أسسها خواجة يوناني.. قصة «سبيرو سباتس» أقدم شركة مشروبات غازية في مصر

بالتزامن مع مقاطعة منتجات شركات تجارية تدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة المُحاصر، شهدت شركة المشروبات الغازية الأقدم في مصر «سبيرو سباتس – Spiro Spathis» زيادة في إيراداتها بنسبة 300%. الإقبال غير المتوقع على المشروب المصري كان سببا في عمل المصنع بلا توقف.. لم يقتصر الأمر على زيادة الإنتاج فقط. بل فتحت الشركة أبوابها لعمل من فقدوا وظائفهم في الشركات المنافسة بسبب حملات المقاطعة.

أول صودا في مصر

يرجع التاريخ الرسمي لإطلاق شركة “سبيرو سباتس” إلى عام 1920. حين تأسست على يد الخواجة اليوناني «سبيرو سباتس» الذي أراد تقديم مشروبات جديدة ومبتكرة. عرف المصريون طعم المشروبات الغازية لأول مرة في عام 1920. حين أسس مصنعا لإنتاج مشروب غازي بطعم بالليمون. والذي كان أول علامة تجارية للصودا في مصر. وفي عام 1922، حققت الشركة إنجازًا كبيرًا بإنتاج أول مشروب صودا على الإطلاق في مصر.

بدأت القصة عندما غادر الجد سباتس جزيرة سيفاليانين اليونانية متجها إلى القاهرة عام 1858، للانضمام إلى الجالية اليونانية بالقاهرة. وفي عام 1921 أحضر شقيقه، وقام الاثنان بإنشاء مصنع سباتس الأصلي في التوفيقية، بالقرب من منزل العائلة. اختاروا هذا المشروع لأن مصر كانت بلدا يتميز بالمناخ الحار. لذا فإن المشروبات الباردة كانت تجارة جيدة. وكانت العائلات اليونانية في مصر كلها تعمل في نفس مجال المشروبات. واختار سبيرو سباتس اسمه ليصبح العلامة التجارية لمشروعه الجديد حينها. عُرف مشروعه بزجاجات “الذبابة” المرسومة عليها، لكن في الحقيقة الشعار الذي اختاره سبيرو كان “نحلة” وليس ذبابة. لأنه كان يمتلك مزرعة نحل.

ولكن سبيرو سباتس بشعاره المثير للجدل، ليس نفسه مصنع سباتس القديم في التوفيقية الذي تم تأسيسيه في عام 1909، قبل أن يتشاجر سبيرو ابن الأخ مع عمه الأكبر وانطلاقه لفتح فرعه الخاص في رمسيس. في النهاية أفلس المصنع الأصلي.

أول صودا

“عصير الليمون” كان أول إنتاج لمشروب صودا في مصر، ولأنه كان منتجا محليا حظي بدعم قوي من قبل الحكومة المصرية آنذاك. ولاحقا دعمه الملك فاروق الأول بشدة. وتم التعاقد مع “سبيرو سباتس” لتوريد مشروباته للقصور الملكية في كل المناسبات.

«المشروب الرسمي لكل الشعب المصري» بهذا الشعار نجح الخواجة سبيرو سباتس في تحقيق نجاح كبير في مصر. وكان المشروب المفضل لعدد كبير من المشاهير من بينهم المطربة أم كلثوم. وبعد ثماني سنوات، قرر مضاعفة إنتاج شركة سبيرو سباتس، عبر بناء مقر جديد لمصنع مياه الصودا في أسوان. بحسب خبر نُشر بوكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1963.

توفي الخواجة سبيرو سباتس عام 1950، ودُفن بالقاهرة في مقبرة عائلة سباتس بالمقبرة اليونانية. واستكمل الابن إيليا مسيرة والده للعمل في صناعة المشروبات الغازية. وبعد ثورة يوليو 1952، تم دعم المنتج في العام نفسه كمنتج وطني مميز.

مدفن سبيرو سباتس بمقابر الروم الأرثوذكس بالقاهرة
مدفن سبيرو سباتس بمقابر الروم الأرثوذكس بالقاهرة
مظاهرة باسم سبيرو سباتس

ارتبط اسم سبيرو سباتس بالسياسة أيضا. ورغم أنه لم يتم تأميم شركته بعد ثورة يوليو 1952، وظلت منتجا وطني الصنع في بلاط القصور الرئاسية. إلا أن الشباب هتفوا ضدها في المظاهرات.

بحسب الروائية أهداف سويف في روايتها “في عين الشمس” تقول: “في إطار تظاهرات الطلاب بعد نكسة عام 1967، وثورتهم ضد عبدالناصر، حاصرتهم قوات الأمن. كان قائد المظاهرة يحمل في يده زجاجة “سبيرو سباتس” فظل يهتف “سبيرو سباتس خان الشعب”. على الفور فهم المتظاهرون المعنى الذي يقصده -هتافات ضد عبدالناصر- وظلوا يرددون معه الشعارات نفسها، ألقت الشرطة حينها على عدد من المتظاهرين وفرقتهم، وبعد 10 أيام خرجوا”.

تنازل رسمي 

على مدار ثماني سنوات نجح “إيليا” في الحفاظ على المسيرة الناجحة التي بدأها والده، حتى وفاته في عام 1960. وفي العام نفسه عادت السيدة أفخيا، الابنة الصغرى لسبيرو سباتس. لتدير مصنع والدها بعد سنوات طويلة قضتها في سويسرا للدراسة.

وبحسب ورقة بحثية نشرت عام 2013 عن تاريخ العائلة، لم تمتلك أفخيا – التي ولدت عام 1928 – الشغف نفسه الذي امتلكه والدها وشقيقها. وبعد عودتها إلى مصر قررت الاستعانة بخبراء تسويق. وفي عام 1976، قررت استغلال طاقات الشباب العاطل. ومضاعفة الطاقة الإنتاجية السنوية للمصنع. لتصل إلى 36 مليون جنيه بميزانية وصلت إلى 70 ألف جنيه.

وفي عام 1960، عادت السيدة أفخيا، بعد أن أكملت دراستها، لإدارة المصنع بعد وفاة شقيقها. واصلت مهنة والدها وشقيقها في تطوير منتجات Spats حتى الشركة. وتم التنازل عن العلامة التجارية لشركة “سابسا للمياه الغازية” عام 1998.

الموقع الرسمي لسبيرو سباتس
الموقع الرسمي لسبيرو سباتس
المالك الجديد 

تأسست شركة سابسا عام 1970 على يد مالكها طلعت وسمير عطوان. وكان مقرها في مدينة السويس، واستمر التطوير في الشركة عبر إضافة نكهات أخرى إليها، حتى وفاة الأخوين عام 2009.

تم إغلاق المصنع حتى عام 2015. وفي عام 2019 رجع الجيل الثالث يوسف ومينا عطوان لتطوير الشركة وإطلاقها بشكلها الجديد، عن طريق تجديد العلامة التجارية وقاموا بتغيير العبوة بالكامل وإضافة نكهات جديدة. لكنهم احتفظوا بنفس الشعار واسم العلامة التجارية للربط بين تاريخهم الطويل والمستقبل.

صورة متداولة باعتباره سبيرو سباتس مؤسس شركة مياه الصودا
صورة متداولة باعتباره سبيرو سباتس مؤسس شركة مياه الصودا
حقيقة صورة سبيرو المتداولة

يتضمن الموقع الرسمي للشركة تعريف بالمؤسس الأول لمصنع سبيرو سباتس في مصر. الجد الأكبر الذي وفد غلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر.

«باب مصر» بحث عن صاحب الصورة الأصلي، واتضح أنه يوناني بالفعل ولكن ليس له علاقة بمصر أو تصنيع المشروبات الغازية ولم يزر مصر من قبل. صاحب الصورة هو الموسيقار سبيريدون سباثيس (1852–1941) كان سباتيس موسيقيًا موهوبًا منذ صغره، وتسرد حفيدته سيرته على مدونة شخصية: “بدأ يظهر حبه للموسيقى في سن التاسعة، حينما كان يرافق الكاهن في رحلاته على ظهور الحمير ويغني بصوته الرائع، وكان عرف بموهبته في موسيقى الكنيسة”.

على مر السنين، تطورت موهبة سباتيس واكتسب خبرة كبيرة في ترتيل الترانيم الأرثوذكسية. وعلى الرغم من عدم معرفته بقراءة النوتات الموسيقية وعدم امتلاكه أي كتب تشرح النظرية الموسيقية، إلا أنه تمكن من اكتشاف الموسيقى الأوروبية ودراستها فيما بعد.

ويشير البحث الذي أجري في باريس واليونان إلى أن سباتيس كان يتمتع بمعرفة واسعة بالموسيقى الأوروبية ولم يتعرف على موسيقى الكنيسة اليونانية إلا بشكل تجريبي. وقام سبيريدون سباتيس، مساعد ألكسندروس كاتاكوزينوس في “جوقة القصر”، بتأليف أغنية الكنيسة الشهيرة “بوليكرونيو”، وكان أول رئيس لأوركسترا أثينا. أدت شهرته ونشاطه اللاحق في فرنسا إلى عضويته الفخرية بعد وفاته في الجمعية الفرنسية للملحنين والموسيقيين، ووصلت إلى الولايات المتحدة أيضا.

اقرأ أيضا:

«الزمان والمكان في فلسطين».. 14 دراسة متعمقة حول أرض الأقصى التاريخية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر