين، ورغم أنه ينظر لمتصفحه بهذه الصورة المتمكنة، فهو لا يغفل أدق تفصيلة قد يحتاج لها المتمرن/الهاوٍ/المتمرس، وهو يجهز أوراق نصه ليرسلها لمنتج أو مخرج ينتوي العمل معه على فيلم يحقق أعلى المبيعات أو يفوز بجائزة ما في مهرجان أو يرضي ذائقة شعبية معينة.

بالاعتماد على رسومات توضيحية ومخططات ونماذج فعلية لسيناريوهات تحولت بالفعل لأفلام شهيرة، يقدم المؤلف أطروحاته، مشيرا إلى فاعلية كل عنصر من العناصر التي يتحدث عنها وتأثيرها على الشكل النهائي للسيناريو. الأمر أشبه بكتاب يقدم وصفات للطبخ، فهذه الوجبة النهائية المكتملة يدخل في تكوينها بهارات معينة، إذا استثنينا شيئا واحدا منها ولو بجرعة قليلة، الأكيد أننا لن نحصل على نفس النتيجة.

يدرّب الكِتاب مؤلفي السيناريو على التحكم فيما يكتبونه وليس العكس. هو يقنعهم بأن المتفرج يجلس في غرفة مظلمة لا يوجد بها أي ضوء أو عنصر مرئي، وهم من يحددون توقيتات المعطيات وطريقة إعطائها وبأي كثافة تُعطى. وفي هذا السياق فهو يطرح نماذج عديدة لسيناريوهات أفلام نعرفها جيدا ونحبها، أخفقت في بعض الأمور أو وقعت بعض السقطات من كاتبيها، الأمر الذي أضعف الحبكة في النهاية أو ترك للمتفرج ثغرة يستطيع نقض الفيلم بأكمله بسببها.

الجيد في الكتاب أنه يستعين بأمثلة سينمائية قريبة منا سواء بالمعنى الزمني أو الوجداني. يلتقط بالأخص الأفلام التي أحدثت ضجة عند نزولها السينمات، كي نرى بأعيننا كيف تقع أعظم الأفلام في أتفه الأخطاء. وبالمثل الأفلام الجيدة، يشرّحها أمامنا كما لو أننا نقف سويا في معمل ونشرّح كائنا حيا، فيوضح بالتحليل السينمائي والتنظيري كيف أن الفيلم الفلاني ذات الحبكة التي تبدو بسيطة، التزم بمنهج ما مهّد له الطريق إلى قلوب وعقول المشاهدين. يتضمن الكتاب أمثلة لسيناريوهات من أفلام لمخرجين كبار مثل: جيمس كاميرون، مارتن سكورسيزي، كونتين تارنتينو، ألفريد هتشكوك، ديفيد فينشر، وفرانسيس فورد كوبولا.

يتناول الكتاب عدة مصطلحات سينمائية تخص حرفة كتابة السيناريو ويشرحها جيدا مثل كتب الدراسة: الفصل، المشهد، اللقطة، التتابع الحواري، التطوير، التنقيح، بطاقة الشخصية، الذروة، التمهيد. ومثل مُعلِم متواجد مع القارئ بشكل مادي، يطرح بعد كل نظرية عدة أسئلة تساهم في تقوية بنية السيناريو: مثل هل هذه الشخصية رئيسية أم ثانوية؟ هل هذا المشهد ضروري؟ ما الذي سيحدث إذا قمنا بحذفه؟ إذا لم تتضرر القصة في شيء فلماذا اعتبرته ضروريا؟ هل تريد أن تتصور النهاية بنفسك أم أنك ستترك الشخصيات هي منْ تحدد مصيرها؟ إذا كنت تريد أنت وضع النهاية فما رأيك لو تركت الشخصيات على عفويتها، هل ستنتُج نهاية أكثر صدقا؟

ثم ننتقل لأسئلة أهم بعد الانتهاء من العمل على النص: من الجهة المنوطة بتنفيذ فيلم كهذا؟ ما الذي يدفع المنتج الفلاني لصرف أمواله على فيلمك؟ ما العناصر الموجودة في فيلمك وجديرة بإقناع منتج بعينه لأنه يحب مثل هذه القضايا أو الإشكاليات؟

وبخلاف مادة السيناريو، يدرّب الكتاب المهتمين بالصنعة كيف يضعون بطاقات تعريفية لشخصيات أفلامهم تتضمن سيرهم الذاتية وماضيهم بأدق تفاصيله، حتى لو لن تظهر كل هذه التفاصيل في الفيلم، مستشهدا بأحد كُتّاب السيناريو الذي قال ذات مرة أنه يتحتم عليه معرفة كيف عوملت الشخصية التي رسمها في طفولتها وكيف ساهم ذلك في تكوينها، حتى لو لا تتذكر هي نفسها مثل هذه الأمور. زد على ذلك مسودات التخطيط الجانبية التي يرسمها المؤلف لنفسه ليستشرف خط سير الأحداث وينظم مشاهد السيناريو، وأيضا طريقة اختيار اسم الفيلم، والاستغناء عن مشاهد معينة، وحل المعضلات بتكتيكات قديمة معروفة لعدم تضييع الوقت في استحداث حلول والتفرغ لبنية الحبكة.

من مقدمة الكتاب نقرأ:

السينما تبدأ بكلمات على الدوام. فالكلمات هي من يقرر ما إذا كان للصور حق الولادة. الكلمات هي الطريق التي يجب أن يعبرها الفيلم كي تستطيع الصور أن تخرج إلى حيز الوجود. وهنا بالذات، يخفق الكثير من الأفلام.

يتطلب تقديم قصة تحبس الأنفاس وتحمِلها شخصيات حية إلى الشاشة، تقنية شديدة الخصوصية تختص بها السينما: إنها اللحظة التتي تتعلم فيها كيف تشكل بنية فيلمك. يقتضي بناء الحبكة الالتزام بقواعد شديدة الدقة سندرسها بعناية. سنحاول أن نفهم كيف يبقي كُتّاب السيناريو المتفرج في حالة تشويق على مدى ما يقارب الساعتين، خصوصا من خلال بنية السيناريو ثلاثية الفصول: العرض التمهيدي، التطوير، وحل العقدة.

كتاب فن كتابة السيناريو مترجم عن الفرنسية وصادر بالعربية عن منشورات وزارة الثقافة-المؤسسة العامة للسينما بالجمهورية العربية السورية طبعة أولى 2013 من ترجمة رانيا قرداحي في 230 صفحة من القطع المتوسط.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر